دولة صناعة الرموز والأصنام
٢٧ مارس ٢٠١٤عرب الجزيرة قبل الإسلام كانوا يصنعون أصنامهم وأوثانهم بأيديهم ويعبدونها ويأكلونها من بعد، حتى أن الشاعر عباس ابن مرداس ابن الشاعرة الخنساء قال البيت الشعري الشهير: "ارب يبول الثعلبان برأسه فقد ذل من بالت عليه الثعالب ". بعد أن رأى الثعالب تأكل النذور من أمام الأصنام وتعتلي رؤوسها لتتبول عليها.
الأخطر من صناعة الرموز التي أجدناها وأبدعنا فيها ، صارت القدسية والخطوط الحمراء تمتد من الرمز إلى حمايته وأفراد أسرته!. الأشد خطورة ان تمتد القدسية للمكان ، الرسول الكريم قال: "هدم الكعبة حجر حجر أهون علي من قتل امرئ مسلم".
دماء الإنسان أي كان أقدس من أي حجر.
السيد الرئيس جلال طالباني عافاه الله خارج العراق منذ عام ونيف.
من يفسر لي سبب بقاء حمايته بهذه الكثافة تحيط بقصر فارغ من شاغله الأصلي؟.
ألا يفسر هذا ان الرمزية انتقلت من السيد الرئيس طالباني إلى قصره!.
وهذا لا ينسحب على السيد طالباني وحده بل يمتد ليشمل كل رموز ورؤوس المرحلة التي نعيش!.
كيف نبني دولة قانون إذا تدخل بالأمس القريب ابن السيد رئيس الوزراء ليطبق مذكرة تحري وقبض بحق نمير العقابي الذي يسكن المنطقة الخضراء؟.
اليوم يتدخل السيد رئيس الوزراء من اجل إلقاء القبض على قاتل الأستاذ الجامعي محمد بديوي .
بديوي الأستاذ الجامعي والإعلامي ، سحب من سيارته وأهين وتم الاعتداء عليه ومن ثم قتل بدم بارد ، كل هذا حصل والفوج الرئاسي لم يوافق قادته على تسليم الجاني في بداية الأمر ، إلا بعد ان أحيط الفوج بالدبابات ، وحضر السيد رئيس الوزراء وقائد عمليات بغداد بعدها وافق الفوج على تسليم الجاني .
أما حمايات البعض من النواب فحدث بلا حرج.
البيان الصادر من مكتب السيد رئيس الجمهورية ، والذي أدان عملية القتل خفف شيئا من الاحتقان ، لكن الإشارة إلى أن الفوج الرئاسي تربى على "قيم العمل المهني باحترام الإنسان " لا ينسجم مع وقع الجريمة وحجم التجاوز ، فلو كان الجاني تربى على قيم نبيلة في البيت أو في دائرته لما أقدم على هذه الجريمة النكراء ، ولما ساعده كثيرون من الفوج ذاته بالتنكيل والاعتداء على الضحية قبل مقتله.
اليوم هذه الجريمة وغدا سيحدث الأسوأ إن لم تتول تطبيق القانون جهة رسمية واحدة، كي لا تضيع كرامات العراقيين وتضيع دماؤهم هدرا ، بتعدد الجماعات والتشكيلات والمليشيات ، الذين يحرسون الشخصيات ويمثلون الأحزاب.
جمعتني رابطة صداقة وعمل بالأستاذ الشاعر الفريد سمعان .كان يعمل مشاورا قانونيا في شركة خاصة كنت أتولى إدارتها في العام ١٩٩٢. سألته ذات يوم عن سر بقائه في العراق دون ان تستطيع سلطة البعث شراء ذمته ، وسألته عن الفرق بينه وبين الشعراء والأدباء والفنانين ، الذين أدمنوا مدح البعث وصدام . أجاب: " الفرق بيني وبينهم شيء واحد ، هو إنني كنت وما زلت قادرا على كسب لقمة عيشي وتمشية أموري المالية دون الحاجة إلى إي سلطة أو شخص محدد". هذا هو جوهر الفرق بين من يعملون ويصرحون و يكتبون لاسترضاء أولياء نعمتهم، وبين من يعملون و يكتبون استرضاء لضمائرهم.
"اكبر القتلة قاتلي الأمل"