خبير ألماني: الشرق الأوسط سيظل سنوات أخرى في حالة اللاسلم واللاحرب
٢٠ أغسطس ٢٠١٠دويتشه فيله: من خلال خبرتك الطويلة بالنزاع في الشرق الأوسط ، كيف ترى فرص التوصل لاتفاق سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، عبر المفاوضات المباشرة المنتظر أن تجري هذه المرة بعد توقف دام ثلاث سنوات؟
فولكهارد فيندفور: أعتقد أن هنالك تفاؤلا مبالغا فيه بشأن انطلاقة المفاوضات المباشرة، لأنني أعتقد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يغير موقفه بعد، وعلى الأقل لم يعلن بعد عن استعداده القبول بأي وعد قاطع يمكن تفسيره كإشارة لاستعداده للتخلي عن بعض المواقف المتصلبة التي حالت إلى يومنا هذا دون استئناف المفاوضات المباشرة، وهذا أمر لم يتم بعد.
لماذا يساورك الشك في جدية انطلاقة المفاوضات المباشرة؟
أنا متشكك في جدية انطلاقة المفاوضات المباشرة، خصوصا إذا لم يبد نتنياهو أي استعداد فعلي لاتخاذ مواقف جديدة تخدم القضية الفلسطينية من حيث المبدأ، وضمنها القبول بإعلان الرغبة في التوصل إلى اتفاق حول التفاوض بشأن مسألة حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية إلى جانب ملفات أخرى. ولذلك أعتقد أنه على كل الذين يقولون إننا على أبواب مفاوضات مباشرة أن يتريثوا بعض الشيء.
هل تعتقد أن إدارة الرئيس باراك أوباما قادرة على لعب ورقة السلام والضغط على الحكومة الإسرائيلية لإقناعها بالدخول في مفاوضات مباشرة تفضي إلى اتفاق سلام؟
لا أعتقد ذلك لأسباب أميريكية داخلية، وحتى داخل الحزب الديمقراطي هنالك نسبة غير قليلة من الذين يرفضون إعطاء الرئيس أوباما ضوءا أخضر لتقديم ما يعتبرونه تنازلات. ولذلك فإنني أرى أن الهامش الذي يتحرك فيه الرئيس أوباما ضيق للغاية.
ما هي الحجة الأساسية التي تعتقد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يقدمها لأصدقائه في واشنط، لثنيهم عن المضي قدما في البحث عن صفقة سلام مع الفلسطينيين في الوقت الراهن على الأقل؟
أعتقد أن الحكومة الإسرائيلية تستغل موضوع إيران، وإلى حد بعيد بنجاح، وهي سياسة تحظى بتأييد أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي. والى جانب ذلك فإن حكومة نتنياهو تمارس باستمرار ضغطا على الحكومات الأميركية المتعاقبة والحالية بالذات، حول ضرورة إجبار الفلسطينيين على تقديم ضمانات أمنية أكثر، ويشيرون إلى حماس بأنها، حسب رأيهم، غير مستعدة للوفاء بأية التزامات وعدم الاعتراف بأي اتفاق قد يتوصل إليه محمود عباس. وهذه حجج لها وزنها وليست جديدة ولكنها ما زالت إلى يومنا هذا تؤثر.
ألا تعتقد أن واقع الانقسام الفلسطيني بين غزة والضفة الغربية، يضعف القدرة التفاوضية لمحمود عباس ؟
هذا الوضع ليس جديدا ومنذ أن أصبح قطاع غزة بمثابة كيان سياسي مستقل تحت سيطرة حركة حماس، يمكن القول إنه على الأرض لا يمثل محمود عباس إلا الضفة الغربية. ولكن الموضوع الأساسي، هو أنه في حالة حصول مفاوضات مباشرة، فيمكنها أن تكون مفيدة للوضع الفلسطيني، أي في حالة التوصل إلى أمور أساسية تتعلق بأساس النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، أعني الاتفاق من حيث المبدأ على حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية. ففي هذه الحالة يمكن اعتبار الانقسام الداخلي بين حكومة حماس المقالة والسلطة الفلسطينية بزعامة محمود عباس مسألة ثانوية. ولكن حتى الآن أنا لا أرى ضمانات واضحة لمناقشة مسألة حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية.
سربت وثيقة حول تصور اللجنة الرباعية الدولية لمسار المفاوضات المباشرة، وتضمنت توقعات بأن تكون مدتها 12 شهرا والانتهاء من تأسيس ملامح الدولة الفلسطينية في منتصف عام 2011، هل تبدو لك هذه الرؤية واقعية؟
أعتقد أن الذين أتوا بهذه التصورات جادون في نواياهم وربما هم واثقون من قدرتهم مع حلفائهم الأميركيين في تحقيق هذا الهدف. وفي الوقت نفسه أعتقد أن الحكومة الإسرائيلية، ورغم بعض نقاط الضعف التي تعاني منها، فهي إلى يومنا هذا لم تتأثر بما فيه الكفاية، وما زالت تستبعد أي نوع من التنازل أو حتى الموافقة بشكل ما على مناقشة القضايا الأساسية وخصوصا حدود الدولة الفلسطينية.
