"فشل الدول في ضمان حقوق مواطنيها يساهم في إذكاء الانفصال"
٤ أكتوبر ٢٠١٧يرى الباحث الرئيسي بمركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، الدكتور يزيد صايغ، في حوار خصّ به DW عربية ، أن دعوات الانفصال في العالم العربي، التي تنادي بها بعض المناطق حالياً أو مستقبلاً، تجد تبريرها في عدم ضمان الدول المركزية لمصالح وحقوق مواطني تلك المناطق بغض النظر عن انتماءاتهم، وبالتالي، فهي لا تملك حق منعهم في اختيار بديل عبر آلية تقرير المصير.
صايغ أضاف، في الحوار ذاته، أن الدول العربية مُطالَبةٌ بإعادة النظر في سياساتها تجاه هذه الفئات والمناطق قبل فوات الآوان، بدل التفكير في تنسيق جهودها لمنع تلك النزعات الانفصالية أو دعم بعضها لتصفية حسابات سياسية.
وفيما يلي نص الحوار الكامل:
DW عربية: هل ترى أن مطالب الاستفتاء في كردستان وكاتالونيا قد تفتح شهية أقليات أخرى في الدول العربية للمطالبة بالاستقلال أو الانفصال؟
يزيد صايغ: هذا ليس بالأمر المحتمل، علماً بأن ما يسمى بالأقليات في بعض الدول العربية، تطالب منذ فترة بدرجات متفاوتة، بالإقرار بهويتهم الثقافية. فمثلاً الأمازيغ في المغرب يصعب أن نقول عنهم أقلية، بل هم أكثرية من الناحية العرقية، ومندمجون في المجتمع المغربي، إلا أنهم يشعرون بطمس الهوية والثقافة واللغة الأمازيغية، وهو موضوع لطالما أثير أيضاً بالجزائر، ولكن بشكل أقوى في المغرب. هذا نموذج لهوية خاصة متميزة تطالب بضمان قانوني ودستوري لحضورها ووجودها، خاصة أن هذا الأمر لا يتطلّب ترتيبات خاصة.
بالمقابل نجد نموذج السودان، علماً بأن السودان فَقدَ نصف مساحته بعد حرب دامية مكلفة جدا عبر عدة عقود من الزمن أدت إلى انفصال شطر كامل من البلد وخلق دولة مستقلة تماماً؛ وهذه سابقة حتى على حالة كردستان العراق.
بالعودة إلى السؤال، نعم هذا لا يمكن أن يشجع سوى الراغبين منذ زمن بعيد في الاعتراف بخصوصيتهم أو المطالبين بحكم ذاتي، وإجمالاً في العالم العربي، ما عدا جنوب السودان والأكراد، لا توجد حالات لجماعات مجتمعية تطالب بالانفصال أو الحكم الذاتي.
كيف ترى تعامل الدول العربية مع مثل هذه المطالب بالانفصال؟
من الواضح أن الدول العربية المعنية تعاملت على الدوام بعنف وقمع مع أيّ مطالب بالاستقلال أو الحكم الذاتي، بل ومع من يطالب بأشياء أقل من ذلك مثل الاعتراف بالخصوصيات الثقافية والهوياتية.
هل ترى فارقاً في تعامل الدول العربية مع استفتاءِ كاتالونيا مقارنة باستفتاءِ كردستان؟
أرى أن الدول العربية غير مَعنية كثيراً بالتعليق على استفتاء كاتالونيا، حيث أنهم غالباً لا يعلقون على مثل هذا الأمر؛ لأنه يقع خارج اختصاصات أجهزتهم الخارجية، ولكن في حالة وصل الملف إلى الأمم المتحدة قد تدلي الدول العربية برأيها في الموضوع، وأتصوّر أن مواقف أغلب الدول العربية، مثل أغلب الدول عموماً، تبقى مُحافِظة لا تميل إلى التشجيع على خلق مزيد من الدول عبر الانفصال، وهذا أمر ثابت ومستقر في الدبلوماسية العربية.
