دور سيف الإسلام القذافي - اصلاحي أم توزيع أدوار داخل النظام الليبي؟
١٢ يوليو ٢٠١٠أعلن في ليبيا منذ يومين عن عودة صحيفتي "أويا" و"قورينا" للصدور بعد احتجاب دام ستة أشهر فُسِر إبانها بأنه تراجع لدور الجناح الإصلاحي داخل النظام الليبي، وتتباين قراءات المحللين لأبعاد عودة صدور الصحيفتين اللتين توصفان بالمقربتين من سيف الإسلام نجل الزعيم الليبي معمر القذافي.
وقال مصطفى فيتوري رئيس قسم إدارة الأعمال في أكاديمية الدراسات العليا بطرابلس في حوار مع دويتشه فيله إن "دور سيف الإسلام أساسي في دعم التوجهات الإصلاحية التي يتطلع إليها جيل الشباب ومنظمات المجتمع المدني في البلاد" مشيرا إلى أن هذا الدور يصطدم بنفوذ "الجيل القديم وخصوصا فئات من البيروقراطية ومراكز النفوذ التقليدية".
ورغم أن صحيفتي " أويا" و"قورينا"حظيتا في وقت سابق بإشادة عدد من المنظمات الدولية المدافعة عن حرية الصحافة وحقوق الإنسان، فقد قلل حسن الأمين رئيس تحرير موقع"ليبيا المستقبل" الإلكتروني المعارض في حوار مع دويتشه فيله من أهمية عودة الصحيفتين. واعتبر الأمين أن "سيف الإسلام ليس لديه مشروع إصلاحي وأن دوره جزء من خطة ذكية من نظام القذافي لامتصاص غضب الشعب ومحاولة تسويق توريث الحكم".
الإعلام الليبي والخطوط الحمراء
وقال صحافيون ومسؤولون في صحيفتي "أويا" التي تصدر من طرابلس و"قورينا" الصادرة من بنغازي إن استئناف صدور الصحيفتين يهدف للمساهمة في إرساء "صحافة جادة وحرة " في البلاد، كما جاء على لسان سليمان دوغة وهو صحافي من منتقدي نظام القذافي وتولى العام الماضي رئاسة مجموعة "الجهاد" الإعلامية التي تصدر الصحيفتين، ويساهم في رأس مال المجموعة هيئات تضم مثقفين وصحافيين، وتوصف بأنها مقربة من سيف الإسلام.
ولاحظ الأكاديمي الليبي مصطفى فيتوري أن عودة الصحيفتين للصدور لا ينبغي أن يُحمَل أكثر مما يحتمل مشيرا بأنهما لم تتوقفا بل ظلتا تصدران إلكترونيا، لكنه اعتبر أن "عودة الصحيفتين يمكن اعتباره مؤشرا على توسيع مشاركة الرأي العام في مناقشة القضايا التي تهم البلد" خصوصا أن قراءة الصحف الورقية تحظى بانتشار أكبر من الصحف الإلكترونية لدى الليبيين. وأشار فيتوري إلى وجود مؤشرات أخرى على تغييرات سياسية مرتقبة في غضون الأشهر القليلة المقبلة.
ويعترف حسن الأمين وهو معارض ليبي يعيش في المنفى بلندن، بوجود "بعض التغييرات في الإعلام وجرأة أكثر في تناول بعض القضايا وخصوصا مسألة مكافحة الفساد" مشيرا إلى الصحيفتين اللتين عاودتا الصدور وبعض المؤسسات الإعلامية التابعة لمؤسسة "إعلام ليبيا الغد" الصحافية التي توصف بأنها تعبر عن توجهات إصلاحية يقودها سيف الإسلام. لكن الأمين يرى أن دور هذه الصحف "محدود جدا"، وأوضح بأن الإعلام في ليبيا بجناحيه سواء الإعلام الرسمي أو مؤسسات "إعلام ليبيا الغد"، "لا يتجاوز خطوطا حمراء مرسومة". وأضاف في هذا السياق أن هنالك قضايا أساسية مطروحة في البلاد ولا يتم تناولها مثل مستقبل ليبيا السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان وأحداث خطيرة تقع في البلد مثل مذبحة سجن أبو سليم التي تطرقت اليها منظمات حقوقية وإنسانية دولية.
