خلفية الصراع بين المجتمع المدني والعسكريين في مصر
٢٢ أكتوبر ٢٠١١تجد الجمعيات الأهلية في اتهام المجلس العسكري لها بالحصول على تمويل أجنبي محاولة لفرض الوصاية على المجتمع المدني، وتصف المجلس بأنه امتداد لنظام مبارك، وأنه يحاول تشويه سمعة الجمعيات التي ساهمت في الثورة. وكانت صحف القاهرة قد كتبت عن هذا الموضوع مستخدمة عبارة "جمعيات أهلية ستخضع للتحقيق أمام وزير العدل" وكشفت بذلك عن تحرك حكومي تجاه بعض الجمعيات الأهلية، بعد أن تكرر تلويح المجلس العسكري في بياناته الرسمية بما وصفه "الحصول على تمويل مخالف للشروط القانونية بهدف زعزعة الاستقرار." وعلى الرغم من مطالبة المجتمع المدني للمجلس أكثر من مرة بالكشف عن تلك الجمعيات بدلا من تلويث سمعة الجميع، فإنه لم يستجب لذلك، بل صعد نفس الاتهامات، دون الكشف عن حقائق بعد حادثة ماسبيرو.
اتهامات بتمويل خارجي
الصحفي والناشط محمود بسيوني كان قد قدم قبل أشهر مع خمسة من أعضاء رابطة "صحفيو المجتمع المدني" بيانا إلى النائب العام المصري يتهم فيه مجموعة من الجمعيات الأهلية بالحصول على تمويل خارج وصاية الدولة. بسيوني يقول في حوار مع دويتشه فيله: "تقدمنا بطلب التحقيق ضد 6 جمعيات معروفة بأنها كانت من تأسيس أجهزة أمن الدولة السابق، وكان بلاغنا جزءا من حملة لتطهير المجتمع المدني من ظاهرة اسمها "منظمات الكونجو" (لفظ يطلق على المنظمات الأهلية التي تعمل لحساب الدولة)، خاصة بعد أن تمولت هذه المنظمات من الحكومة القطرية ودولة البحرين، وذهب أعضاؤها لتبييض وجه دولة البحرين أثناء قمعها انتفاضة شعبها.
ورغم ذلك لم يلق البلاغ آذانا صاغية من النائب العام، بل –وفقا لبسيوني- جرى التلويح لاحقا بتهم ضد الجميع، في الوقت الذي يعلم فيه القاصي والداني أن المجلس العسكري نفسه لا يكشف عن أوجه صرفه للإعانة العسكرية، وأن تحالفه مع القوى المحافظة من إخوان وسلفيين هو ما أشاع التهمة ضد المجتمع الحقوقي، الذي هو في نظر تلك القوى "أصابع للغرب الكافر".
الجمعيات الأهلية واتهامات ماسبيرو
ويعترف الصحفي بأن المجتمع المدني المصري يعاني من غياب الشفافية فيما يخص المعاملات المالية، لكنه يعود ليؤكد أن ميراث تشويه السمعة هو إرث مباركي بامتياز، فلا عجب إذا، على حد تعبير محمود، أن يضع المجلس الجمعيات الأهلية والمعارضين في خانة اتهامات ماسبيرو، قبل أيام من انتخابات يتوقع أن تشهد انتهاكات جسيمة.
سعيد عبد الحافظ مدير ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان يختلف مع صيغة التشكك في حوار "بسيوني" فيما يخص "شفافية الأوضاع المالية"، ويؤكد أن المجلس ومن قبله نظام مبارك ومنذ عشرين عاما لو كانا يملكان دليلا واحدا على ناشط حقوقي لقدماه فورا للقضاء، لافتا إلى تاريخية تهمة التمويل منذ بدأ الصراع بين المجتمع المدني ونظام مبارك،" ففي أوائل التسعينات وقف المجتمع المدني ضد عنف السلطة، ضد الإسلاميين واتهمنا بالعمالة. وفي منتصفها راقبنا الانتخابات وكشفنا انتهاكاتها واتهمنا بالخيانة، وفي بداية الألفية جاء جورج بوش وأصبحنا عملاء اليمين الصهيوني. ثم جاءت الرسوم الدانماركية وأصبحنا عملاء الجبنة والسمن."