كيف ترى أهم التحديات، التي تواجهها الدول الناشئة، سواء التي أقيمت فعليا كجنوب السودان أو المُزمع إقامتها مثل كردستان؟
واضحٌ أنه في الحالتين واجهوا معارضة شديدة من الحكومات المركزية ومن شرائح واسعة من المجتمع المحلي عبر التاريخ. فمنذ الخمسينات بدأ كلاهما نضالات من أجل الاستقلال التام أو على الأقل الحكم الذاتي أو الإنصاف في التعامل. وجُوبِها في كِلتا الحالتيْن بمعارَضة رغم مرور لحظات من المرونة وقبول الحوار من طرف الحكومات؛ فمثلاً، أيام حُكم عبد الكريم قاسم بالعراق، كان هذا الأخير منفتحاً على محاولة إيجاد صيغة مع الأكراد، لكن بعدما تمت الإطاحة به وصعود حزب "البعث"، انقلب الوضع إلى معاناة مجدداً، وهذه من التحديات المباشرة الواضحة. لكن هناك تحدٍ آخر هو معارضة الجِوار والدول الكبرى عموماً لمبدأ الانفصال.
فالأكراد تلقّوا دعماً من إيران في السّتينات والسبعينات لأغراضها الخاصة، لكنها باعتْهُم وخانتهم عندما كان لها مصلحة في الاتفاق مع العراق. وهو نفس الإشكال، الذي حدَث في جنوب السودان، حيث كانت قدرتهم على مواجهة الخرطوم تستند إلى موقف الدول المجاورة ومدى تدخّل القوى الخارجية.
لكن التحديات الأخطر في الحقيقة، والتي نشهدها في جنوب السودان، كما في شمال العراق، هي أنه لاحقاً وبعد تحقيقهم لإنجاز الانفصال أو الحكم الذاتي، تبيّن أن نظام الحكم لم يختلف كثيراً عن نظام الحكم السابق الذي حاربوه، حيث جاء مشابِهاً له من خلال دولة غير ديمقراطية أعادت إنتاج نمط ريعي فاسد استشْرى مع استخدام العنف ضد الخصوم، والنتيجة أن جنوب السودان الآن يعيش حالة انهيار وحرب داخلية دامية وانقسامات متتالية كما يحدث لحدود اليوم في كردستان بين الأحزاب المتنافسة على السلطة .. ولكن للأسف، كان من الممكن أن تكون تجربة رائدة، لكنها جاءت مُخيّبة للآمال حتى لا نقول فاشلة.
هل تعتقد بوجود نوع من التنسيق الأمني بين الحكومات العربية لوأد الأفكار الانفصالية؟ أم أن بعض الدول قد تدعم بعض نزعات الانفصال في دول عربية أخرى بشكل خفي؟
طبعاً، هناك درجات في التنسيق وتبادل للمعلومات؛ لكن حسب خريطة التحالفات السياسية في المنطقة. فمثلاً، الداخلية السعودية لا تتعامل مع الداخلية القطرية بسبب الأزمة الخليجية، وبالتالي لا يجوز التعميم للحديث عن حالة تنسيق عربي من الناحية الأمنية. ولوْ حتى أرادوا التنسيق فيما بينهم، فماذا يمكنهم أن يُنسّقوا بشأنه؟ لأن كل دولة عربية تتعامل مع ملفاتها الداخلية في فصل تام عن مساعدة باقي الدول. فالعراق، مثلا، في تعامله مع الملف الكردي، لا حاجة له في التنسيق مع المغرب، الذي يواجه بدوره ملف الناشطين الأمازيغ.
أما فيما يخص دعم بعض الدول لنزعات انفصال داخل دول أخرى، فهذا أمرٌ جائز وواقع بين الكثير من الدول العربية؛ نظراً للتنافس فيما بينها، ويدخل في إطار سياسة "لَيّ الذراع"، عبر الحضّ على المشاكل، وحتى ولو كانت مطالب عادية فإن تُهمة التحريض الخارجي تطارد مثل تلك المطالب. وبالتالي وجبَ الانتباه كثيراً عند الحديث عن هذا الموضوع.
في تقديري، وبدَل أن يقوموا بالتنسيق فيما بينهم لمنع وَ وَأد مثل هذه التحركات، يجب أن يعيدوا النظر في سياساتهم، التي تدفع أصلاً مواطني نفس الدولة إلى الرغبة في الانفصال، يعني أنّ أيَّ دولة عربية تفشل في احتواء واحترام وضمان حقوق ومصالح كل مواطنيها بغضّ النظر عن انتماءاتهم المختلفة، ليسَ لها الحق في منع هذه الشرائح المجتمعية من اختيار بديل آخَر.
أجرى الحوار: عماد حسن/ ي.ي
* يزيد صايغ: باحث رئيسي في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، وترأس برنامج الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن من 1998 إلى 2003.