"داعش" فشل في بن قردان ويتربص بديمقراطية تونس الناشئة
٩ مارس ٢٠١٦"ربحنا معركة ولم نربح الحرب ضد الإرهاب"، يقول رئيس الوزراء التونسي الحبيب الصيد في تعليقه على حصيلة الهجوم على مدينة بن قردان التونسية (جنوب البلاد). فقد تمكنت قوات الجيش والأمن التونسي من إحباط هجوم "منسق وغير مسبوق" لتنظيم "الدولة الإسلامية" في المدينة التونسية، التي لا تبعد سوى 25 كيلومترا عن الحدود مع الجارة المضطربة ليبيا.
وبحسب الحصيلة الرسمية المؤقتة للأحداث، فقد سقط أكثر من أربعين قتيلا من العناصر الجهادية، كما سقط نصف هذا العدد من عناصر قوات الأمن والجيش والمدنيين. ويرى مراقبون بأن كُلاً من الطابع الضخم للعملية الإرهابية وهدفها -بإقامة "إمارة داعشية" في مدينة بن قردان ذات الموقع الجيو استراتيجي- يطرح أسئلة حول حجم المخاطر المحدقة بالديمقراطية الناشئة في تونس.
لماذا بن قردان؟
تقع مدينة بن قردان على مرمى حجر من معبر راس جدير الحدودي مع ليبيا الذي يعتبر شريان الحياة للمنطقة الجنوبية في تونس والغربية في ليبيا. ويبلغ عدد سكانها زهاء 60 ألف نسمة. ويعتمد سكانها تجارة التهريب بين البلدين، وتنتشر في أوساط شبابها البطالة والشعور بانعدام الآفاق. وشهدت المدينة خلال السنوات العشر الأخيرة -بما فيها فترة حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي- اضطرابات كلما حاولت الدولة التونسية أو الليبية اتخاذ إجراءات لمنع التهريب أو مراقبته على الأقل.
بيد أن ظاهرة التهريب اكتست طابعا جديدا في السنوات التي أعقبت الثورة التي أطاحت بنظام بن علي، فقد دخلت على الخط مجموعات إرهابية وباتت تتداخل مع شبكات التهريب، فلم يعد التهريب يقتصر على المواد الغذائية التونسية نحو ليبيا أو البضائع الآسيوية التي يتم تهريبها من ليبيا نحو الأسواق التونسية، بل أصبحت المنطقة معبرا لتهريب الأسلحة من ليبيا نحو تونس ومنها أيضا إلى الجزائر.
كما شكلت تلك المنطقة ملاذا أساسيا للإرهابيين الفارين من تونس، أو الذين يغادرون تونس بهدف الالتحقاق بصفوف التنظيمات الجهادية المتمركزة في ليبيا، سواء بغرض تعزيز صفوفها أو لتلقي تدريبات في انتظار التوجه إلى جبهات القتال في سوريا والعراق.
ويعتقد خبراء أمنيون في تونس أن تنظيم"الدولة الإسلامية" كان يراهن -بهجومه الكبير على مواقع عسكرية وأمنية في بن قردان- على إحداث اختراق في المنظومة الأمنية والاجتماعية السياسية بتونس، اعتقادا منه أنه سيجد استجابة من قبل السكان المحليين أو على الأقل فئات المتذمرين من الإجراءات الأخيرة، التي اتخذتها تونس لمراقبة التهريب والحدود بعد إقامة جدار رملي على الحدود مع ليبيا: يتجاوز طوله مائتي كيلومترا، وذلك بمساعدة أمريكية وألمانية.
ولا يستبعد الخبراء أن يكون التنظيم الجهادي قد حصل على تواطؤات من داخل المدينة لتسهيل تسرب مجموعة إرهابية تضم عشرات التونسيين والأجانب المدججين بالأسلحة، كان مخططا أن تسيطر على المدينة وترفع رايات التنظيم السوداء فوق مبانيها الحكومية معلنة إقامة "ولاية إسلامية" تابعة لخلافة ابو بكر البغدادي. وقد ألمح رئيس الوزراء التونسي الحبيب الصيد إلى وجود "اختلالات أمنية"، تعهَّدَ بتعديلها في وقت لاحق.
وتوقف بعض المحللين عند مقارنة هجوم "داعش" على بن قردان بعمليات استيلاء التنظيم الإرهابي في منتصف عام 2014 على أجزاء من محافظة نينوى العراقية ومركزها مدينة الموصل. وقد يكون ثمة بعض الشبه في عمليات "داعش، إلا أن عنصرين أساسيين على الأقل جعلا النتيجة مختلفة، أولها: أن بن قردان رغم أنها منطقة "رخوة" أمنياً إلا أن مجتمعها المدني الحي واندماجها السياسي والوطني في تونس الجديدة جعلاها عصية على التنظيم الجهادي، وهو ما يفسر انتقام عناصر "داعش" من المدنيين. ثانيا: أن التنيظم الإرهابي اصطدم بجاهزية قوات الجيش والأمن التونسيين.
وفي حوار مع DW عربية يؤكد الرئيس التونسي السابق محمد المنصف المرزوقي أن تمسك التونسيين بدولتهم ومؤسساتهم -التي شاركوا في بنائها عبر انتخابات حرة- يجعل إقامة ولاية داعشية "أمرا مستحيلا" ويرفضه التونسيون سواء أكانوا من جنوب البلاد أم من شمالها. لكن المرزوقي شدد مع ذلك على ضرورة تدعيم الوحدة الوطنية عبر "حوار وطني يسفر عن وضع استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب".
