خبراء مغاربيون يقترحون بدائل للنهوض بمشروع الاندماج المغاربي
٣٠ نوفمبر ٢٠٠٨في إطار الندوة التي نظمتها مؤسسة كونراد آديناور الألمانية بالتعاون مع مركز الدراسات السياسية بجامعة مراكش، دعا خبراء مغاربيون إلى اعتماد إستراتيجية جديدة للنهوض بمشروع الاندماج المغاربي الذي يضم المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، لإيقاف الهدر الذي تتعرض له فرص التنمية في المنطقة، إذ يقدر الخبراء خسائر اقتصاديات البلدان المغاربية بسبب عدم اندماجها، ما بين 3 الى 5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام للبلدان الخمسة، أي ما يناهز 10 مليار دولار سنويا، وهي أرقام يتوقع مسؤولون في صندوق النقد الدولي أن ترتفع في العام المقبل نتيجة الأزمة المالية العالمية.
واقترح خبراء مغاربيون شاركوا في ندوة "تكلفة غياب الاندماج المغاربي" في مراكش نهاية الأسبوع المنصرم، عنصرين أساسيين لهذه الاستراتيجية، أولهما تبني المغاربيين لـ"نموذج جون مونيي" الذي طبقه الأوروبيون لتحقيق وحدتهم، كنموذج للتدرج في عملية الاندماج الاقتصادي المغاربي، وثانيهما التركيز على الخيار الديمقراطي والمشاركة الشعبية في القرارات السياسية المتعلقة بمستقبل المنطقة.
المغرب العربي والنموذج الأوروبي
ويعتبر الدكتور محمد المالكي، رئيس مركز الدراسات السياسية بجامعة مراكش، أن التفاهم الفرنسي الألماني الذي شكل نواة صلبة لمشروع الوحدة الأوروبية في الخمسينات من القرن الماضي، يمكن أن يشكل نموذجا يحتذى به من قبل البلدان المغاربية، وخصوصا الجزائر والمغرب، لحل الخلافات التي تعيق مسيرة الاتحاد المغاربي. وفي هذا السياق، اقترح الدكتور أحمد إدريس، رئيس مركز الدراسات السياسية والمتوسطية بتونس،على صناع القرار في الدول المغاربية أن تعمل حسب قاعدة "تنفيذ ما يتفق عليه وتأجيل المسائل الخلافية " مثل نزاع الصحراء الغربية.
كما اقترح خبراء مغاربيون آخرون الاقتداء بفكرة "جون مونيي" التي قامت عليها إستراتيجية بناء النواة الصلبة للوحدة الأوروبية في نهاية الخمسينات عبر اتفاقية الحديد والصلب التي ضمت في بدايتها 6 دول أوروبية. وبرأي الدكتور مصطفى الفيلالي الذي ترأس اللجنة المشرفة على التجربة المغاربية الأولى للاندماج(1964-1975)، فإن إقامة أقطاب صناعية ضخمة في قطاعات الطاقة والمعادن والفوسفات والصناعات الغذائية والبحرية - وهي موارد متوفرة في بلدان المغرب- يمكن أن يجعل من الاندماج المغاربي خطة قابلة للتطبيق في الأفق القريب.
المشاركة الديمقراطية تساعد على تحقيق الاندماج
وأشار الخبراء المغاربيون إلى أن جهود النخب وهيئات المجتمع المدني والجامعات ينبغي أن تتجه الى التركيز على الإصلاحات الديمقراطية في دول المغرب، لأنها السبيل الذي سيؤدي إلى ترشيد القرارات السياسية، إذ يرى الدكتور عمار جفال رئيس مركز الدراسات الدولية بجامعة الجزائر، أن توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في القرارات السياسية يساهم في تحقيق تطلعات شعوب المنطقة بدءا بحرية تنقل الأشخاص والممتلكات وفتح الحدود ووصولا الى إقامة سوق مغاربية مشتركة، كان يفترض قيامها سنة 2010 حسب أجندة الاتحاد المغاربي.
ويرى الدكتور محمد حركات، رئيس "مركز الدراسات الإستراتيجية" في الرباط، أن ترشيد القرارات السياسية يقتضي نشر ثقافة الشفافية ومساءلة صناع القرار عبر آليات مراقبة. وأشار حركات إلى أن بلدان المغرب توجد في مراتب متأخرة في الترتيب العالمي لمنظمة الشفافية الدولية، بسبب غياب آليات مراقبة ناجعة للقرارات الاقتصادية والمالية والسياسية وعدم شعور الحكام بضرورة مراجعة قراراتهم حتى لو كانت نتائجها سلبية جدا على مصالح المواطنين، فمثلا يقدر الخبراء حجم خسائر المناطق الحدودية بين المغرب والجزائر سنويا بما يفوق مليار دولار نتيجة إغلاق الحدود، ورغم ذلك لم تتم مراجعة إجراءات إغلاق الحدود منذ 14 عاما.
أوروبا عليها مسؤولية خاصة إزاء منطقة المغرب
من ناحية أخرى، يعتقد الدكتور مصطفى الفيلالي أن القرب الجغرافي يلقي بمسئوليات خاصة على الطرف الأوروبي بالنسبة لأوضاع منطقة المغرب.
وينتقد الدكتور الفيلالي كون الاتحاد الأوروبي يكتفي بالتركيز على مخاوفه الأمنية من منطقة المغرب العربي كمصدر أساسي للهجرة غير الشرعية والتطرف، لكنه لم يقدم حتى الآن إستراتيجية شاملة للنهوض بأوضاع شريكه المغاربي ومساعدته على رفع تحديات الفقر والبطالة التي تطال شرائح واسعة تصل إلى 20 بالمائة من عدد السكان في بعض البلدان المغاربية.
وفي هذا الإطار، يشير الفلالي إلى ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية مع المكسيك أو اليابان مع مجموعة آسيان وما تفعله أوروبا الغربية مع بلدان أوروبا الشرقية. ومن جانبه، أشار الدكتور أحمد إدريس إلى أن "الاتحاد من أجل المتوسط" لا يبدو أنه يقدم بديلا للعلاقات القائمة مع بلدان المغرب، في ظل اتفاقيات الشراكة الموقعة معها بشكل انفرادي.
الجدير بالذكر أن أوروبا تشكل الشريك الأساسي لبلدان المغرب، التي تصل معدلات تجارتها الخارجية مع أوروبا إلى 70 بالمائة، بينما لا يشكل مجموع تجارة بلدان المغرب الخمس سوى 2 بالمائة من تجارة أوروبا مع العالم.