خبير ألماني:"عودة المتظاهرين إلى ميدان التحرير لا تشكل مفاجأة"
١١ يوليو ٢٠١١عاد المتظاهرون المصريون إلى ميدان التحرير للمطالبة بتحقيق المطالب الأساسية للثورة المصرية والمتمثلة أساسا في حظر محاكمة المدنيين عسكريا والإفراج الفوري عن جميع المدنيين، الذين حوكموا عسكريا وإعادة محاكمتهم أمام القضاء المدني، وإلغاء قوانين تجريم الاعتصامات، وتخصيص دوائر قضائية خاصة لمحاكمة المتهمين بقتل المتظاهرين، وتعيين وزير داخلية سياسي مدني وتحديد حد أدنى للأجور لا يقل عن 1200 جنيه وكذلك التطهير الفوري لحكومة عصام شرف.
ويهدد الثوار بالتوجه نحو التصعيد والضغط على الحكومة والمجلس العسكري بشتى الوسائل حتى تحقيق المطالب. وفي غضون ذلك سادت حالة من الاستياء و السخط في أوساط ضباط الشرطة بمختلف مديريات الأمن بالمحافظات ومراكز الأمن الأخرى بسبب القرار، الذي أصدره شرف بإنهاء خدمة ضباط الشرطة المتهمين بقتل الثوارخلال أحداث ثورة 25 يناير. كل هذه التطورات تطرح جملة من التساؤلات نحاول الإجابة عليها عبر الحوار الذي أجرته دويتشه فيله مع الخبير الألماني شتيفان بوخن.
ماذا تعني عودة المتظاهرين إلى ميدان التحرير للمطالبة بتحقيق مطالب ثورة 25 يوليو. هل هي ثورة ثانية؟
شتيفان بوخن: أعتقد أن عودة المتظاهرين إلى ميدان التحرير لا تشكل مفاجأة، هذا كان أمرا متوقعا لأنه لم يسبق لثورة سياسية و اقتصادية وإجتماعية بحجم الثورة التي عرفتها مصر، أن انتهت في غضون أسابيع. ومن الطبيعي أن يطالب المتظاهرون بمطالب جوهرية و كبيرة، وإن تحققت فإن ذلك سيتم على المدىالبعيد.
ومن الواضح أنه توجد في مصر قوى سياسية وعسكرية تسعى للحفاظ على رموز النظام السابق بشكل أو بآخر وإن كان الجميع متفقين على أن مبارك و أفراد عائلته لن يعودوا إلى السلطة لكن هذا لا ينفي وجود قوات سياسية تتطلع إلى منع الديمقراطية في مصر.
من الواضح أن هناك أزمة ثقة بين المجلس العسكري أو الحكومة الإنتقالية و شباب الثورة. هل هناك إمكانية لكسب الثقة المفقودة في هذه المرحلة الإنتقالية الصعبة؟
هذه مسألة مهمة جدا فانعدام الثقة بشكل عام أصبح يسود الأجواء السياسية و الاجتماعية في مصر والسبب يعود إلى فترة حكم الرئيس السابق الذي سلط أجهزة الشرطة والمخابرات على المجتمع المصري ورسخ الخوف في نفوس الناس، وطبعا هذه السياسة لها تأثيرات بعيدة المدى ولن تنتهي في غضون أسابيع. وعندما نتحدث عن غياب الثقة في مصر فهذا يوجد على مستويين الأول بين الثوار أنفسهم والثاني بين هؤلاء والمجلس العسكري. وبالطبع فالجيش المصري كسب في بداية الثورة ثقة المصريين لأنه لم يطلق النار على المتظاهرين و لم يمنع التظاهر كما أنه أيد تنحي مبارك عن السلطة ولكن تبين الآن أن هذا المجلس هو من يتحكم في زمام السلطة بمصر.
هل تعتقد أن المجلس العسكري يملك تصورا سياسيا واضحا لقيادة مصر في هذه المرحلة الصعبة؟
هذا أمر بديهي، فالجيش هو من يمتلك السلطة في مصر منذ تنحي الرئيس مبارك. أنا شخصيا أجهل ما يدور داخل هذا المجلس من نقاشات و لا أستبعد أن يكون هناك تباين في المواقف فهناك من يميل إلى الإخوان المسلمين وهناك من يريد نقل السلطة بشكل أسرع إلى قوات مدنية مصرية. كل هذا واضح لكن من الواضح أيضا أن الجيش المصري سيكون له دور سياسي مهم خلال السنوات المقبلة، خاصة مع تأييد قوى سياسية خارجية على رأسها الولايات المتحدة الأميركية فعلينا أن لا ننسى ان الجيش المصري يحظى بحماية البيت الأبيض ودعمه المالي.
شاركت جماعة الإخوان المسلمين في التظاهرات الأخيرة رغم أنها موقفها من هذه التظاهرات كان متذبذبا، ما هي قراءتك لموقف الإخوان والدور الذي من شانهم أن يلعبوه في الوضع الحالي؟
لم يكن للإخوان المسلمين دور كبير في إطلاق الثورة، لكن خلال المظاهرات الكبيرة التي شهدتها المدن المصرية نزلت هذه الجماعة إلى الشارع أيضا بل وتحكمت في زمام الأمور في مدن معينة مثل الإسكندرية.من الواضح أن الإخوان المسلمين سيلعبون دورا كبيرا في المستقبل السياسي لمصر خاصة أن هناك تقاربا بين الجيش و هذه الجماعة وعلى سبيل المثال فقد اتفقا معا على تعديل الدستور أسابيع بعد تنحي مبارك كما أيد الإخوان في مارس (أيار) الماضي عدم النزول في مظاهرات جديدة طبقا لاتفاق مع الجيش المصري. لكن الجماعة لا تستطيع الوقوف جانبا عندما تنزل حركات شبابية مثل حركة 6 ابريل إلى الشارع وهذا ما يفسر أن الإخوان المسلمين كانوا حاضرين بقوة في المظاهرات الأخيرة.
ما هو تقييمك لتعامل أوربا مع التغييرات الدراماتيكية التي تشهدها مصر ، هل هناك رؤية أوربية موحدة في التعامل مع الديمقراطية الناشئة؟
لا توجد هناك رؤية موحدة في أوروبا وخاصة في ألمانيا إزاء ما يحدث في مصر، بل توجد هناك حيرة كبيرة تجاه ما يجري ليس فقط في مصر بل في العالم العربي ككل. فمن جهة نجد أن تصريحات المسؤولين الألماني تؤيد تطلعات الشعوب العربية للحرية ومن جهة أخرى تجري ألمانيا صفقة بيع دبابات للمملكة العربية السعودية بغرض قمع أي مظاهرات مستقبلية فيها أو في بلدان مجاورة.
وفيما يخص مصر لا يوجد هناك موقف أوربي موحد وأنا أعتقد بأن الدور الأمريكي أهم من نظيره الأوربي فالولايات المتحدة تراهن كثيرا على دور الجيش المصري في حفظ الأمن و الاستقرار الداخلي في مصر. كما أن واشنطن متخوفة من تداعيات إطلاق الديمقراطية الكاملة في مصر و من الواضح أنها تفضل أن يبت الجيش في القرارات السياسية المهمة خاصة تلك التي تخص السياسة الخارجية و اتفاقية السلام مع اسرائيل.
أجرت المقابلة: سهام أشطو
مراجعة: هبة الله إسماعيل