دراسة: خلايا معوية تملك "ذاكرة" وتتعرف على الأمراض وتحاربها
٢٥ فبراير ٢٠٢٢من المعروف علمياً أن خلايا منتشرة على غشاء الأمعاء تساعد الجسم في محاربة بعض الأمراض، لكنّ دراسة حديثة نُشرت الجمعة (25 فبراير/ شباط 2022) أظهرت أن بعض الخلايا يتمتّع بفعالية أكبر بكثير ممّا يُعتقد، إذ تستطيع التعرّف على بكتيريا تعرضت لها سابقاً ومحاربتها بطريقة أفضل. وأظهرت دراسة أجريت على الفئران ونشرتها الجمعة مجلة "ساينس" إلى أنّ الخلايا اللمفاوية الفطرية من النوع 3 (ILC3) والموجودة بأعداد كبيرة في الأمعاء تملك نوعاً من "الذاكرة" تجاه الأمراض التي واجهها الجسم سابقاً، ما يجعلها فعّالة أكثر عند الإصابة مجدداً بهذه الأمراض.
ويقول معدّو الدراسة من معهد باستور (البحث في الطب الحيوي) والمعهد الفرنسي للصحة والبحث الطبي إنّ "خلايا لمفاوية فطرية من النوع 3 "مدرّبة" تظهر وتبقى حاضرة بعد المواجهة الأولى مع مرض معيّن".
ويتيح هذا الاكتشاف فهم أداء الجهاز المناعي بشكل أفضل، حتى مع ضرورة الأخذ في الاعتبار أنّه أجري على حيوانات ولا يمكن بالتالي تطبيقه تلقائياً على البشر.
نتائج الدراسة توضح عمل مناعة الجسم
وتمثل الدراسة جزءاً من سلسلة أعمال جرت حديثاً وأوضحت طريقة تكامل الشكلين الرئيسيين للمناعة وهما الفطرية والتكيفية. و"يتعلّم" الجسم من خلال المناعة التكيفية المعروفة أكثر من الفطرية، وعبر تكوين الأجسام المضادة تحديداً، كيفية التعرّف على البكتيريا والفيروسات التي يتعرض لها مع الوقت ليستهدفها بشكل محدد. ويُعتمد على هذه المناعة كأساس في عمل اللقاحات.
أما المناعة "الفطرية"، فتعمل بطريقة أقل استهدافاً، إذ تساعد الجسم على تحديد العوامل المعدية من دون تمييز وتشكيل حاجزاً أوّل للتصدي للعدوى حتى تُنظّم الاستجابة التكيفية. لكنّ سلسلة من الأبحاث تشكك منذ سنوات في جانب من فكرة الاستجابة الجماعية والعشوائية هذه. وأظهرت الأبحاث أنّ بعض الفاعلين في الاستجابة الفطرية مثل "الخلايا القاتلة الطبيعية" تستطيع التعرّف على ميكروب استهدف الجسم سابقاً.
وتشير الدراسة المنشورة الجمعة إلى أنّ الخلايا اللمفاوية الفطرية من النوع 3 تمثّل لاعباً من الذين تحدثت عنهم الدراسات السابقة. ورغم أنّ دورها في الدفاع الفطري معروف منذ أكثر من عشر سنوات، لكنّ لم يكن يُعرف الكثير عن قدراتها على "التذكر". ولتسليط الضوء على إمكانيات هذه الخلايا "تذكر" الأمراض، قام الباحثون بحقن فئرانٍ ببكتيريا تتفاعل لدى هذه الحيوانات بطريقة مشابهة للإشريكية القولونية، وهي واحدة من الأسباب الرئيسية للإصابة بالأمراض لدى البشر.
وتحوّلت بعض الخلايا اللمفاوية الفطرية من النوع 3 لدى الفئران التي استُهدفت بالبكتيريا إلى خلايا "مدرّبة". وبعد أربعة أشهر، حُقنت هذه الفئران بالبكتيريا نفسها أو بنوع آخر يعمل بطريقة مماثلة، وأتت الاستجابة المناعية لدى الحيوانات أفضل.
وقال معد الدراسة الرئيسي نيكولاس سيرافيني لوكالة فرانس برس إنّ ذاكرة الخلايا اللمفاوية الفطرية هذه "تجعل الخلايا فعّالة بسرعة كبيرة لتقوية الحاجز فوراً أثناء التعرض لإصابة ثانية". وعلى افتراض أنّ هذه النتائج يمكن تأكيدها لدى البشر، فإنها تساهم في توضيح روية مبسّطة للمناعتين الفطرية والتكيفية تفيد بأنّ عمل المناعة الفطرية يقتصر على تهيئة الظروف للمناعة التكيفية.
وقال جيمس دي سانتو الذي أشرف على الدراسة لوكالة فرانس برس "لدينا تصوّر (خاطئ) بأنّ الاستجابة الفطرية تمثّل أمراً بسيطاً للغاية وتعمل كجنود، وأننا سنحصل على "دماغ" الاستجابة التكيفية التي ستكون مهمة بشكل فعلي للتعافي من العدوى". أما الفائدة الرئيسية من هذا العمل فتتمثّل بالمساعدة في وصف أداء جهاز المناعة المعقّد بشكل أفضل. ومن ناحية أخرى، من المبكر تحديد أي فكرة تتوافق فيها مع دراسات أخرى، تقدّم تطوّرات علاجية ملموسة.
لكن هذا لا يحدّ من التفكير في النتائج من الناحية النظرية، ويتطلّع الباحثون إلى أن نصبح قادرين يوماً ما على استخدام هذه الخلايا المناعية "المدرّبة" كعلاج مضاد لأمراض معيّنة من بينها سرطان القولون. ويقول سيرافيني "في المستقبل البعيد، قد تُستخدم هذه الخلايا في العلاج بالخلايا، إذا تمكّنا من إبقائها حية لفترة طويلة جداً وإعادة حقنها".
ز.أ.ب/ ص.ش (أ ف ب)