زلزل تركيا وسوريا.. كيف يتم حساب خسائر الكوارث الطبيعية؟
٢٧ فبراير ٢٠٢٣قدر اتحاد الشركات والأعمال في تركيا تكلفة الزلزال الذي ضرب شرق البلاد وجنوبها بأكثر من 84 مليار دولار (80 مليار يورو) أي ما يشكل حوالي 10 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد.
وبحسب بيان الاتحاد، فإن الزلزال تسبب في دمار أبنية سكنية بحوالي 70.8 مليار دولار إلى جانب 10.4 مليار دولار في صورة خسارة في الدخل القومي، فيما كلفت الخسائر في القوى العاملة اقتصاد تركيا 2.9 مليار دولار. وفي سياق متصل، قالت شركة "فيريسك" الأمريكية الخاصة بتحليل البيانات إن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الزلزال تُقدر بـ 20 مليار دولار ، لكن الخبراء يرون أن عملية تقييم الأضرار الناجمة عن الزلزال في سوريا سوف تستغرق وقتا أطول.
التقرير التالي لـ DW يرصد كيفية إجراء التقديرات الخاصة بخسائر الزلازل وسبب تباينها للوقوف على تداعيات الكارثة في سوريا وتركيا.
الخسائر البشرية؟
في مقابلة مع DW قالت ميلاني جال العاملة في جامعة آريزونا مبجال قاعدة بيانات خسائر المخاطر والكوارث، إن هناك طريقتان لحساب الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الكوارث، تتمثل الأولى في حساب الآثار المباشرة التي تتسبب بها الكارثة على الفور مثل الأضرار التي لحقت بالمنازل والإصابات بين صفوف السكان، مضيفة أن هذا التقييم المباشر يتم من قبل عناصر متخصصة تستعين بها شركات التأمين.
وبالنسبة للثانية فإن الأمر يتعلق بحساب الخسائر غير المباشرة للكوارث مثل الخسائر الناجمة عن وقف الأنشطة التجارية ومعاناة السكان من اضطرابات ما بعد الصدمة، مضيفة أن تقدير هذه الخسائر يتم من خلال تحليل النماذج الاقتصادية.
وأضافت انه "بالنسبة لمعظم الأحداث، فإن غالبية التقديرات تكون تقريبية ". وهنا يشار إلى أن شركات التأمين تقوم بالتقديرات الأولية التي تركز على الأضرار التي لحقت بالممتلكات حيث تقوم هذه الشركات بإعداد تقديراتها استنادا على الخسائر التي سوف تقوم بتغطيتها ثم بعد ذلك تقوم باستنتاج الخسائر الأخرى المتعلقة بالممتلكات غير المؤمن عليها.
ويعد أدم روز، الزميل البارز في مركز المخاطر والتحليل الاقتصادي للتهديدات وحالات الطوارئ في جامعة جنوب كاليفورنيا، من بين الخبراء الذين يقومون بتقييم الخسائر الناجمة عن الكوارث حيث يقود فريقا قام بتطوير برنامج أطلق عليه اسم " أداة تحليل العواقب الاقتصادية". وفي مقابلة مع DW، قال: "لا يمكن تحديد التقديرات الدقيقة للخسائر الناجمة عن كارثة إلا بعد إجراء دراسة دقيقة تستغرق شهورا أو سنوات".
وتتم الاستعانة بالبرنامج الذي قام فريق روز بتطويره في حالة توافر بعض المعلومات الأساسية عن الحجم الأولي للكارثة والتقديرات التقريبية. وقال "إن القضية هنا تتعلق بتقييم حياة الإنسان التي تتضمن عادة جزءا كبيرا يتعلق بمكاسب الشخص وأرباحه، وتعد هذه أقل في البلدان النامية مثل تركيا لذلك يصبح ترجمة الإصابات البشرية إلى حسابات مالية في بعض الأحيان مشكلة في هذا الإطار".
وأشار إلى أن الخسائر في الإطار المذكور تتعلق بوقف الأنشطة التجارية وانخفاض النشاط الاقتصادي من حيث الإيرادات المفقودة، أو الأجور والأرباح المفقودة، فضلا عن الدخل الشخصي والتوظيف على مستوى الاقتصاد الكلي، مضيفا " أن هذا التصنيف لا يشمل حالة البؤس التي تصيب الأفراد الذين يعانون من انقطاع الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والوقود".
