حفلات التخرج من الثانوية: توديع للطفولة وتتويج للاجتهاد
٢٣ يونيو ٢٠١٢على أحر من الجمر ينتظر التلاميذ هذا اليوم الذي يحمّلون فيه تاج البالغين، هذه المرحلة الانتقالية مفعمة بالحماس للمستقبل وبالعاطفة التي تجعل البعض منهم يتخوف من مستقبل، يطلب منهم أن يكونوا مستقلين في قراراتهم. وقبل أن يدخلوا متعرك الحياة الجديدة، مودعين طفولتهم ليصبحوا من عداد البالغين، يُقام على شرفهم حفل مسائي كبير.
عن هذا يقول فينفريد غيبهارد، أستاذ علم الاجتماع الثقافي في جامعة كوبلينس: "يعتبر يوم توزيع الشهادات نقطة تحول في شخصية التلميذ الذي كان طفلاً وأصبح بعد هذا من جيل الكبار". ويضيف غيبهارد قائلاً: "دائماً ما كان الشباب تواق ليكون مستقل في تصرفه، ويحبذ فصل كل مرحلة عن الأخرى. يرفض جيل الشباب شكل احتفالات ذويهم كما رفض ذويهم احتفالات أجدادهم. ويعتبر هذا اليوم بمثابة يوم قطع حبل السرّة مرة ثانية، أي يوم الانتقال إلى مرحلة الاستقلالية".
كابوس الامتحانات المدرسية
ما أن ينتهي التلاميذ من التحضير لامتحانات الثانوية العامة (البكالوريا) حتى يغرقوا في كابوس الامتحانات، لكن بعد انتهاء كل شيء وبعد أخذ قسط من الراحة القصيرة، يبدأ هؤلاء الطلاب بتدبير أمور حياتهم الجامعية والانخراط في معترك الحياة الحرة والمستقلة.
جاء الوقت لتنفض فيرا التعب عن كاهلها، أسابيع قضتها مع أعضاء مجموعتها في التحضير لامتحانات الثانوية العامة، أسابيع مضت من الجد والتعب كي يتخطوا المرحلة الدراسية. واليوم أصبح كل شيء من الماضي، لقد انتهت فيرا ميتلَر من الامتحانات، إنها تتنفس الصعداء، لقد تركت خلفها سن الطفولة وأجواء المدرسة، وها هي تنظر الآن إلى الأمام، إلى الحرية والاستقلالية في الحياة، وحسبما يبدو الأمر، فهي تعرف ما تريد.
فخورة تعرض فيرا ميتلَر قميصها الذي كتب عليه في الخلف، أريد أن أكون مليونيرة، مسايرة لشعار ثانوية الكاردينال فرينغز في مدينة بون لسنة 2012 الذي جاء فيه "النجاح.. السلطة.. الثراء". وعلى القميص من الأمام صورة "داكي دوك" وعيناه تشع بعلامة الدولار.
التحضير للاحتفال بدأب
هذا اليوم يطبع في ذاكرة التلاميذ البالغين الكثير من الذكريات، لذلك يشكل هؤلاء التلاميذ لجنة خاصة تهتم بالتخطيط لحفل التخرج. وتستمر التدريبات لهذا الحفل لأسابيع وربما لشهور وكأنه عمل مسرحي. كل التلاميذ يشاركون في الحفل وكل يؤدي دوره حسب قدرته وحسب وقته، أنهم يتدربون على أدوار غنائية وراقصة وكوميدية، رغم التحضير المجهد للامتحانات. سوف يؤدون هذه الأدوار أمام مدرّسيهم وذويهم وأصدقاءهم.
لكن بعد انسحاب الأهل والهيئة التدريسية من الحفل الأول يبدأ التلاميذ احتفالهم في القاعة التي يحجزونها من أجل هذه المناسبة، وهنا يأتي وقت الرقص والموسيقى الصاخبة حتى الصباح. في هذا المساء ترتدي الفتيات أجمل فساتينهن التي يشترينها خصوصاً لهذه المناسبة، والشباب يأتون في بدلاتهم الجميلة أيضاً.