شظايا الفوضى الليبية على تونس
بيد أن توقيت الهجوم على بن قردان -وقرب المدينة من الجارة المضطربة ليبيا- يثير القلق في تونس وخارجها. فحالة الفوضى التي تشهدها ليبيا منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي والتطورات الأخيرة التي تشهدها الأوضاع هناك -بما فيها تزايد احتمالات تدخل عسكري غربي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"- ترفع من درجة التوتر والمخاوف الأمنية في تونس. وقد اعتبر المنصف المرزوقي في حواره مع DW أن ما حدث في بن قردان هو هجمة عسكرية وليست فقط عملية إرهابية محدودة، وأنها عبارة عن "اختبار للتونسيين ومؤسستهم الأمنية والعسكرية"، في إشارة من الرئيس التونسي السابق لاستمرار الخطر الإرهابي على تونس من الجبهة الليبية لـ"داعش".
ففي ظل تشديد الخناق على "داعش" في سوريا والعراق وقرار إرسال عدد من عناصره إلى ليبيا، وتصاعد الحملات المحلية الليبية العسكرية بدعم غربي ضد "داعش" في بنغازي وسرت شرق ليبيا، وتلقي التنظيم الإرهابي ضربات موجعة في صبراته الواقعة غربا -والتي لا تبعد سوى 70 كيلومترا على الحدود مع تونس- يتوقع خبراء أمنيون في تونس أن تكون بلادهم الوجهة الأساسية التي يفر إليها عناصر "داعش"، في حال تنفيذ تدخل عسكري غربي. وما يزيد من أعباء السلطات التونسية، هو غياب طرف حكومي ليبي مسؤول للتعامل معه في مواجهة هذه التحديات، اذ لا تزال جهود تركيز حكومة الوحدة الوطنية -التي تقرَّرَ تشكيلها برعاية الأمم المتحدة- متعثرة، ولا تزال الميليشيات والقوى الأمنية والعسكرية المختلفة تتنازع النفوذ بين شرق البلاد وغربها.
وفي غضون ذلك يسعى التنظيم الإرهابي لاستغلال حالة الفوضى السياسية والأمنية في ليبيا، ويعتقد خبراء أنه يراهن على توظيف الرصيد البشري من التونسيين الذي التحق به سواء في ليبيا -حيث يُقدَّر عددهم هنالك بحوالي 700 عنصر- أو في جبهات القتال الأخرى، حيث تذهب تقديرات مؤسسات أمنية غربية إلى أن عددهم الإجمالي يفوق 6000 عنصر. وهي معطيات تثير القلق -داخل تونس وخارجها- على الديمقراطية الناشئة في هذا البلد الصغير، الذي لم تنجح حكوماته المتعاقبة خلال خمس سنوات من تخفيف وطأة البطالة والتهميش في أوسط الشباب والمناطق الفقيرة.
تونس وسيناريوهات هجمات أكبر من "داعش"
ورغم الاستعدادات الحثيثة واليقظة -التي تبديها تونس على المستويات الأمنية والسياسية والشعبية- تبدو التحديات كبيرة، خصوصا أن التدابير المتخذة إلى حد الآن لا تغطي كامل الحدود التي تمتد إلى أكثر من 500 كيلومتر، كما أن قوات الجيش والأمن التونسية تفتقد إلى التجهيزات الضرورية لمواجهة عمليات التنظيمات الجهادية التي تعتمد على أسلوب حرب العصابات، وهو ما أظهرته عمليات الكر والفر المتواصلة منذ ثلاث سنوات بين القوات الأمنية والعسكرية التونسية وعناصر التنظيمات الجهادية المتحصنة في جبل الشعانبي والمناطق الحدودية مع الجزائر.
كما أن اعتماد الاقتصاد التونسي على عائدات السياحة يجعله في مهب أي تطورات أمنية جديدة، فقد تكبدت تونس خلال العامين الأخيرين خسائر تقدر بمليارات اليوروهات، بسبب سلسلة الاعتداءات الإرهابية في مواقع سياحية شهيرة بمدينة سوسة ومتحف باردو بالعاصمة تونس. وفي ردها على هذه المخاوف، أكدت سلمى اللومي الرقيق وزيرة السياحة التونسية -في حوار مع صحيفة "تاغِس شبيغل" الألمانية نُشِرَ اليوم (التاسع من مارس/ آذار 2016)- أن بلادها وضعت منظومة أمنية متكاملة لحماية المواقع السياحية وأن نتائجها إيجابية. وأشارت الوزيرة التونسية بأن العمليات الإرهابية التي شهدتها تونس العام الماضي 2015 كلفت القطاع السياحي خسائر تقدر بـ 26 في المائة من العقود السياحية.
ويرى خبراء بأن تنوع وتعدد مصادر الخطر -التي تهدد الديمقراطية الفتية في تونس- يجعل هذا البلد بحاجة إلى دعم يتجاوز الجوانب الأمنية والعسكرية، ليشمل مساعدات اقتصادية بحجم التحديات المطروحة على شبابه ومناطقه الفقيرة، وينتقد كثير من التونسيين تأخر المؤسسات الأوروبية والغربية في تقديم الدعم الاقتصادي الضروري، بينما يحلو للعواصم الغربية التغني في وسائل الإعلام بنجاح تجربة التوافق السياسي والنموذج الفريد في تونس من بين دول الربيع العربي.