دورة بكين: نفقات خيالية بعائدات فيها صالح وطالح
٢٥ يوليو ٢٠١٢
شاءت الصدف أن يتزامن يوم افتتاح دورة لندن 2012 الأولمبية في السابع والعشرين من الشهر الجاري، مع موعد إقامة مباراة كرة قدم تجمع بين فريقين انجليزيين وهما أرسنال ومانشستر سيتي، وذلك على ملعب "عش الطائر" في العاصمة الصينية بكين. أهمية تلك المباراة لا تكمن في أنها ستجمع بين غريمين انكليزيين خارج قواعدهما المعتادة ويوم انطلاق الأولمبياد في موطنهما، وإنما في أن تلك المباراة ستقام على الملعب الأولمبي، مدعاة فخر الصين أثناء دورة بكين 2008. وسيمتلئ أخيرا بالجمهور، حتى وإن لن يصل ذروة قدرة استيعابه وهي 80 ألف متفرج.
"عش الطائر" الملعب الضخم الذي كلف الملايين من الدولارات، لم يحتضن في السنوات الأربع الأخيرة أي تظاهرة رياضية، فحتى مباريات كرة القدم في الصين لا تشهد ذات الحضور المكتف الذي تعرفه الملاعب الأوروبية، وعادة ما تقام المباريات في ملاعب صغيرة لا تتسع سوى لبضعة آلاف من المتفرجين.
لقد تحول عش الطائر مؤخرا إلى محج سياحي، ومن يرغب في زيارته من الداخل عليه دفع تذكرة بقيمة ستة يورو. مبلغ قد يبدو مرتفعا بالنسبة للسياح القادمين من مقاطعة شاندونغ الصينية، الذين يكتفون بالتقاط صور تذكارية من الخارج فقط، فهذا يكفي نظرا لشكل الملعب الخارجي الجميل والمذهل. لقد أقامت الصين في عام 2008 دورة تاريخية على جميع الأصعدة، فقد شيدت 37 منتزها رياضيا، وأنفقت نحو أربعين مليار يورو على تلك التظاهرة التي استمرت 16 يوما. وتحت شعار "عالم واحد، حلم واحد" قامت الصين بتغيير معالم العاصمة بكين، فشيدت بنى تحتية جديدة، ودمرت أجزاء بكاملها، وشيدت أخرى.
مهما بلغت التكاليف؟
من المؤكد أن الطبقة الحاكمة لم تكترث كثيرا بمصير تلك المنشآت لاحقا، بقدر أنها كانت تسعى إلى تنظيم دورة كان الهدف من وراءها إبراز قوة الدولة مهما كلف ذلك من نفقات. ويوضح الخبير الألماني في الشؤون الصينية توماس هيبيرير، أن الصين نجحت في ذلك المسعى، تماما كنجاحها بالوفاء في الوعد الذي قطعته بتقديم "ألعاب خضراء" أي رفيقة بالبيئة، الأمر الذي أكده كذلك وبوضوح برنامج البيئة للأمم المتحدة عام 2009. وفي هذا الإطار تم الاعتماد على وسائل النقل من مترو وحافلات نقل تعتمد على الغاز الطبيعي؛ كما تمت تنقية 90% بالمائة من المياه، وزراعة ثلاثين مليون شجرة ونبتة في العاصمة الصينية بكين، كما هو الشأن بالنسبة للحديقة الأولمبية التي أضحت جزيرة خضراء في قلب العاصمة، وذلك بمساحة 680 هكتار أي ضعف مساحة سنترال بارك في نيويورك. كل ما حدث في بكين منذ تنظيم الدورة الأولمبية 2008، أبهج نشطاء البيئة وعلى رأسهم الناشطة المعروفة داي كينغن، التي ما لبثت أن تساءلت عن مصادر المياه لري كل تلك الأشجار، علما أن بكين لا تتوفر على مخزون كبير من المياه.
بكين ومعضلة المياه
70% بالمائة من المياه المستخدمة في بكين مصدرها المياه الجوفية، وهذا ما يؤدي إلى انخفاض مستمر لمنسوب مستوى المياه بنسبة متر واحد بالسنة. الأمر الذي دفع المسؤولين أنفسهم إلى وصف نظام إمداد المياه بالمهدد. ورغم ذلك يرى نشطاء البيئة أن الدولة تتقاعس في القيام بإجراءات تصحيحية. في المقابل، اعتبر الخبير الألماني توماس هيبيرير أن دورة بكين "الخضراء" رفعت من وعي الساكنة بأهمية الحفاظ على البيئة، وهو ما يسجل لصالح تلك الألعاب. لكن على المستوى السياسي لم تترك الأخيرة أي صدى إيجابي، "فمن السذاجة اعتبار أن الألعاب الأولمبية دفعت نحو التغيير السياسي في بكين، فالتحول الذي شهدته كوريا الجنوبية عقب دورة سيول 1988، لم يشهد مرادفا له في الصين". وهذا ما أكدته الناشطة داي كينغن التي أشارت إلى أن فترة ما قبل وبعد الدورة الأولمبية شهدت انفتاحا نسبيا في حرية التعبير بالنسبة للصحافة المحلية، كما سمح لبعض الصحف الأجنبية من أن توزع داخل البلاد. إلا أن ذلك لم يدم طويلا، وعادت الرقابة إلى عادتها القديمة، بل وباتت صارمة أكثر من ذي قبل.
أوليفيا فريتس/ بنكيران وفاق
مراجعة: حسن زنيند