رشا حلوة: الأمّهات ملائكة لكنهن بشر أوّلًا
٢١ مارس ٢٠١٨يصادف اليوم، 21 آذار/ مارس، يوم الأمّ في العالم العربيّ، وكلّ منا يشكّل هذا اليوم شيئًا بالنسبة له، لكنه بالتأكيد، هو بمثابة تذكير بسيط لقيمة أمهاتنا في الحياة وتأثيرهن عليها، كما وتحيّة صغيرة لهن، بالطبع لن توفي بحقهن.
ومن جهة أخرى، يأتي هذا اليوم لضرورة الحديث عن أوضاع الأمهات، ظروفهن، حيواتهن، معاناتهن، النابعة والممتدة من كونهن نساء وواقعهن في المجتمعات في عصرنا اليوم، وفي ظلّ ظروف الحياة المتغيّرة.
تقدّس مجتمعاتنا الأمّ، ولكن للأسف، بنسبة كبيرة منه، يكون التقديس شعاراتيّ، كأنه غطاء سهل لعدم الحديث بجديّة عن كيف تبني المجتمعات دور الأمّ، وتجاهل تامّ لظروف تعيشها ومهامّ ملقاة عليها، في كثير من الأحيان أكثر مما يمكن الإنسان أن يتحمّل.
الأمر الإضافيّ، هو تأطير الأمّ ضمن خانات مقدّسة ورمزيّة، تراكم أداء مجتمعيّ بالتعامل معها بعيدًا عن اعتبارها إنسانًا، لها احتياجاتها، أحلامها، طموحاتها وأوجاعها أيضًا، التي تضطر في الغالب إلى كبتها وإخفائها، لأن على الأمّ أن تتحمل وتصبر دومًا وفقًا للبروتوكولات المجتمعيّة، ذاتها التي تدعي تقديس الأمّ.
لا يأتي هذا المقال للتشكيك في عظمة الأمّهات أبدًا، وبالمقابل، من المهم التشديد على أن الأمهات لسنَ ملائكة، هنَ بشرًا، ولأنهن كذلك، ولأننا نعيش داخل منظومات اجتماعيّة، من المهم الحديث عن ظروفهن كأمهات، بما يتعلّق بتربيّة الأطفال، الوقت الذي عليهن تخصيصه للتربيّة مقارنة بالرجال، وعن التقسيم الجندريّ المجتمعيّ لأدوار التربيّة، كما والمسؤوليّة الملقاة عليهن من المجتمعات بتربيّة الأطفال، أليست هي الملامة دومًا بتربيّة "لا تعجب الناس" على سبيل المثال؟
وبالمقابل، قليل جدًا ما تُمدح على دورها "بتربيّة جيّدة" – إنّ صحّ التعبير؟ وذلك لأنها، في ظلّ الهيّمنة المجتمعيّة الأبويّة، فإن "هذا هو دورها"، وعادة، من غير المسموح لها أن تتذمر.
عن هذا تقول باسمة، وهي أيضًا أمّ: "إنّ أكبر تحدي يواجه الأمّ في تربيّة الأبناء، هو عزوف الأب عن دوره التطويريّ في التربيّة، ورؤيته في انحصار دوره في "الحسم". التربيّة ليست فرض قوانين وأنظمة للمنزل، بل عمليّة بناء وتدخلات تربويّة إكلينيكيّة، أيّ العمل على تحفيز نمو آمن ومخطط له لذكاء الطفل المجتمعيّ والعاطفيّ من أجل بناء فرد سوي بدون "إصابات" نفسيّة جذريّة. دور الأب في هذه العمليّة المعقدة، غائب نوعًا ما. حتّى في المجتمع، نجد اللوم في أيّ "فشل تربويّ" يقع على الأمّ. أنا كأم أجد نفسي أتصارع مع ضرورة وضغوطات العمل ومع أهمية الوقت الخاص بكلّ طفل من أطفالي الثلاثة. سيّما وأن ابنتي اقتربت إلى عمر المراهقة ولديها أسئلتها ومخاوفها وتصوراتها، وبدون حديث بيني وبينها وجهًا لوجه، لا يمكن أن أكون مفيدة لها تربويًا. إنّ نموذج التربية بأن تكن مثالًا، هو نموذج متحجر برأيي، ومتبجح بقدرتك على أنّ لا تكون بشرًا".
