دريسدن... قصة مدينتين في مدينة واحدة
٢٧ أكتوبر ٢٠١٩مساء تشريني بارد. مئات من أنصار حركة "بيغيدا"(وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب) يحتجون مثل كل يوم اثنين من الأسبوع بالقرب من كنيسة السيدة العذراء (فراون كيرشه) في وسط مدينة دريسدن في شرق ألمانيا. شعارات ولافتات معادية للأجانب. مؤسس الحركة، لوتس باخمن، يلقي خطبة يصم جام غضبه فيها على الصحافة "الكاذبة" وطالبي اللجوء. بدأت أولى تظاهرات الحركة في خريف عام 2015 في عز موجة اللجوء آنذاك.
وعلى مسافة ليست بعيدة مظاهرة أخرى تحتج ضد المظاهرة الأولى. من بين الفاعلين فيها دانيال الفحيل، وهو مهاجر سوري وصل إلى ألمانيا عام 2015. "ما أريد قوله أن دريسدن ليست فقط بيغيدا. المدينة أكبر من ذلك؛ فهي متنوعة ثقافياً ويقطنها أناس متنوعون"، يقول الشاب لـ"مهاجر نيوز". دانيال سعيد في المدينة التي أصبح يدعوها "بيتي".
دريسدن "القديمة" مقابل نظيرتها "الجديدة"
يقسم نهر الإلبه دريسدن إلى قسمين، قديم يضم القصور والمتاحف والمعالم الكبرى التي بنيت في عهد أوغست العظيم (1670-1733) ومبان ضخمة حديثة بنيت في عهد الشيوعية يسكنها ألمان وأجانب يعانون من نسب مرتفعة من البطالة والفقر. يتركز أنصار حركة "بيغيدا" في هذا الجزء من دريسدن. تستولي عليهم فكرة أن تراثهم في خطر. ومن هنا جاءت عبارة "نريد حماية الهوية الألمانية" التي يقرأها المرء في صفحتهم على شبكة الإنترنت. وعادة ما تترافق مظاهرات الاثنين بالرقص الفلكلوري تعبيراً عن هواجسهم ومخاوفهم.
على الجانب الآخر للمدينة يجد المرء "المدينة الجديدة" التي يعود تاريخ القسم الأكبر منها إلى نهايات القرن التاسع عشر. يقول دانيال، الذي يعمل مرشداً سياحياً، أن هذا الجزء أكثر تنوعاً ويعج بدور السينما والحانات والمطاعم والطلاب من كل أنحاء العالم.
في مجلس المدينة يحتل حزب البديل من أجل ألمانيا 12 مقعداً ومثله حزب اليسار، بينما لحزب المستشارة أنغيلا ميركل، المسيحي الديمقراطي، 13 مقعداً. حزب الخضر هو الأكبر في المجلس بواقع 15 مقعداً، أما الحزب الاشتراكي الديمقراطي فليس له إلا 6 مقاعد.
تظهر الأرقام أن نسبة الأجانب في المدينة منخفضة نسبياً مقارنة بباقي البلاد. ففي المدينة نصف المليونية يعيش أقل من 50 ألفاً، معظمهم من الاتحاد السوفياتي السابق، في حين لا يشكل اللاجئون إلا نسبة 18 بالمئة من الأجانب.
دريسدن 2022
في تموز/يوليو 2019 أعلنت مدينة دريسدن عن خطة طموحة فيما يتعلق بطالبي اللجوء والاندماج. تبدأ الخطة باقتباس من كلام لعمدة المدينة، ديرك هيلبرت: "من يعتقد أن الاندماج طريق باتجاه واحد، فهو مخطئ. من يعتقد أن الاندماج شيء جديد على المدينة، فهو يهرف بما لا يعرف. من يعتقد أن الاندماج لن ينجح، فهوم يُفقد نفسه وغيره الأمل".
تقوم الخطة على عدة أعمدة لضمان السعادة والقبول للوافدين الجدد: مسكن وتأمين صحي ومأكل وفرص لتعلم اللغة والتعليم والبحث عن العمل في أجواء من الحرية والمشاركة. وتذهب الخطة إلى أن الاندماج يتحقق عندما يفهم المهاجرون والسكان المحليون بعضهم بعضاً ويكونوا على استعداد لقبول الطبيعة الثقافية المتنوعة للمدينة.
إيما واليس/خالد سلامة-مهاجر نيوز