لاجئون سوريون يحلمون في القاهرة بمستقبل أفضل
٢٥ يوليو ٢٠١٥خلف الفيلات الفاخرة المسيًجة ومراكز التسوق الضخمة في ضواحي القاهرة الثرية تتواجد مجموعة من البنايات الخراسانية الرمادية. في أحد هذه المباني تقع جمعية خيرية محلية صغيرة لمساعدة اللاجئين. وفي قاعة الانتظار تجلس بعض النساء السوريات فوق الكراسي البلاستيكية، آملين في الحصول على بعض المساعدات.
سارة، البالغة من العمر 39 سنة وأم لثلاثة أطفال، واحدة من اللاجئات السوريات، اللواتي جئن للجمعية طلبا للمساعدة. رضيعتها الصغيرة تعاني من المرض، حيث ولدت قبل الأوان، كما تقول سارة، التي تشير بأن خوفها الأكبر الآن ليس على ابنتها، بل على زوجها الذي غادر الأسرة قبل ثلاثة أشهر، متوجها صحبة أحد المهربين إلى إحدى الدول الغربية. وتضيف سارة بأنه دفع كل مدخرات الأسرة لأحد المهربين من أجل السفر إلى دولة غربية، قد تكون نيوزيلندا، على حد قولها. غير أنها لا تعرف بالضبط مكان وجوده حتى الآن، فمنذ ذلك الحين لم تسمع عنه شيئا. وفي هذا الصدد تقول سارة "أنا قلقة جدا، ولكن لا بد أن أكف عن التفكير فيه وأن أتمالك نفسي حتى أستطيع أن أوفر الرعاية لأسرتي". وتهمس سارة في حديثها مع DWبأن زوجها لا يعلم شيئا عن ولادة ابنته.
صراع يومي من أجل لقمة العيش
سارة تعلم أن زوجها قد لن يتمكن بالفعل من الوصول إلى نيوزيلندا وهي تعرف أيضا أن عددا كبيرا من الناس يموتون في رحلتهم من الشرق الأوسط إلى البلدان الغربية. ولكنها تقول أنه لم يكن لديه خيار آخر، على حد تعبيرها. فقد كان زوجها عاملا بسيطا، في حين كانت سارة تعمل كمساعدة في إحدى الحمامات. ولكنها اضطرت إلى وقف العمل قبل ولادة ابنتها بفترة قصيرة. ورغم عملهما، إلا أن الأسرة الصغيرة كانت تجد صعوبة كبيرة من أجل تلبية الحاجيات اليومية.
أسرة سارة ليست استثناءا، فالعديد من اللاجئين يعيشون في نفس الظروف، إذ تتجدد معاناتهم كل يوم بحثا عن لقمة العيش عبر وظائف عابرة أو بعض المساعدات التي تقدمها الجمعيات الخيرية أو الصدقات التي يحصلون عليها في أبواب المساجد. علاوة على ذلك فإن الاقتصاد المصري يشهد تراجعا ملحوظا في ظل ارتفاع التضخم. وهو ما يجعل تكلفة الحياة في هذا البلد الفقير في تزايد مستمر. بالإضافة إلى ذلك، فإن منظمات الإغاثة الدولية - مثل برنامج الأغذية العالمي، قد خفضت حجم مساعداتها، إذ وزعت إيصالات الغذاء على حوالي 87 ألف لاجئ فقط.
انعدام أبسط الحقوق والحاجيات
وفي هذا الصدد تقول اللاجئة السورية، فائدة، البالغة من العمر 44 سنة بأن تراجع المساعدات دفعها لبيع جميع الأثاث التي في حوزتهم من أجل شراء دواء لزوجها المريض. من الناحية النظرية يمكن لفائدة وزوجها الاستفادة من خدمات المرافق الصحية والتعليمية. ولكن في بلد تعاني فيه المستشفيات والمدارس من نقص التمويل والاكتظاظ، يشتكي العديد من اللاجئين بأنهم آخر من يحصل على الدواء أو يستفيد من الخدمات الصحية والتعليمية.