بدوره، قال جون باتمان، مسؤول الشؤون العامة في المكتب الوطني لخدمات الأقمار الصناعية والبيانات والمعلومات البيئية بالولايات المتحدة، إن العديد من التكاليف لا يتم احتسابها ببساطة بما يشمل الخسائر في رأس المال الطبيعي أو الخسائر البيئية والخسائر المتعلقة بتكاليف الرعاية الصحية العقلية أو البدنية والخسائر الناجمة عن تعطل سلاسل التوريد. وفي مقابلة مع DW، أضاف "يمكن القول بأن تقديراتنا للخسائر الناجمة عن الكوارث تُعد متحفظة حيال الخسائر الحقيقية."
ما مدى دقة التقديرات بشأن الخسائر؟
وقال روز إن التقديرات الأولى لتكلفة الكارثة تتم خلال أيام قليلة من وقوع الكارثة، فيما يتم تحديثها مع توافر البيانات بمرور الوقت، مضيفا: "غالبا لا تذكر التقديرات الأولية الخسائر الناجمة عن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية مثل الطرق والجسور والمرافق".
لكن هناك طريقة يمكن للمحللين الاعتماد عليها لتقدير هذه الخسائر عن طريق الاستعانة بصور الأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع من خلال عملية مراقبة ورصد الكرة الأرضية.
وقال روز إن هناك ثلاث عوامل أخرى يتعين وضعها في الحسبان في هذا الصدد، مشيرا إلى أن العامل الأول يتمثل في حساب الخسائر الناجمة عن تعطل سلاسل التوريد إذ أدت الزلازل التي ضربت تايوان في الماضي إلى تدمير مصانع أشباه الموصلات مما عطل إنتاج الإلكترونيات في الولايات المتحدة وأماكن أخرى.
وأضاف أن العامل الثاني يتعلق بمدى سرعة وفعالية الشركات في الوقوف على أقدامها بعد وقوع الكارثة من خلال الاعتماد على استراتيجيات مثل نقل أو استهلاك كميات أقل من المياه والوقود وهو الأمر الذي يسميه خبراء الكوارث بـ "المرونة" في الاستجابة للكوارث.
وقال إن العامل الثالث يتعلق بالخسائر والأضرار البشرية مثل التشرد أو عمليات الإجلاء بموجب قرارات السلطات وهو الأمر الذي سوف يؤثر على العمالة والتوظيف بشكل يؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض الطلب على السلع والخدمات في المنطقة المنكوبة.
معاناة الفقراء أكثر
وقال روز إن التقديرات الخاصة بالخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية غالبا ما يتم "التقليل من شأنها أو المبالغة في تقديرها لأهداف سياسية. يشك البعض في أن تقدير هذه الخسائر جرى المبالغة فيه من أجل الحصول على مزيد من المساعدات والتعويضات، فيما يشك البعض الآخر في أن الحكومات تقلل من الخسائر لتجنب تعرضها للإحراج خاصة عندما يكون هناك سوء في الإدارة".
وقد ذكرت شركة "سويس ري" السويسرية التي تعد ثاني أكبر شركة لإعادة التأمين في العالم، أن الآثار الإنمائية طويلة الأجل للكوارث تعتمد عادة على الخسائر الثانوية وغير المباشرة الناجمة عن الخسائر المباشرة للكوارث، وهو الأمر المرتبط بدوره في قدرة البلاد الاقتصادية على استيعاب الخسائر جراء الكوارث الطبيعية.
وكشفت الأبحاث التي أجريت على مدار الثلاثين عاما الماضية عن أن الفقراء هم الفئات التي تتكبد خسائر أكبر حيث تعيش المجتمعات الفقيرة في مناطق معرضة للخطر في ضوء ضعف تدابير الحد من المخاطر بها ما يعني أن الفقر يعد سببا وأحد عواقب المخاطر الكارثية في الوقف نفسه.
وقد ذكر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن نظام الحكم الضعيف وتزايد الفقر وفقدان التنوع البيولوجي وانهيار النظم البيئية والتحضر السريع غير المخطط له " كلها عوامل مترابطة تؤدي إلى مخاطر الكوارث".
وأضاف في اليوم الدولي للحد من مخاطر الكوارث أواخر عام 2021: "تؤدي النظم الصحية والبنية التحتية الضعيفة إلى جعل تلك الدول أكثر عرضة للخطر.. عقود من مكاسب التنمية يمكن القضاء عليها في لحظة".
جو هاربر / م. ع