حي سور.. شاهد على الحرب ومعاناة السكان في ديار بكر
٣ يوليو ٢٠١٧الحادثة الفظيعة حصلت في يوم أحد عندما كانت فاطمة تأكل بصحبة زوجها عبد القادر وأطفالها الخمسة وأعضاء آخرين من العائلة، فانفجرت القنبلة، واخترقت شظاياها الجدار وقتلت بنت أخيها. الجميع فقدوا الوعي. وعندما وقعت هذه الفاجعة كانت فاطمة وعائلتها لاجئين بدون مأوى.
معارك ضارية في قلب المدينة
عائلة فاطمة من بين نحو 24 ألف شخص هُجروا من "سور" أحد أحياء مدينة دياربكر في جنوب شرقي تركيا. وشهدت الحرب في وسط المدينة تصعيدا عندما انتهت مهلة وقف إطلاق النار المبرم بين حزب العمال الكردستاني المحظور والحكومة التركية. وأفاد تقرير لمنظمة العفو الدولية أن المعارك أدت إلى مقتل 368 مدنيا على الأقل في المنطقة. وبسبب إجراءات حظر التجول منذ سبتمبر/ ايلول 2015 كان بعض السكان بدون مؤن غذائية وبدون مياه، وأجبروا على مغادرة منازلهم.
انتهت المواجهات المسلحة رسميا في سور في مارس/ آذار 2016. لكن البؤس مستمر حتى بعد مرور أكثر من عام على تلك الأحداث. وفقد الناس مثل فاطمة وعائلتها مساكنهم وذويهم وأساس معيشتهم.
فاطمة تفتح الباب في منزلها الجديد المؤقت في سور، وتطلب من المبعوثة الدخول إلى حجرة يجلس فيها زوجها عبد القادر ورضيع يتناولان وجبة الفطور.
فاطمة أقامت مع عائلتها طوال عشر سنوات في منزلها القديم في سور، والذي تعود ملكيته لوالدة عبد القادر. وعندما اقتربت المعارك من باب البيت في سور، أجبرت فاطمة مع عائلتها على الانتقال إلى بيت في حي آخر بالمدينة حيث مكثوا فقط لمدة شهرين، إذ سقطت قنبلة على البيت وحدثت الفاجعة التي أودت بحياة بنت أخيها. وبعدها وجدت العائلة ملجأ في أحد الفنادق.
دعم ضعيف من الدولة
الحكومة دفعت تكاليف الفندق التي كانت تصل إلى 2000 ليرة تركية في الشهر، لكن بعد ستة أشهر أرغمت العائلة على المغادرة. ولا تزال الحكومة تمنح العائلة دعما بمبلغ 1000 ليرة تركية شهريا، غير أن هذا المبلغ لا يكفي للعيش. وتقول فاطمة: "أخذنا الكثير من الأشياء من حاويات النفايات، لأنه لم يعد لدينا شيء من بيتنا المدمر. والمال الذي تقدمه الدولة لا يكفي لتعويض ما ضاع والعناية بخمسة أطفال. نحاول التقليل من الأكل، إذ لا نستطيع شراء بعض المواد الغذائية".
أندري غاردنير، خبير الشؤون التركية من منظمة العفو الدولية، يقول إن الدعم للإيجار مهم لبقاء الكثير من العائلات. لكنه ينتقد التوقف عن صرف المال فور حصول أحد الأشخاص في العائلة على عمل. ويقول: "بعض العائلات مكونة من عشرة أشخاص أو أكثر. وإذا حصل أحد أفراد العائلة على عمل براتب شهري بسيط، فإن ذلك لا يكفي لتغطية تكاليف الإيجار".
العزلة في ضاحية المدينة
زيتين، تسكن في شقة بعمارة في ضاحية دياربكر. قبل الحرب عاشت مع عائلتها طوال 22 عاما في حي سور، وتقول واصفة البيت "كان جميلا ومليئا بالنور. كانت فيه حديقة كبيرة مع بئر. وكان كثيرون يزوروننا. لكن الآن كل شيء دُمر وصار حطاما".
أجبرت زيتين خلال المعارك على مغادرة البيت في سور مع زوجها والأبناء الثمانية. بعد الحرب عادت إلى المنزل، لكن لم يبق منه شيء وتحول إلى أنقاض. فأقامت في الطابق الأرضي لعمارة كانت في الأصل قاعة اجتماعات، وهي تشكر الجيران الذين قدموا لها المساعدة ومنحوها بعض الأثاث.
زيتين وعائلتها يدفعون الآن مبلغ إيجار شهري يصل إلى 650 ليرة تركية، وفور انتهاء السنة المدرسية يريدون الانتقال إلى سكن أرخص حيث يكلف الإيجار فقط 450 ليرة تركية، لأنها لا تقدر على العمل. وتقول: "أصبحت مريضة بعد الحرب، قلبي يسبب لي بعض المتاعب". وتوضح لنا بأن أحد الشرايين مسدود وصمام القلب منتفخ.
أطفال زيتين مثل أطفال فاطمة لا يزالون يعانون من صدمات الحرب ولا يقدرون على التركيز في المدرسة. وتقول: "لا أريد العيش هنا، لا نشعر بالطمأنينة هنا". وتقول بحزن عندما تتذكر العدد الكبير من الناس الذين ماتوا في الحرب: "لن أتمكن من نسيان ذلك".
لاجئون مدينتهم!
نعود إلى سور، إنه يوم حار جدا. دفران كايا يبيع مثلجات ويحكي كيف فقد محله بسبب الحرب. ولم يحصل على أي مساعدات أو تعويضات لا من المنظمات الإغاثية ولا من الدولة، إنه يحصل على الدعم فقط من عائلته. لكن إيجار المحل الصغير مرتفع جدا. "أدفع تقريبا 200 ليرة تركية شهريا. وهذا يبين الحرمان الذي نعاني منه. لا أقدر على التحمل، ولا أحد يفكر فينا. نشعر بأننا بلا وطن ومهمشون. لا أجد الكلمات للتعبير عما أشعر به. أنا مثل لاجئ في مدينتي".
وتعمل الحكومة حاليا على هدم الكثير من المناطق بالجرافات، فهي تريد إنشاء مشروع إنمائي أعلنت عنه بعد نهاية الحرب، وهذا يعني بالنسبة للكثيرين الذين فقدوا سكنهم مواصلة الترحال. فاطمة وعائلتها سيفقدون مأواهم الحالي، وحتى كايا سيفقد محله الجديد، ولا أحد يقول متى ستأتي الجرافات.
فيراك يرن/ م.أ.م