دومينيك أولمان تعرف ما معنى التحضير لمثل هذه الاحتفالات، فهي منذ شهور منغرسة في الإجراءات والعمل، تهتم بطباعة القمصان، وبحجز القاعة، فيما يكتب آخرين برنامج الاحتفال، ويهتم غيرهم بالأكل والشرب. سيكون الاحتفال مكلفاً جداً لذلك يشارك كل التلاميذ وأصدقائهم وذويهم في التكلفة العامة من خلال تسديد بطاقة الدخول التي تصل إلى 30 يورو للشخص الواحد. مصاريف مثل هذه الحفلات التي ينظمها التلاميذ، قد تصل إلى عشرة آلاف يورو.
موضة جديدة
اليوم أصبح الاحتفال مناسبة للإسراف والتعبير المفرط عن الحالة الاجتماعية، إذ يتم حجز أغلى الصالات واستئجار سيارات الليموزين ومد السجاد الأحمر أمام مداخل صالات الاحتفالات. هناك من يُوَكّل مكاتب خاصة للقيام بهذه الإجراءات كلها. وقد تصل المصاريف هنا إلى عشرين ألف يورو وبعض الأحيان إلى ثلاثين. مبالغ كبيرة لا يقدر عليها أغلب أهالي التلاميذ، ورغم ذلك تجد أن بعض المدارس تتجه بهذا الاتجاه. ومثل هذه الاحتفالات تكون جديرة بأن تصوّر كفيلم سينمائي.
لكن تلامذة ثانوية الكاردينال فرينغز في مدينة بون قرروا التحضير للحفل بنفسهم ودون أي مساعدة خارجية. وحسب ما تقول فيرا ميتلَر: "إن التحضير لمثل هذا اليوم له متعة خاصة، لا نريد أن نفتقدها، لذلك قررنا أن نأخذ الأمور بأيدينا". إنهم يتدربون على رقصة الفالس كي يفتتحوا احتفالهم بها. "إنه تقليد كلاسيكي"، تقول دومينيك أولمان.
كيفية الاحتفال تغيرت من حقبة لأخرى
إن الاحتفال بنهاية المرحلة المدرسية تقليد عريق في ألمانيا. قبل الحركة الطلابية عام 1968 كان لهذه الاحتفالات طابع رسمي ولكن بعد هذه الحركة قاطع التلاميذ أغلب الاحتفالات الرسمية، حيث خطابات المدير وهيئة التدريس كانت تدوي بين التلاميذ. وعوضاً عنها أصبحت تقام "احتفالات البيرة" حول موقد في إحدى الحدائق أو على ضفاف نهر أو بحيرة. وحسب قول فينفريد غيبهارد: "لقد تغير شكل الحفلات مع الوقت ولكن التقليد مازال قائم".
والحجة في إقامة الحفلات الصاخبة حسب قول دومينيك أولمان: "هو أن التلاميذ يودّعون الحياة المدرسية مرة واحدة في حياتهم وهذا سبب مقنع لأن يحتفل كل حسبما يرى، ليبقى هذا اليوم محفوراً في الذاكرة".
وهنا تذكر زميلتها فيرا ميتلَر سبباً آخر، حيث تقول: "أن أغلب الفتيات يحلَمن أن يكنّ ولو ليوم واحد فقط في حياتهن أميرات. وهذا اليوم يحقق لهن الحلم. لذلك يُرفض اللباس العادي في مثل هذه الاحتفالات من الجميع".
ويذكر فينفريد غيبهارد عالم الاجتماع سبباً مهماً للاحتفالات الفارهة هذه، حيث يقول: "إن الضغط النفسي لذي يتعرض له التلميذ خلال التحضير لامتحانات الثانوية العامة النهائية كبير جداً، ومن ينتهي من مرحلة مهمة في حياته وبجدارة يريد أن يحتفل بها بالعلن أيضاً".
ليست ألمانيا البلد الوحيد في إقامة حفلات التخرج من المدرسة الثانوية، وبهذا البذخ، أمريكا تفوقت عليها، ولا ننسى لبنان ودول عربية أخرى أيضاً. على كل الأحوال أصبحت حفلات التخرج بمثابة حفلات عرض للأزياء.
فيرا كيرن/ فؤاد آل عواد
مراجعة: عماد غانم