"المجلس العسكري يحاول ضرب الرقابة الدولية للانتخابات"
ويضيف عبد الحافظ أنه بعد قيام الثورة كان للمجتمع المدني دوره ولازال في كشف انتهاكات العسكر. "التهمة سارية، وموسمها الحالي هو الانتخابات التي يحاول المجلس العسكري أن يضرب فكرة الرقابة الدولية لها، كما يحصر الرقابة المحلية عبر مجلسه القومي لحقوق الإنسان، ونحن نعلم جميعا دور هذا الأخير كـ"كفيل حقوقي" للدولة، يأتمر باسمها ويغسل سمعتها الدولية." ويشير عبد الحافظ إلى أنه للمجلس في هذا الشأن مستشارو سوء، مثل عبد العزيز حجازي المعروف بعدائه وتخوينه لمنظمات حقوق الإنسان، على حد تعبيره.
العسكر يتواطئون على التمويل الخليجي للسلفيين
بعد أن استشعرت منظمات حقوقية فاعلة الغرض السياسي لهجمة المجلس، دعت إلى مقاطعة المجلس القومي لحقوق الإنسان ووصايته على رقابة الانتخابات المقبلة، وهو الأمر الذي جعل حقوقيا كناصر أمين يجمع بين صفته المستقلة الشهيرة في مجال دعم استقلال القضاء، وصفته كعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان في تشكيلة ما بعد الثورة إلى القول: " الهجمة على المجتمع المدني منسقة وستؤدي إلى خراب وإساءة لسمعة المجلس العسكري والثورة، فمستشارو السوء لا يحيطون فقط المجلس العسكري، بل يحيطون وزير الشؤون الاجتماعية (الجهة الحكومية المشرفة ماليا وإداريا على نشاط الجمعيات الأهلية).
وفي نظر ناصر أمين ورث وزير الشؤون الاجتماعية مستشاري عصر مبارك، وبدلا من الكشف عن الجمعيات السلفية التي تلقت ملايين من السعودية وقطر في مخالفة واضحة للقانون، عمد الوزير إلى تعميم التهمة على مؤسسات المجتمع المدني، حماية للقوى الإسلامية أو تلاعبا معها.
رسائل المجلس لن تجد من يتلقاها
ووفقا لقانون تنظيم عمل الجمعيات الأهلية، تشرف الدولة، ممثلة في وزارة الشئون الاجتماعية على تنظيم التمويل القادم للمؤسسات، بل وتقتطع منه نسبة، الأمر الذي يعتبره محمود بسيوني نافذا وغير قابل للتشكيك، حيث يحصل المجتمع المدني المصري على نحو 40 مليون دولار على هيئة تمويل لمشاريع للجمعيات كجهة لا لأفراد،
في حين يلفت سعيد عبد الحافظ النظر إلى أن تكتيك المجلس العسكري المستمد من أساليب عصر مبارك هو محاولة لتضخيم تهمة إفساد الثورة بمجملها، وتقديمها كمؤامرة خارجية، وهي العقلية التي، كما يقول، لم تشعر حتى الآن أن ثمة ثورة قد قامت. ويؤكد ناصر أمين في حديثه مع دويتشه فيله " الفترة القادمة فاصلة لكل من المجتمع المدني والصحافة والإعلام، فالمجلس يعلم تماما أن رسائله قد وصلت، وأن الجهات الثلاث مصممة على استكمال الثورة."
هاني درويش ـ القاهرة
مراجعة: منى صالح