خبراء لـDW :الهيدروفلوريك يمكنه تحليل الجسد البشري بالكامل
٩ نوفمبر ٢٠١٨تسريب جديد خرج من مكتب المدعي العام التركي تحدث عن استخدام عناصر أمنية سعودية لحمض الهيدروفلوريك في إذابة جثمان الصحفي الراحل جمال خاشقجي.
قضية استخدام المواد الكيميائية مع معارضين وصحفيين تعيد إلى الأذهان وقائع لأحداث سابقة مشابهة، ففي بريطانيا وجه الاتهام لشخصين يرجح أنهما ضابطان في جهاز الاستخبارات العسكرية الروسية بمحاولة اغتيال الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا باستخدام غاز النوفيتشوك (أحد المركبات الفوسفورية العضوية شديدة السمية) ما نتج عنه أزمة دبلوماسية خطيرة بين عدة دول أوروبية وبين روسيا لازالت أصداؤها مستمرة إلى اليوم.
أما عربيا فقد تواترت روايات حول مقتل المعارض المغربي البارز المهدي بن بركة وإذابة جثمانه باستخدام أحد الأحماض القوية، ما جعل محاولات العثور على جثمانه لغزاً لم يحل إلى اليوم. وفي عهد الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، انتشرت أيضاً قصص استخدام النظام العراقي للأحماض للتخلص من جثث المعارضين.
وكان مصدر في الإدعاء العام التركي قد أكد العثور على بقايا حمض الهيدروفلوريك ومواد كيميائية أخرى في منزل القنصل السعودي باسطبنول وفي قنوات الصرف الصحي بالمنطقة المحيطة به.
وبحسب التسريبات الصادرة من مكتب المدعي العام التركي فإن خبير السموم خالد الزهراني والكيميائي أحمد الجنوبي كانا ضمن فريق التحقيق السعودي المشترك الذي تشكل الشهر الماضي مع فريق تحقيق تركي للبحث بمصير خاشقجي، وأنهما قاما بطمس الأدلة خلال فترة تواجدهما في القنصلية السعودية ومنزل القنصل السعودي، حسب ما جاء في التسريبات التركية.
الهيدروفلوريك..سلاح ذو حدين
يشير موقع المركز الأمريكي لمكافحة ومنع الأمراض إلى أن حمض الهيدروفلوريك له استعمالات مختلفة في عدة نواحي صناعية وطبية. لكن التعرض للحمض ونواتج تحليله تسبب مشكلات صحية خطيرة في الرئة نظراً لتأثيره الحارق والمهيج للأغشية المخاطية، كما أن تعرض الجلد البشري له يسبب حروقا شديدة للغاية وتآكلاً في الجلد قد يصل إلى العظام بحسب مدة التعرض للحمض والتركيز المستخدم منه.
ونظراً لتمتع الحمض بدرجة عالية من القوة فإنه لا يخزن إلا في عبوات خاصة من البولي ايثيلين شديد القوة.
الدكتور هينز لانجهالز أستاذ الكيمياء بجامعة ميونيخ قال رداً على سؤال بالبريد الإلكتروني لـ DW عربية إن حمض فلوريد الهيدروجين المائي (الصورة الغازية للمركب مذابة في الماء) هو حمض تتراوح قوته بين متوسط إلى شديد القوة بحسب درجة التركيز.
ويضيف البروفيسور لانجهالز بأن الأحماض العادية لها القدرة على إحداث فعل التآكل في الانسجة البشرية ويختلف التأثير بحسب نوع الحامض وقوة تركيزه، "والحقيقة أن حمض الهيدروفلوريك شديد القوة وتأثيره أكثر سرعة وأشد فعالية من أحماض مثل الهيدروكلوريك أو الكبريتيك أو السلفوريك".
تركيز الحمض وطبيعة العينة المراد تحليلها
يؤكد الدكتور أحمد أبو العينين أستاذ الكيمياء الحيوية بكلية الزراعة جامعة القاهرة على أن تركيز الحمض المستخدم في عملية التحليل يلعب دوراً شديد الأهمية، حيث يسرع من العملية بدرجة كبيرة.