تاريخيا توصلت حكومات يمينية إسرائيلية لاتفاقيات سلام مع العرب، لكن حكومة نتنياهو ما تزال تحجم عن الإقدام في هذا الاتجاه، برأيك، ما الذي تغير في إسرائيل وبماذا تختلف حكومة نتنياهو عن مثيلاتها اليمينية؟
إذا كنت تشير إلى اتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979 في كامب ديفيد، فقد كانت حكومة الليكود اليمينية وزعيمها ميناحيم بيغين، آنذاك في وضع خاص وجديد على المنطقة، ومرتبط بآمال كبيرة بإنهاء النزاع ليس فقط المصري الإسرائيلي، بل العربي الإسرائيلي بشكل شامل.
وفعلا فإن الحكومات اليمينية الإسرائيلية السابقة خصوصا في عهد بيغين كانت حكومات قوية، أما اليوم فنحن أمام أوضاع مختلفة وفي ظل حكومة أضعف مما كانت عليه الحكومات اليمينية السابقة، إضافة إلى أن شخصية رئيس الوزراء الحالي أضعف من شخصية بيغين. كما أن إسرائيل حاليا تستفيد من وضع أوباما الذي يعتبر أضعف من بداية عهده، كما تستفيد من بعض التناقضات الأميركية الداخلية وحتى داخل الحزب الديمقراطي. ويعتقد بعض المراقبين أن هذا الوضع ربما يتغير في حالة واحدة، عندما يوجد ضغط داخل الائتلاف الحكومي في إسرائيل، وذلك لن يحدث إلا في حالة ممارسة أوباما ضغطا كافيا على بعض الأطراف داخل حكومة نتنياهو.
وماذا يعني الضغط تحديدا في هذا السياق؟
المقصود تركيز الضغوط على بعض الأطراف داخل حكومة نتنياهو واستخدام نفوذ شخصيات معينة، وهي عملية سبق للرئيس بوش الأب أن استخدمها ونجح فيها لحد ما، وهي لعبة ليست جديدة بالنسبة للأميركيين، ولكنني لست الوحيد الذي يعتقد بأن الرئيس أوباما لم يتمكن إلى حد الآن من ترجمة حتى أقل من نصف ما وعد به العالم الإسلامي والفلسطينيين تحديدا في خطابه الذي وجهه من جامعة القاهرة (يونيو/حزيران 2009).
يرجح بعض المحللين سيناريو فشل المفاوضات المباشرة بسبب ضعف الحكومة الإسرائيلية. واتجاه الفلسطينيين لخيار إعلان دولتهم من جانب واحد، في هذه الحالة، ما هي حظوظ نجاح هذا الخيار؟
أنا ممن يرجحون صعوبة توصل الحكومة الإسرائيلية الحالية لاتفاق سلام مع الفلسطينيين لأنها أضعف من سابقاتها اليمينية، ولذلك هنالك تفكير جاد في إقدام محمود عباس على إعلان قيام دولة فلسطينية من جانب واحد. ولكنني لست متأكدا من قرب اتخاذ الفلسطينيين لهذه الخطوة، وذلك في ضوء حوارات أجراها الرئيس الفلسطيني ونفى من خلالها أن يكون بصدد الاستعداد للقيام بهذه الخطوة. ولكن هذا الموقف يمكن أن يتغير، لأنه لا يمكنه أن يستخدم آخر سلاح في جيبه، قبل أن يحاول تحقيق مكاسب سياسية من خلال المفاوضات وخصوصا الاتصالات مع الأطراف الأميركية والأوروبية والدولية.
هل تعتقد أن بإمكان الأطراف الأوروبية والإقليمية الأخرى أن تلعب دورا فعالا في مساعدة إدارة الرئيس أوباما على دفع مسيرة السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل؟
أعتقد أن هذا الأمر ممكن ولكنه غير مرجح، ويتوقف على تكتيل جهود الإتحاد الأوروبي وخصوصا بعض الدول الأوروبية المؤثرة، وأن يتضامنون مع أوباما في هذا المسعى، وإذا حدث ذلك فسيكون له ثقل كبير، لكنني لست واثقا من أن احتمال حدوث هذا الأمر كبير. وهنالك بعض المتابعين يشيرون إلى دور تركيا وإمكانية قيامها بتشجيع أوباما على هذا الاتجاه، لكنني اعتقد بأن هذا الأمر أصبح صعبا الى حد بعيد وخصوصا في ظل توتر العلاقات التركية الإسرائيلية.
في ظل ضعف فرص السلام وهيمنة القوى اليمينية المتشددة في إسرائيل وارتفاع أصوات قوى التشدد الإسلامي في الشرق الأوسط، ألا تبدو المنطقة في مهب رياح الحرب من جديد؟
لا أعتقد ذلك.
وما الذي يجعلك جازما في الرأي؟
لا أجد جانبا يستفيد من أي مغامرة عسكرية حقيقية، وحتى في جنوب لبنان لا أرى في الأفق القريب حربا أو غزوا أو هجوما إسرائيليا قويا على مواقع حزب الله. وفي الوقت نفسه لا أعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية ستسمح بمثل هذه التطورات في جنوب لبنان لأسباب مفهومة.
أنت متشكك في فرص تحقيق السلام وتستبعد قيام حرب جديدة في المنطقة، فعل يعني ذلك أن منطقة الشرق الأوسط ستستمر في حالة اللاسلم واللاحرب؟
أنا أخشى من أن ستظل منطقة الشرق الأوسط فترة من الزمن ربما بضع سنوات في مثل هذا الجو.
فولكهارد فيندفور مراسل مجلة"دير شبيغل" الألمانية في القاهرة منذ 1974، والخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط.
أجرى الحوار: منصف السليمي
مراجعة: هشام العدم