من جهته يقول الشاب السوري ملهم معاذ الخن، مدير جمعية الغد ، التي تأسست في عام 2012 كمنظمة تهدف إلى مساعدة مئات الآلاف من اللاجئين الذي يتدفقون على البلاد، إن حياة اللاجئين تزداد صعوبة في ظل الظروف الحالية.، حيث أصبح من المستحيل تقريبا الحصول على تأشيرة أو تصريح عمل بطرق قانونية، فالفساد اليوم هو السبيل الوحيد للحصول على ذلك، على حد تعبير الخن، الذي يضيف بأن ذلك يكلف حوالي 2770 يورو. ويقول الخن بحسرة، "في أوروبا، تساعد الحكومات اللاجئين السوريين في العثور على سكن وعمل. ولكن هنا اللاجئون ليس لديهم حتى أبسط الحقوق الأساسية". وتدفع هذه الظروف الصعبة العديد من اللاجئين السوريين لمغادرة مصر. وفي هذا الصدد يقول الخن بأن عدد اللاجئين تراجع من 700 ألف إلى 300 ألف وأن حوالي 25 ألف لاجئ سوري غادروا مصر السنة الماضية بطريقة غير شرعية في اتجاه بلدان أخرى. ولكن" إذا لم يساعدنا المجتمع الدولي في مغادرة البلاد بطريقة قانونية فسنتركه بطريقة غير قانونية"، يضيف الشاب السوري.
" بعض المحظوظين"
وبعيدا عن مقر الجمعية الخيرية ينتظر عدد قليل من المحظوظين القلائل الذين سيسافرون من مصر إلى ألمانيا بطريقة قانونية، في إحدى القاعات في السفارة الألمانية. ومن بينهم أسرة لاجئة من سوريا تجلس حول طاولة، وضع عليها بعض المشروبات والبسكويت. إنهم ينتمون إلى مجموعة من 154 لاجئا سوريا الذين سيسافرون في هذا الأسبوع إلى ألمانيا. ومنحت الحكومة الألمانية حق اللجوء لأسباب إنسانية لـ 20 آلف طالب لجوء هارب من الحرب الأهلية السورية. نسبة يعتبرها البعض ضعيفة بالمقارنة مع النسبة العامة للاجئين السوريين.
وتعتبر هناء عبد الحليم الصوفي واحدة من بين اللاجئين الذين سيغادرون مصر باتجاه ألمانيا. وتقول هناء البالغة من العمر 32 سنة وأم لثلاثة أطفال، بأنها كانت سعيدة جدا عندما تلقت خبر السماح لها بالسفر إلى ألمانيا، مضيفة أن "أطفالنا الآن سيحصلون على تعليم أفضل والمعاملة ستكون أفضل بكثير مع أشقاء زوجي". وتضيف الأم السورية القادمة من حمص بأن أشقاء زوجها المعاقين ذهنيا سيحصلون على الرعاية المناسبة في ألمانيا بخلاف ما هو الحال عليه في مصر.
معظم اللاجئين الذين يسافرون إلى ألمانيا، لديهم علاقات أسرية هناك. ولكن البعض مثل عائلة هناء، يتم اختيارهم من قبل وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) لأسباب إنسانية أو صحية.
"أريد أن أتعلم"
أبن هناء، محمد البالغ من العمر خمس سنوات متحمس للقدوم إلى ألمانيا. إذ تقول والدته بأنه يسألها بشكل يومي عن ما إذا سيحصل على دراجة وألعاب وأن يذهب إلى الحضانة. هذا في حين يفتقد أخوه الأكبر عبد الله البالغ من العمر عشر سنوات أصدقائه في سوريا. ولكنه سعيد أيضا بالسفر لألمانيا، وخاصة الذهاب للمدرسة، حيث يقول"أريد أن أتعلم".
وفي الوقت الذي يفتح فيه أفق جديد لعائلة هناء، مازالت سارة تحمل رضيعتها المريضة في مقر الجمعية الخيرية داخل في البناية الخراسانية الرمادية. ورغم كل الصعوبات فإن سارة لم تفقد الأمل في العودة إلى حلب، حيث تقول: "بغض النظر عن كل ما يحدث، ورغم جميع الأعمال الوحشية والعنف، نحلم أن نعود إلى موطننا في يوم من الأيام"