رشا حلوة: هل من توعية كافية بأهمية تحديات الصحة وحمايتها؟
١٠ أبريل ٢٠١٩من الأمثال الشعبية الأولى التي تعلمناها: "درهم وقاية خير من قنطار علاج"، وإن كان معنى المثل ليس في عباراته المباشرة، أي بالإمكان إطلاقه مجازًا على أي موقف يحتاج الوقاية/ الحماية المسبقة قبل التعرض للخطر، إلا أنه يمكننا أيضًا التعامل معه مباشرة فيما يتعلّق بالرعاية الصحّية للحماية من الأمراض التي تزداد تنوعا في العالم اليوم.
يخصص السابع من نيسان/ أبريل من كل عام ليوم الصحة العالمي، والذي دعت إليه جمعية الصحة العالمية في العام 1948، حيث يتم التركيز كل عامّ على أحد المجالات التي تثير القلق وتحظى باهتمام منظمة الصحة العالمية. وفي هذا العام، اختارت المنظمة أن يخصص اليوم للتغطية الصحية الشاملة؛ فإن: "العامل الأساسي في تحقيق الصحة الشاملة هو حصول الجميع على الرعاية التي يحتاجون إليها، عندما يحتاجون إليها، بحيث تقدّم إليهم في المكان نفسه الذي يعيشون فيه".
إن الرعاية الصحية مرتبطة أوّلًا بمسؤولية الحكومات والدول إزاء مواطنيها، حيث عليها توفير منظومات توعية ورعاية صحية، وعلى رغم من إنجازات عديدة تحققت على مستوى مؤشرات الصحة في الدول العربية، إلا أن الأنظمة الصحية ما زالت تعاني من مشاكل بنيوية وكذلك تحديات عديدة تعرقل الوصول إلى تغطية صحية شاملة للناس.
بالضرورة فإن هذا الشكل من المنظومات، من إهمال وعدم تخصيص ميزانيات كافية للصحة المتجسّد في المرافق الصحية كما التوعية العامّة، يؤثر على الموروث المجتمعي للمواطنين إزاء صحّتهم، أضف إلى ذلك الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمرّ بها المنطقة، وتأثيرها على الصحّة من جهة، وعلى أولويات المواطنين/ات بالتعامل مع صحّتهم من جهة أخرى. فيُطرح السؤال: هل من أهمية نمنحها لصحّتنا؟ وهل من توعية كافية إزاء أهمية الصحّة؟
في حديثنا عن الصحّة والأمراض، يجدر الذكر بأن هنالك أمراض يُصاب بها البشر بصرف النظر عن كون التوعية الصحّية تشكّل حيزًا مهمًا في حيواتهم، أي أن هنالك أمراضا وراثية وكذلك متعلقة بالأوضاع العامّة في مناطق الصراع على سبيل المثال، بإمكانها أن تصيب الفرد حتى لو عاش نمطً حياة صحي. ففي حديثنا عن التوعية الصحية، نتطرق تحديدًا إلى الأمراض التي يمكن للمرء تداركها من خلال سلوكيات وأنماط حياة مسبقة، قبل أن يكون الوقت متأخرًا، أي ما يُسمى بالأمراض غير السارية، بحيث "تشير بعض الدراسات إلى أن المؤشرات الحيوية للشباب العربي تشابه مثيلاتها عند كبار السن في الدول الغربية".
في حديث مع إيناس فؤاد، مستشارة في مجال الصحّة العامّة وتعمل في "هيئة إنقاذ الطفولة" في مصر، قالت: "النقد فيما يتعلق بالتوعية الصحية مرتبط أيضًا بالسؤال هل الدولة توفّر الأكل الصحّي على سبيل المثال؟ واذا كان ثمن الأكل الصحّي غاليًا، فكيف يمكن لعائلة من طبقة فقيرة أن توفّره؟ المشكلة ليست فقط في السلوكيات، إنما في غياب القنوات التي تساعدك على اتخاذ القرار الصحي، وهنا تأتي التوعية كي تساعد في البحث عن بدائل. الضغط على الناس لممارسة نمط حياة صحّي في وجود منظومة أقوى منها غير مبنية على استيعاب أنماط حياة صحية، الشوارع غير مؤهلة للرياضة مثلًا، فهذا صعب جدًا".