امتدادًا من تجربة باسمة، وبالإضافة إلى الحديث عن المبنى الجندريّ لدور الوالديْن في التربيّة، من المهم الإشارة إلى ظروف العمل وما تطلبه الحياة اليوم منهما، فسوق العمل أيضًا يتطلب من الوالديْن قضاء ساعات أطوّل في العمل على حساب قضاء وقت قيّم مع الأبناء والبنات.
عن هذا تقول ياسمين، وهي أمّ أيضًا: "سوق العمل يتطلب أيضًا مجهودًا ذاتيًا أكبر لإثبات أنفسنا والحفاظ على أماكن عملنا في ظلّ منافسة متزايدة، مما يعني، قضاء وقت أقل مع الأبناء وشعور متواصل بالذنب والتقصير. الأمر الثاني هو أن هنالك وعي عامّ بأن التربيّة تُشكّل الإنسان، وهذا جيّد، وأصبح الأهل يهتمون بقضاء وقت مع أطفالهم والتعبير عن الحبّ".
حقيقة أنّ أمهاتنا تقضي أوقات في التربيّة وفي انشغالات البيت أضعاف أي وظيفة كاملة في العمل، كلنا نعرفها، شاهدناها ونشاهدها، الأمهات منّا يعرفنها جيدًا، وعلى الرّغم من أن هذه الوظائف لا تُقارن بأي عمل آخر، لأنها في غالبيتها تُصنع من حبّ، لكن، الفكرة الموجعة تكمن ربما بأن للكثير منا هذا هو المفهوم ضمنًا، كما وأن نادرًا ما نسمع أمهات تتذمر من هذه الأدوار والمسؤوليات التي نُسجت لها، في حديث مع سلوى، وهي أمّ أيضًا، تقول: "يجب عليك الإثبات دومًا للمجتمع بأنك أمّ صالحة، الكل يراقب تربيتك كأمّ، كأن لا من ثقة لدى المجتمعات بقدراتك على التربيّة. وبنفس الوقت، نزع عنك صفاتك الإنسانيّة، لا يمكن أن تتعبي ولا تحزني، يجب دومًا أن تكوني قويّة وجيّدة، للحفاظ على الصورة التي يريدونها لك، بلا تذمر".
من المهم الإشارة والتأكيد، إلى أن النماذج أعلاه هي مدخل لواقع عامّ مألوف لنا بشكل ما، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وهي ليست ذمًا بحق أحد، إنّما نظرة إلى ما رُسم للأمهات من أدوار وأُلقى على عاتقهن من مسؤوليّات، وضرورة التمعن بهذا الواقع بعيون نقديّة. كما وأنّه بالطبع، هنالك حالات مختلفة، والأمر لا يتعلّق دومًا بالوالديْن أنفسهما وقرارهما بأساليب التربيّة، إنّما بالمجتمع المحيط، الذي قسّم الأدوار الجندريّة للتربيّة وأعمال البيت بشكل غير متساوٍ وغير عادل بين الأمهات والآباء، امتدادًا لكل التمييز الذي تعيشه المرأة، واعتقادنا جميعًا بأنه هذا هو الواقع، وهذه هي شكل الحياة، لأننا لا نسمع غالبًا شكاوي الأمهات، ولا تذمرهن، كما أن هنالك تركيبات ذاتيّة أيضًا، نخلقها النساء لأنفسنا لأننا جزءًا من مجتمعاتنا، مثل عدم السماح لأنفسنا بالتذمر، مع الكثير من الشعور بالذنب، وهذا شرعيّ وحقيقيّ. لست أمًا، وصدقًا، لا أعرف كيف تشعر الأمّهات، لكني أعرف على الأقل بأن شعوب تردد جملة "الجنة تحت أقدام الأمهات"، وهذا صحيح، يجب أن تعتبر الأم إنسانًا قبل كلّ شيء، وهذا يأتي فقط من التربيّة أوّلًا.
رشا حلوة
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.