"حدود" دور سيف الإسلام القذافي
ولعبت صحيفتا" أويا" و"قورينا" دورا إعلاميا ملحوظا خلال العامين الماضيين في حملة مكافحة الفساد في البلاد، وفسر مراقبون هذا الدور على أنه ترويج للأجندة الإصلاحية لسيف الإسلام القذافي، الذي انتقد بدوره في محاضرات ألقاها في وقت سابق في مصر ولندن، ما وصفها بـ "مراكز نفوذ وأصحاب مصالح" في إشارة لما يصطلح عليه بـ "الحرس القديم" في نظام القذافي الذي يستعد للاحتفال بالذكرى 42 لتوليه السلطة في ليبيا.
وتتباين قراءات المراقبين لأوضاع ليبيا للدور الذي يلعبه سيف الإسلام الذي يرأس جمعية القذافي الخيرية التي تتولى أعمال إنسانية في ليبيا وخارجها ولعبت دورا في الإفراج عن عدد من المعتقلين والسجناء الإسلاميين، بالإضافة الى نفوذه داخل بعض المؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني والشباب.
وبرأي فيتوري فإن الدور الذي يلعبه سيف الإسلام يمكن تفسيره بما حدث منذ عامين عندما أعلن سيف الإسلام انسحابه من الحياة السياسية العامة، لكن "الارتباط الوثيق بين سيف الإسلام ومنظمات جماهيرية وخصوصا الشبابية جعله يتراجع تحت ضغطها ومطالبتها له بمواصلة دوره الإصلاحي والتأهيلي لمؤسسات الدولة الليبية". وأضاف فيتوري بأن "سيف الإسلام لا يمكنه التراجع عن دوره"، مشيرا بالخصوص الى دوره على رأس مؤسسة القذافي الخيرية واهتمامه الكبير بدورهيئات المجتمع المدني وملفات إصلاح الاقتصاد الليبي.
وأوضح الأمين أنه لا يرى في الواقع آثارا ملموسة لما يُطلق عليه منذ عشر سنوات بدور إصلاحي يقوم به سيف الإسلام. وفي تعقيبه على سؤال حول دور سيف الإسلام في الإفراج عن مئات من السجناء السياسيين في بلاده، قال الأمين "انجازات سيف الإسلام لا تتعدى الإفراج عن بعض السجناء، ولم يتجاوز هذه الخطوة مثلا عبر إلغاء القوانين الاستثنائية التي لا تزال سارية لحد الآن، والتي كانت سببا في دخولهم للسجن".
دور إصلاحي أم توزيع أدوار؟
وسُلطت الأضواء على دور سيف الإسلام بشكل أكبر خلال السنوات القليلة الماضية ولاسيما بعد إنهاء أزمة ليبيا مع الغرب سواء عبر طي ملف لوكربي أو بتخليها عن برامج الأسلحة المحظورة وصولا الى قضية الإفراج عن الممرضات البلغاريات التي لعب فيها سيف الإسلام دورا أساسيا.
ويرى مراقبون بأن سيف الإسلام (36 عاما) ربما هو في طريقه للعب دور تأهيلي لنظام حكم والده وإعادة إدماجه على المستوى الدولي عبر إدخال اصلاحات سياسية واقتصادية وإعلامية، بيد أن التراجعات الملحوظة على تلك الخطوات الإصلاحية المحتشمة أصلا تثير قراءات مختلفة لدى المراقبين.
وهنالك رأي يقول بأن سيف الإسلام الذي لا يتولى أي منصب رسمي في الدولة يخوض بالفعل محاولات لإصلاح نظام حكم والده ولكنه يصطدم في الواقع بمراكز نفوذ تقليدية هي عبارة عن مركب من أجهزة بيروقراطية وأمنية وجماعات مصالح. ويلاحظ مصطفى فيتوري بأن "ليبيا دولة نامية وشأنها شأن دول المنطقة وقد حققت بعض الإنجازات وخصوصا في مجال البنيات التحتية، ولكن هنالك جماعات مصالح وقوى بيروقراطية تقاوم أي مشروع للتغيير".
بينما يرى آخرون بأن ما يحدث داخل النظام الليبي هو توزيع أدوار بين أجنحة الحكم التي يشكل أبناء القذافي أهم أقطابه وخصوصا سيف الإسلام وشقيقه المعتصم الذي يتولى منصب مستشار الأمن القومي. ويرى حسن الأمين أن سيف الإسلام ليس لديه مشروعا إصلاحيا وأن كل ما هنالك" مشروع الأب والابن والمنظومة الحاكمة من لجان ثورية، ومحاولة تسويق مشروع توريث الحكم".
الكاتب: منصف السليمي
مراجعة: طارق أنكاي