ذكريات سقوط الجدار بين غزة وبرلين
٣ نوفمبر ٢٠٠٩عندما كان القصف يشتد على سماء غزة أثناء الهجوم الإسرائيلي عليها مطلع عام 2009 كان فواز أبو ستة برفقة أبناءه وزوجته الألمانية داخل بيت العائلة غير البعيد من مبنى وزارة الخارجية الفلسطينية، إلا أن البيت دُمر خلال القصف وجُرح فواز، ما دفعه وأولاده وزوجته الألمانية أنكه إلى ترك غزة بعد سبعة وعشرين عاما قضاها الزوجان هناك. عاد كلاهما إلى برلين للاستقرار فيها مرة، وهي المدينة التي تركاها مطلع الثمانيات، عندما كان الجدار يفصل شطريها الشرقي عن الغربي. جاءت هذه الرحلة لتحيي في نفس فواز ذكريات تعود إلى أكثر من ثلاثة عقود.
بداية صعبة، لمشوار ينتهي بقصة حب
ينحدر فواز من أسرة فلسطينية بدوية، وبعد دراسته الابتدائية والثانوية التحق عام 1971 بجامعة لايبزغ (ألمانيا الشرقية آنذاك) حيث حالفه الحظ، كما يقول، في الحصول على إحدى المنح الدراسية التي كانت جمهورية ألمانيا الديمقراطية سابقا تخصصها سنويا للطلاب الفلسطينيين. بدأ فواز بدراسة الطب، إلا أنه ما لبث أن اكتشف أن هذا التخصص لا يوافق ميوله، فقرر دراسة القانون التجاري. ولا يخف فواز أن بدايات مشواره الدراسي كانت عسيرة بالنسبة إليه، فقد واجه مشاكل كبيرة للتأقلم مع الحياة الجامعية الألمانية، حتى أنه "لم يكن يدرك في أول عام دراسي له في جامعة لايبزغ ما تعنيه كلمة محاضرة".
ويضيف بهذا الصدد أنه، وعندما كان يلاحظ زملاءه في المدرج الجامعي يدونون محاضرات الأساتذة، كان يقف في حيرة من أمره، ويتساءل "كيف يستطيع هؤلاء الاستماع إلى الأستاذ، تدوين ما كان يلقيه في نفس الوقت".
رغم كل هذه الصعاب التي واجهت فوزي في بداية إقامته في ألمانيا، إلا أنه يعتبر فترة دراسته الجامعية التي استغرقت خمس سنوات من أفضل فترات حياته. وكيف لا، وهي الفترة التي تعرف فيها على شريكة حياته أنكه. وكانت لبداية حبهما قصة جميلة، إذ كانت أنكه تقطن في طابق أعلى من الطابق الذي سكن فيه. كان الأخير يستغل كل الفرص المتاحة ليجر أنكه إلى الحديث. وكان يبتدع الحجج لطرق باب غرفتها. تارة ليستعير بعضا من الملح، وتارة أخرى بعضا من الشاي. ويعترف فواز اليوم، أنه "كان مبدعا جدا" في خلق حوارات ثنائية مع أنكه، التي أعجبت في الأخير بعناده وإلحاحه للظفر بقلبها. وانتهى بهما المطاف بالزواج عام 1980 في مسقط رأس أنكه بقرية صغيرة في ولاية ميكلنبورغ.
معايشة سقوط جدار برلين من غزة
في عام 1982، قرر فواز العودة للاستقرار في غزة. وبعد ستة أشهر من ذلك، التحقت به زوجته برفقة طفلتهما نسرين. وبعد سبع سنوات، تابع فواز برفقة زوجته سقوط جدار برلين على شاشة التلفاز في غزة. وكانا معا مشدودان ومندهشان لما وقع، لاسيما وأن الوحدة الألمانية كانت أمرا "مستبعدا تماما بالنسبة لهما"، وبحكم تعودهما على وجود دولتين ألمانيتين منفصلتين. ويقول فواز، إن والده كان الشخص الوحيد الذي كان مقتنعا بحتمية سقوط جدار برلين، "وكان يداعب أنكه وهو يقول لها إن الوحدة الألمانية وشيكة وإنها ستحدث قبل وفاته".
فواز فخور بجنسيته الألمانية
وبتوحيد الألمانيتين، أصبحت أنكه وفواز من مواطني ألمانيا الموحدة، وتمّ تسجيل هويتهما على هذا الأساس من قبل السلطات الإسرائيلية. وكان حصول فواز التلقائي على جنسية جمهورية ألمانيا الاتحادية مدعاة فخر له، "لأنه ورغم مظهره الشرقي، إلا أنه يشعر بانتماء قوي إلى المجتمع الألماني". وها هو اليوم يعود مرة أخرى إلى وطنه الجديد القديم. وبين أزقة برلين وشوارعها يسترجع ذكريات شبابه ويشعر بسعادة غامرة.
الكاتبة: بتينه ماركس/وفاق بنكيران
مراجعة: حسن زنيند