"حركة عدم الانحياز تعاني من أزمة هوية ويتوجب إعادة صياغة مهامها"
١٥ يوليو ٢٠٠٩انطلقت أعمال القمة الخامسة عشر لحركة عدم الانحياز اليوم الأربعاء (15 يوليو/تموز) في منتجع شرم الشيخ المصري بدعوات إلى إقامة نظام دولي جديد أكثر توازنا يأخذ في الاعتبار مصالح دول الجنوب النامية. وعقدت الجلسة الافتتاحية من القمة التي تستمر يومين، بحضور قادة أكثر من خمسين دولة إضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، لكن في غياب الرئيسين الإيراني محمود احمدي نجاد والسوري بشار الأسد اللذين يلعب بلداهما دورا محوريا في الشرق الأوسط.
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أن هناك مجالا واسعا لإسهام حركة عدم الانحياز في توفير الأمن والسلم والرفاهية في العالم. وقال بان، في كلمته خلال افتتاح القمة الخامسة عشرة لدول الحركة: "إن حركة عدم الانحياز وفى مسعاها لتحقيق السلم والأمن تلعب دورا بالغ الأهمية لإقامة وتحقيق عالم خال من أسلحة الدمار"، مؤكدا أن نزع السلاح من الأسس الراسخة لتحقيق السلم والأمن الدوليين. وأضاف أن "مؤتمر نزع السلاح يسعى دائما لتحقيق ذلك، والخطوات التي تتخذ بالتعاون معكم تهدف للتوصل إلى اتفاقية منع انتشار الأسلحة، وأنى أمد يد التعاون الوثيق معكم من أجل ضمان نجاح المؤتمر، وعلينا أن نحقق رؤيتنا وحلمنا لعالم خال من الأسلحة النووية".
فشل في التعامل مع تداعيات الأزمة المالية العالمية
وعلى الرّغم من عراقة الحركة التي تم تأسيسها عام 1955 وكبر حجمها، ذلك أنّها تضمّ أكثر من مائة دولة، إلاّ أن العديد من المراقبين ينظرون إليها على أنّها منظّمة تفتقد إلى الثقل السياسي في إطار نظام القوى الدّولي الحالي. ولتسليط الضّوء على مدى فاعلية حركة عدم الانحياز خاصّة مع تغيير الخارطة الجيوسياسية خلال العشرين عاما الأخيرة أجرى موقعنا لقاء مع الدكتور جمال عبد الجوّاد، مدير وحدة دراسات العلاقات الدولية في مركز الأهرام للدّراسات الإستراتيجية والسّياسية في القاهرة. وعن دور دول حركة عدم الانحياز في معالجة القضايا العالقة مثل تداعيات الأزمة المالية العالمية على اقتصاديات البلدان النّامية يقول جمال عبد الجوّاد إنها فشلت حتّى الآن في تطوير برنامج تنموي محدّد للتعامل وتطوير سياسات قابلة للتنفيذ وتخدم المصالح الاقتصادية لدول العالم الثالث. وأشار إلى أن تحرّكات المُنظمة قد اقتصرت في القترة السّابقة على إطلاق نداءات وإصدار في محاولة لإسماع صوت العالم الثالث، ولكن لم يسّجل حتى الآن أي نجاح في تطوير سياسات محدّدة أو اتخاذ إجراءات ملموسة قابلة للتنفيذ.
تشكيل تجمّعات إقليمية في صلب حركة عدم الانحياز
كما أكّد الخبير المصري في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الدولية صعوبة توصّل مجموعة عدم الانحياز إلى تطوير سياسات مشتركة. ويعزو ذلك إلى ارتفاع عدد أعضاء المنظّمة الذي يناهز المائة واختلاف ارتباطاتها ومصالحها. وعليه يدعو الخبير إلى تشكيل تكتلات إقليمية في صلب الحركة بهدف تنسيق أفضل بين الأعضاء. ويرى الخبير أن ضعف التعاون الدولي جنوب –جنوب وضعف التكامل الاقتصادي على مستوى الجنوب يشكّل العقبة الرئيسية أمام نجاح هذه المنظّمة في معالجة قضايا كبيرة.
هل تنجح في لعب دور في نزاع في قضية الشرق الأوسط؟
وفيما يتعلّق بقضيّة الشرق الأوسط وعن دور منظّمة عدم الانحياز في التأثير فيها يقول جمال عبد الجوّاد إن للمنظمة دور تقليدي مؤيّد للفلسطينيين، مشيرا في الوقت نفسه إلى نسبية وزن المنظمة وقلّة تأثيرها السّياسي. ولكن الخبير المصري يرى في موقفها النقدي من الحكومة اليمينية الإسرائيلية بشأن عدد من النقاط مثل استمرار بناء المستوطنات في الضفة الغربية، قد يؤدّي إلى "إشعار إسرائيل بأنّها معزولة في المجتمع الدولي، طالما تتبع مثل هذه السياسات"، وبالتّالي، يتوقّع أن يكون لذلك تأثيرا مهمّا على صانعي القرار الإسرائيلي وخاصّة على الرّأي العام الإسرائيلي.
ضرورة إعادة صياغة مهام الحركة وتحديد هويتها
على صعيد آخر، يطالب عبد الجواد بضرورة أن تعيد حركة عدم الانحياز تحديد هويّتها ومهمّتها بشكل يتلاءم مع طبيعة النظام الدولي الحالي. وعلى الرّغم من أن الحركة "تعاني من أزمة هويّة" على حدّ تعبير جمال عبد الجوّاد، إلاّ أنّه شدّد على أهمّيتها باعتبارها حركة جامعة لكل دول العالم الثالث، مشيرا إلى ضرورة أن يكمن هدفها الرئيسي في إتاحة فرصة أفضل للتنمية في الدول النامية والفقيرة، وبالتالي قد تكون صوتا إضافيا لهذه البلدان. ولفت جمال عبد الجواد إلى أن دول عدم الانحياز –رغم ضعفها وقلّة وزنها السياسي – يمكنها التأثير على المدى المتوسّط والبعيد على العلاقات الدولية في اتّجاه إصلاح النّظام الدّولي "من خلال إحداث تغييرات تدريجية في اتجاه دمج متساوي وعادل لدول العالم الثالث في النظام الدولي" على حدّ قوله.
الكاتبة: شمس العياري
مراجعة: عبده جميل المخلافي