خبير: مطالب ترامب للسعودية استعراض إعلامي يسبق الانتخابات
١ أكتوبر ٢٠١٨
DW عربية: في مكالمة هاتفية أخيرة مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز ضغط الرئيس الأمريكي على السعودية لتخفض أسعار النفط. أكان ذلك مجرد استعراض إعلامي قبل الانتخابات النصفية الأمريكية المزمعة في نوفمبر أم أنها استراتيجية جديدة للولايات المتحدة مع دول الخليج؟
ينز هايباخ: مطالبة ترامب لدول الخليج بتقليص أسعار النفط ليست جديدة، وإنما هي مطالب تتكرر دوماً، ولكنها لم تأت بنتيجة ملموسة حتى الآن. وبطبيعة الحال لدى الولايات المتحدة الأمريكية مصلحة في الحفاظ على أسعار النفط عند مستويات منخفضة لما لذلك من تأثير جيد على الاقتصاد الأمريكي وأيضاً على جعل النفط الصخري الأمريكي قادراً على المنافسة في السوق. ولكن تجديد هذه التصريحات في هذه الفترة يمكن فهمه أيضاً في سياق الاستعراض الإعلامي قبل الانتخابات النصفية.
لقد اتخذت المملكة العربية السعودية بالفعل خطوات باتجاه زيادة إنتاج النفط. مثلاً قام ولي العهد محمد بن سلمان بزيارة إلى الكويت هي الأولى من نوعها بعد اندلاع الأزمة الخليجية والهدف غير المعلن للزيارة كان دفع استئناف الإنتاج المشترك للنفط. هل تشعر السعودية بأنها مضطرة لتجنب إغضاب ترامب؟
طبعاً. صحيح أن ترمب حليف وثيق للرياض، ولكن في الوقت نفسه تعلم القيادة السعودية في الرياض أن هذا الرجل لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، لذلك هم يعلمون أن عليهم التعامل مع مطالبه. في موضوع النفط تحديداً هناك نزاع مصالح بين الطرفين، فالاحتياطيات النقدية للملكة العربية السعودية تتلاشى بسبب السياسة المكلفة للملكة في المنطقة، لذلك من مصلحة السعودية على المدى المنظور والبعيد الحفاظ على سعر النفط في مستوى عالٍ، هو حتى أعلى من السعر المتداول حالياً. ولكن ذلك غير متوافق مع رؤية واشنطن، وفي النهاية سيكون الفيصل في خلاف وجهات النظر هذا هو مدى توافق مصالح الطرفين في ملفات سياسية أخرى.
هل هناك بالفعل بوادر خلاف بين البلدين، أم أنه تحريض إعلامي فقط؟
لا أرى بوادر خلاف حقيقي بين الطرفين في ظل إدارة ترامب. بل على العكس، لم تشهد العقود الماضية حسن علاقات بين الإدارة الأمريكية والرياض كما هي الآن. ففي العديد من الملفات الإقليمية لدى الحكومتين رؤى متشابهة، وهو ما لم يكن كذلك تحت إدارة أوباما.
ولكن الولايات المتحدة انتقدت السياسة السعودية في اليمن أكثر من مرة، وبشكل خاص بالنظر إلى ملف الضحايا المدنيين في حرب اليمن. أيضاً بالنسبة للأزمة مع قطر لم يتحرك أي شيء منذ اندلاع الأزمة على الرغم من تكرار الإدارة الأمريكية مطالبتها بحلحلة الأزمة. أليست هذه الأمور بوادر خلاف؟
الأزمة مع قطر هي بالفعل واحد من الملفات القليلة التي يبدو فيها خلاف بين رؤية واشنطن ورؤية الرياض، فقطر حليف استراتيجي مهم بالنسبة للولايات المتحدة، وعلى الرغم من بعض التصريحات العدائية لترامب تجاه قطر العام الماضي، سارع الأمريكيون إلى المطالبة بتخفيف التصعيد في الخليج، وإن بقيت مطالباتهم حتى اليوم من دون نتيجة، لذلك سيكون من الأهمية بمكان متابعة تطور هذا الملف خلال الفترة القادمة.
بالنسبة لحرب اليمن الوضع مختلف برأيي. فعلى الرغم من أن الشارع الأمريكي وشريحة واسعة من الكونغرس تنظر إلى هذا الملف بعين القلق، وترغب في تقليص بل وفي أنهاء الدور الأمريكي في هذه الحرب، ما زال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدعم حرب اليمن بشكل كامل. طبعاً هناك مطالبات بحماية المدنيين، وذلك بشكل أساسي بسبب الوضع الإنساني الكارثي في اليمن والعدد الكبير للضحايا المدنيين والتحذيرات المتوالية للأمم المتحدة من حصول جرائم حرب يرتكبها التحالف العربي هناك. ولكن هذه المطالبات لا تتعدى شكلها الشفهي، فملف اليمن بيد واشنطن بالكامل، التي يمكنها الضغط على الرياض وأبو ظبي لتقليل أعداد الضحايا المدنيين. إلا أن ترامب يرى على ما يبدو في اليمن المسرح المناسب لاستعراض حربه على إيران. ومن سخرية القدر أن هذه الحرب قوّت نفوذ إيران في اليمن.
وماذا عن الخطط السعودية الأمريكية المشتركة في المنطقة. مثلاً فيما يخص النزاع الفلسطيني الإسرائيلي؟
لا أعرف إذا كان هناك بالفعل أي مشروع مشترك بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة غير الحرب المفتوحة على إيران على مختلف الجبهات. خطة ترامب للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لن تحظى بالنجاح. وكان من الملفت للنظر أن الملك سلمان وجد نفسه مضطراً إلى الإعلان بوضوح عن أن السعودية لن تقبل بأي خطة سلام تهمل حل قضية القدس وحق العودة للفلسطينيين. تصريحات فهمت حينها على أنها تصحيح ضروري لسياسة ابنه.
ما هي البدائل الممكنة بالنسبة للسعودية إذا ما نفذت واشنطن تهديداتها وسحبت أنظمة باتريوت من المنطقة؟
خطوة كهذه قد تضعف نفوذ واشنطن في المنطقة، وبالتالي لن تحدث إلا في ظروف غير عادية. ولكن وبغض النظر عن ذلك كانت الرياض قد بدأت ومنذ عهد أوباما بتحرير نفسها تدريجياً من الاعتماد الكامل على واشنطن، وقامت في سياق ذلك بمحاولة تنويع شراكاتها فيما يخص سياسات التسلح، وهذا ما يمكن استقراؤه من الزيارات التي قام بها أفراد من العائلة الحاكمة لروسيا والصين. هذا بالإضافة إلى الخطط بعيدة الأمد التي يصبو من خلالها السعوديون إلى بناء أنظمة تسلح بأنفسهم. هذا ما دفع السعوديين مثلاً إلى عقد اتصالات مع الروس لشراء أنظمة اس 400 سيتم تصنيعها في السعودية.
وماذا قد يعني تدهور العلاقات الأمريكية السعودية بالنسبة لمستقبل الملك وولي العهد؟
مع الأخذ بعين الاعتبار أن ترامب شخص لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، يمكنني القول إن التهديدات الترامبية الحالية سببها الأساسي قرب موعد الانتخابات، وإن الرياض ليست في خطر حقيقي. ولكن وإن تدهورت العلاقات بالفعل، فأن نتائج ذلك من الصعب التنبؤ بها اليوم.
*ينز هايباخ باحث ومحلل سياسي في معهد GIGA الألماني لدراسات الشرق الأوسط.
أجرت الحوار ميسون ملحم