"دون مقومات أساسية تبقى الهدنة في سوريا هشة"
٢٧ فبراير ٢٠١٦دخل اتفاق وقف إطلاق النار -الذي توسطت فيه الولايات المتحدة وروسيا- حيز التنفيذ منتصف ليل أمس الجمعة في قطاعات واسعة من سوريا التي تشهد حربا طاحنة.وقد شهدت الهدنة ساعات بعد سريان مفعولها خروقات محدودة تبادلت بسببها الحكومة السورية والمعارضة الاتهامات بالوقوف وراءها. ولإلقاء المزيد من الضوء على الوضع في سوريا ومدى إمكانية نجاح هذه الهدنة أجرت DW عربية الحوار التالي مع سمير التقي مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات في دبي:
DW: ما هي آفاق الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ قبل ساعات في سوريا؟
سمير التقي: أولا، أعتقد أن الهدنة من حيث طبيعتها لا تتمتع بمقومات كثيرة للنجاح. ثانيا، ومن الناحية الموضوعية، هناك قضايا كثيرة لم يتم تحديدها بشكل واضح مثل مراقبة وقف إطلاق النار وتحديد الجهات التي يمكن أن تخرق الهدنة، بالإضافة إلى قضية تحديد الجماعات التي يمكن تصنيفها كإرهابية. وعلاوة على ذلك، أعتقد أن السيد كيري(وزير الخارجية الأمريكي) والسيد لافروف (وزير الخارجية الروسي) كانا يعرفان جيدا أن هذه الاتفاقية هشة إلى حد بعيد وغير قابلة للاستمرار طويلا، والدليل على ذلك أنهم وضعوها في سياق فترة زمنية مدتها أسبوعين. لذلك، أتوقع من الناحية العملية، أن تنطلق الأمور باتجاه آخر بعد نهاية هذه الهدنة. لكن السؤال الأساسي هنا هو هل يمكن لهذه الهدنة أن تستمر أكثر من أسبوعين؟ وجوابي هو: لا أعتقد ذلك، وحتى الأسبوعين برأيي لن ينجحا في فتح الطريق نحو مرحلة تلطيف الأجواء التي يمكن أن تؤسس لعملية سياسية في المستقبل.
القضية الآن متعلقة بمرحلة تطويق حلب، فبعد التقدم الذي حققه الروس وقوات النظام والميليشيات المتحالفة معها. فهل يمكن لها أن تنجح في تطويق حلب حقا؟ وهذا هو السؤال الأساسي. لهذا أعتقد أن سؤال الهدنة هو سؤال جانبي والمشكلة الرئيسية هي قضية التقدم الذي يمكن أن يجري على الأرض بالنسبة لقوات النظام السوري ولروسيا.
هل يعني ذلك أن النظام وربما أطراف أخرى تعول على الحرب أكثر من الهدنة؟
بالضبط. يعني عمليا أن عملية القصف مستمرة، بالنسبة للروس تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، حيث يقصفون قوى يرونها هم أنها تستحق ذلك، وليس توجيه الضربات إلى "داعش" وليس إلى القوى الإرهابية الحقيقية، وبالتالي فإن فرص نجاح الهدنة هشة جدا حسب اعتقادي. إذ سيتواصل دعم للنظام، وأعتقد أن ذلك لن يؤدي سوى إلى مزيد من الغرق في مستنقع العنف والعنف المضاد لأن الطرف الآخر مازال يمتلك الكثير من الأوراق التي يمكن أن يدفع بها في كل الاتجاهات.
ولكن آلا تعتقد أن الهدنة ورغم كل المآخذ عليها تعتبر خطوة متقدمة، إذا ما أخذنا حجم كارثة الأزمة السورية، حيث مئات الآلاف من القتلى والجرحى وملايين المهاجرين والنازحين في الداخل والخارج والخراب المهول الذي حل بالمدن السورية؟
لكي تكون خطوة متقدمة ينبغي أن تُبذل جهودا مؤسساتية لتحقيقها، أي بمعنى يجب صياغة هذه الخطة بالتوافق مع السوريين ذاتهم بجميع فئاتهم. فقد تم إلقاء هذا الاتفاق بوجه المعارضة وقيل لها إما أن تٌدمري خلال ثلاثة أشهر، وإما أن تقبلي به. هذا المنطق لا يمكن أن يؤدي إلى النجاح في أزمة معقدة كالأزمة السورية. وبناء على ما تقدم، فإن المنطق الأمريكي الذي يحاول أن يكسر أنف المعارضة لكي ترضخ لتقسيم البلاد أو القبول ببشار الأسد هو منطق يشبه منطق الأسد الذي يقول: "الأسد أو أن نحرق البلد". وهذا منطق خاطئ لا يساعد في حل الأزمة.
من له مصلحة في فشل الهدنة؟
القوى التي تعتقد أن التقدم العسكري هو فرصتها هي من لها مصلحة في فشل الهدنة. فالمعارضة السورية ليست لها مصلحة في فشل الهدنة. لكن اللاعبين خارج اللعبة، كما يقال، وهم كثر، والنظام يستقو الآن بالحديث الروسي عن احتلال حلب بموافقة أمريكية. هذا هو ما يجعل النظام وحلفائه غير مكترثين بالهدنة. وهم يستعدون للانطلاق نحو مزيد من العنف من أجل كسر ميزان القوى على الأرض السورية. ولذلك تبدو، فرص نجاح الهدنة ضئيلة جدا بسبب سوء التحضير من قبل الولايات المتحدة وروسيا لهذا الاتفاق.
ما هي الخطوات المطلوبة الآن من أجل إنجاح الهدنة والانطلاق نحو عملية سياسية شاملة لحل الأزمة؟
لكي يتم ذلك عمليا، ينبغي أولا لجم الروس ولجم محاولة كسر موازين القوى على الأرض بالاستفادة من الهدنة. كما ينبغي إيقاف المحاولات التي تجري بهدف التقدم باتجاه حلب بهدف محاصرتها. ثانيا ينبغي إطلاق عملية مجدية وذات مغزى متعلقة بحوار وطني سوري ـ سوري يمكن أن تحتضنه الأمم المتحدة وعلى مستويات مختلفة. وبدون حوار سوري ـ سوري نحن نمضي باتجاه التقسيم النهائي للبلاد.
الدكتور سمير التقي، مدير مركز الشرق للدراسات في دبي، وهو شخصية معروفة في المعارضة السورية.