ويضيف خلال مقابلة له مع DW عربية أن "النقطة الأشد أهمية هنا طبيعة العينة المراد تحليلها، فالسوائل الحيوية مثل الدماء مثلاً لا تستغرق وقتاً ليحللها الحمض، ومع الأنسجة كالكبد والعضلات وغيرها تستغرق وقتاً أطول قليلاً، لكن العظام تأخذ وقتاً طويلاً للتحلل التام".
ويشير البروفيسور أبو العينين إلى أن شكل العينة يؤثر للغاية في طول العملية اللازمة للتحلل التام، "فكلما كانت العينة في صورة قطع صغيرة أو مطحونة أو مفرومة ازدادت سرعة تحللها، وبالترتيب فإن أول ما يتحلل بالحمض هي السوائل الحيوية تليها الأنسجة الطرية ثم الأنسجة العضلية والقطع الكبيرة ثم العظم والشعر والأظافر في النهاية".
ويضيف البروفيسور في الكيمياء الحيوية قائلاً إن "استخدام الحرارة المرتفعة والتحليل في عبوات مغلقة تحت ضغط جوي مرتفع يختصر كثيراً من وقت العملية اللازم لتحلل العينة".
الكشف عن الحمض وآثار تحليل المواد العضوية
وفق ما تم تسريبه من مكتب المدعى العام التركي فإن أكبر المشكلات التي واجهت فريق التحقيق كانت بدء عملهم بعد فترة طويلة من ارتكاب الجريمة، سبقهم خلالها نشاط لفريق متخصص في إزالة الآثار.
في هذا السياق يقول الدكتور أحمد أبو العينين أستاذ الكيمياء الحيوية إن طريقة الكشف عن الحمض تعتمد على نوع المادة المستخدمة في التحليل، "فالهيدروكلوريك مثلا يتطاير بسرعة وأيضاً حمض النيتريك فهي لا تبقى كثيراً في البيئة وتتحلل، لذا لا يتم الكشف عنها وإنما عن نتائج تحليلها للمواد الأخرى، لكن اذا تم استخدام الحمض بتركيزات عالية فيمكن الكشف عن استخدامه لمدة قد تصل لعدة أيام، أما حمض الفوسفوريك مثلا والسلفوريك فهي أكثر ثباتا ويمكن اكتشافها بعد فترة أطول من استعمالها".
ويضيف بأن المشكلة هي في تحلل الخلايا تماماً بفعل الحمض وتحولها إلى مواد أولية مثل ثاني أكسيد الكربون والماء والنيتروجين والعناصر المعدنية، "فالحل الوحيد هو الكشف عن بقايا الحمض أو العناصر المعدنية، كما يمكن الكشف عن نواتج التفاعل مع الحمض والتي يدل اكتشافها على استخدام الحمض وطبيعة المادة التي تم تحليلها مثل نواتج تفاعل الحمض مع البروتين والكربوهيدرات والدهون وغيرها من المكونات الموجودة في الجسم البشري وكل هذه النواتج يمكن الكشف عنها".
أما هينز لانجهالز أستاذ الكيمياء بجامعة ميونيخ فيقول إن هناك طرق سريعة للكشف عن وجود الحمض أو أي آثار متبقة منه لكنها طرق غير دقيقة وتشير فقط إلى أنه تم استعمال الحمض دون أي تفاصيل أخرى بمعني أنه لا يمكن من خلالها التعرف على الكمية المستخدمة أو التركيز لكن أبسط هذه الطرق استخدام نوع معين من الزجاج إذا وضع في محلول أو سائل يشتبه في وجود الحمض به فإنه يحدث به ما يشبه الخدوش على السطح ما يدل على وجوده في البيئة أو العينة".
حمض شديد الخطورة
وينصح الدكتور هينز لانجهالز أستاذ الكيمياء بجامعة ميونيخ بالحذر الشديد لأقصى درجة عند التعامل مع حمض الهيدروفلوريك نظراً لخطورته على صحة وحياة الإنسان حتى أن أكثر الكيميائيين خبرة وكفاءة يتعاملون معه بحرص شديد جدا، خاصة أنه يسبب أضراراً كبيرة للرئة عند استنشاق بخاره.
عماد حسن