ترى إيمان أيضًا، أن هنالك أنواع أمراض أخرى تحصل بسبب الجهل الصحي، وهي أغلبها أمراض معدية، مثل الأمراض الجنسية وتلك المنقولة عن طريق الدم، وهذه أمراض متعلقة جدًا بالتوعية. وتضيف: "لا يجب أن تقتصر التوعية على المنظمات الأهلية والإعلام، إنما عليها أن تحضر في التربية والتعليم، وهذا بالطبع غير موجود في المدارس الحكومية لعدد كبير من الدول العربية. فالصحّة تحتاج إلى بناء منظومة كاملة للتوعية والرعاية، منظومة قادرة على اتخاذ القرارات الصحيحة وفقًا لواقع المكان وخصوصياته".
إن سلوكياتنا تجاه صحّتنا ونمط حياتنا الجسدي مرتبطة أيضًا بما نستقبله من المحيط القريب، وبالتالي فهي حلقات متشابكة، بدءًا من البيت مرورًا بالمدرسة، إلخ.. كما أن الإدراك الذاتي بأن هنالك ما يمكن حمايته من العطب، في حديثنا عن الصحّة، هو وارد إلى حدٍ ما.
في حديث مع سلمى كيخيا، وهي طبيبة وباحثة في مجال الصحّة العامّة، مقيمة في أوروبا، قالت: "الأزمة هي في غياب المعلومات حول الصحة في بلادنا، هنالك تفاوت بالمعرفة الصحية، وذلك يعود لأن التوعية الصحية غير حاضرة في مناهج التدريس. حتى على مستوى الدراسة الجامعية، فعندما كنا ندرس الطبّ، واصل بعض الزملاء التدخين، فحتى عندما نحصل على المعلومة الصحية لا نُدخلها إلى نمط حياتنا. وهذه السلوكيات بمعظمها تأتي من البيت والتربية، لهذا السبب هنالك تحديات كثيرة في أوروبا للتعامل مع المهاجرين، حيث أن أوروبا تستثمر ميزانيات عديدة للتوعية الصحية في المدارس حول الأمراض المتعلقة بنمط الحياة، لأنها تعرف بأن هذا مكلف أقل من العناية بمريض سكري في المستشفى في المستقبل على سبيل المثال".
هنالك عوامل كثيرة تؤثر على غياب المعرفة الصحيحة تجاه الصحّة العامّة، ترى سلمى أيضًا أن البعض يتعامل مع الصحّة كمسألة قدرية، بمعنى "قضاء وقدر". وتضيف: "كما أن موروثنا هو جمعي وليس فردي، بمعنى، نجد العقلية التي تفيد بأنه لا بأس من إهمال النفس مقابل الاعتناء بالآخرين، لأنني عندما أكبر سأجد أولادي يعتنون بي. وتحضر هذه العقلية عند النساء بشكل خاص، النابعة من التربية الجندرية التي تحمّل النساء مسؤولية الاعتناء بكل شيء عدا عن نفسها".
إن التوعية بأهمية الصحّة وكيفية خلق نمط حياة على غرار "درهم وقاية"، لا يمكنه أن يقع على عاتق الفرد/ المواطن وحده. بل يحتاج إلى بناء استراتيجيات تجمع تحت مظلتها كافة الجهات التي من مسؤوليتها خلق بيئة توفّر معلومات صحّية صحيحة، وتضع صحّة الإنسان، والإنسان بصفة عامة، على سُلم أولوياتها.
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW