دمشقيون في انتظار قرار الكونغرس بشأن "تأديب الأسد"
٤ سبتمبر ٢٠١٣"غدا أو بعد أسبوع أو بعد شهر"، هذا ما كان أعلنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشأن موعد الضربة العسكرية ضد نظام الأسد في سوريا، عندما تداولت وسائل الإعلام نبأ مقتل المئات من المدنيين جراء استخدام أسلحة كيميائية في الغوطة الشرقية بريف دمشق. وكان هذا الموعد قد بدا للوهلة الأولى قريبا جدا خاصة بعد مغادرة فريق المفتشين الدوليين سوريا، إلا أن خطاب الرئيس أوباما جاء بعكس توقعات الكثيرين عندما ربط أي ضربة عسكرية ضد النظام السوري بموافقة الكونغرس الأمريكي. وبهذا ترك أوباما كل الاحتمالات واردة، مثيرا بذلك سيلا لا ينتهي من التكهنات عن الأسباب الكامنة وراء هذا التأجيل وكذلك آراء متباينة لدى الشارع السوري بين ارتياح وخيبة أمل.
بين الارتياح وخبية الأمل
ومن بين الذين تنفسوا الصعداء عقب إعلان أوباما تفويض أي عمل عسكري في سوريا للكونغرس أبو عمر، وهو صاحب مصنع لصنع لحلويات. وقد قام الأخير خصيصا بإعداد وليمة غداء لجميع العاملين في مصنعه احتفالا بتأجيل الضربة العسكرية، ويبرر ذلك بقوله: "على الرغم من معارضتي الشديدة للنظام إلا أن ضرب مواقعه كانت ستؤثر علينا جميعا. كنت أشعر بالخوف على عائلتي والآن نحن بأمان أكثر".
أما الحاجة أم كمال، التي تبلغ من العمر 60 عاما، فتقول إنها لم تعد تبالي بأي تصريحات على الرغم من أن بيتها يقع بجانب أحد الفروع الأمنية المتوقع استهدافها بالضربة العسكرية. وتفسر الحاجة أم كمال ذلك لـDW عربية بالقول: "لقد تجاوز النظام خلال عامين ونصف جميع ألوان الخطوط الحمر والصفر ولم يتحرك العالم. ولا فرق عندي الآن من أن أموت ذبحا على يد قوات النظام أو بصاروخ كروز، فالجميع يتآمر علينا". وهنا يقاطعها ابنها كمال، العاطل عن العمل، بغضب قائلا: "كيف لنا أن نفكر ونحلل خطاب أوباما ونحن نفكر ألف مرة في اليوم في كيفية تفادي قذائف الهاون العشوائية التي تتساقط على دمشق وفي كيفية تأمين لقمة عيشنا؟".
في حين، يرى أبو خالد، وهو صاحب محل للشرقيات في سوق الحميدية، أن خطاب أوباما كان "مخيبا للآمال ولا يتعدى الأمر عن كونه جعجة بلا طحين لحفظ ماء وجهه أمام شعبه". ويضيف أبو خالد لـ DW عربية قائلا: "بعد تأخير الضربة لهذا الحد واستمرار قوات الأسد في نقل مواقع تمركزها أصبحت واثقا من أن الضربة - وإن حصلت - فلن تكون موجهة ضد قوات الأسد إلا شكليا. هي ستستهدف مواقع كانت تتمركز فيها قوات النظام والآن أصبحت خالية من العسكريين". ويشير أبو خالد في هذا السياق إلى عملية نقل عتاد عسكري وجنود إلى إحدى المدارس القريبة من بيته. وهو أمر تحدث عنه العديد من سكان دمشق الذين قالوا إنهم رأوا عمليات نقل مواقع عسكرية إلى بعض المؤسسات التعليمية والمدنية الحكومية وحتى إلى دور العبادة.
آمال كبيرة معلقة على الكونغرس
وعلى الرغم من أن قرار أوباما انتظار موافقة الكونغرس لتوجيه أي ضربة عسكرية ضد النظام السوري قد أصاب الكثيرين، وخاصة في صفوف المعارضة السورية، بخيبة أمل، إلا أن هناك من يعلق آمالا كبيرة على قرار الكونغرس، على غرار ماهر، الطالب في كلية التجارة. ويقول في حديث مع DW عربية: "لم يزعجني قرار الرئيس الأمريكي بالتأجيل، بل على العكس، فإذا حصل أوباما على موافقة الكونغرس، فسوف تذهب الضربة إلى أبعد من أن تكون ضربة تأديبية للنظام. ستتواصل حتى إسقاطه والتخلص من حكم الأسد نهائيا. وهذا سيكون بالطبع من مصلحة الشعب السوري أولا وأخيرا".
في المقابل، اختلفت ردود الفعل في الأحياء الموالية لنظام الأسد في دمشق، حيث عمت أجواء الفرح والتهليل لما وُصف ب"النصر الذي حققه النظام"، حسب تعبير البعض، بعد أن سادت أجواء من القلق والخوف. ويقول أبو رائد ذو الخميسين عاما، وهو أحد سكان هذه الأحياء، في حديث مع DW عربية والابتسامة تملأ وجهه قائلا: "استطاع الرئيس بشار الأسد أن يثير مخاوف لدى الغربيين بالتهديدات التي وجهها لهم منذ بداية الحديث عن الضربة العسكرية. وهم لن يخاطروا بحليفتهم إسرائيل من أجل إرضاء المعارضة السورية الخائنة".
في حين، ترى سمر، وهي طالبة في كلية الإعلام وإحدى ساكنات الأحياء الموالية للنظام، أن "الأمر لا يتعدى عن كونه فقاعة إعلامية". وتضيف قائلة: "فلو أرادوا أن ينفذوا وعيدهم، لكانوا فعلو ذلك منذ البداية. جيشنا مازال قادرا على الصمود لسنوات طويلة وأصوات المدافع تشهد على ذلك"، مشيرة إلى أصوات المدافع وراجمات الصواريخ التي عادت لتملأ أرجاء العاصمة دمشق بعد هدوء شهدته المدينة في الأيام السابقة. أما حواجز التفتيش التي مزقت أوصال أحياء العاصمة فقد عادت إلى سابق عهدها؛ ليس فقط من حيث عدد العناصر العسكرية الموجودة على كل حاجز، بعد أن تقلصت أعدادها من قبل، فحسب، بل من حيث الأزمة المرورية التي تسببها هذه الحواجز يوميا.