سباق الأقمار الصناعية "العربي".. ما السر؟
٢٠ نوفمبر ٢٠١٨سباق من نوع جديد دخلته الدول العربية مؤخرا.. التنافس العربي في مجال تقنيات وعلوم الفضاء بدا واضحاً مع إطلاق عدة دول عربية لأقمار اصطناعية لأغراض مختلفة وفي وقت متزامن. عشرات الهيئات ومعاهد الأبحاث العربية تعمل بشكل متسارع على تطوير قدرات بلادها في هذا المجال. بدأ الأمر باستيراد كامل للتقنية من أوروبا والولايات المتحدة، واليوم تقترب دول عربية من تصنيع أجزاء هامة وحساسة في أقمارها الاصطناعية بنفسها.
وعلى الرغم من دخول الدول العربية إلى هذا المجال في وقت متأخر نسيبا - أواخر ثمانينيات القرن المنصرم- إلا أن الكثير منها، خاصة الإمارات ومصر والسعودية والمغرب، قطعت أشواطاً كبيرة في اكتساب خبرات متميزة في هذا المجال. على أن هناك العديد من الأسئلة التي تقفز إلى الذهن مع متابعة هذا الكم من الأقمار الاصطناعية العربية التي تطلق بين الحين والآخر.
غياب للتعاون العربي
رغم التطور الكبير، الذي شهده مجال علوم الفضاء في عدد من الدول العربية خصوصاً في دولة الإمارات، إلا أن الدكتور أشرف تادرس، رئيس قسم الفلك بالمعهد القومى المصري للبحوث الفلكية، يرى أن "هناك غياباً للتعاون والتنسيق العربي في هذا المجال؛ ما يبدو معه أن كل دولة عربية تعمل بشكل منفرد إلى حد كبير".
ويضيف عالم الفلك المصري في مقابلة له مع DW عربية قائلاً إن "هذا المجال شديد التكلفة والدول العربية ليست لديها إمكانيات مالية بقدر الدول العظمى التي تنفق المليارات في هذا الإطار. وعلى الرغم من أن العالم العربي يحفل بكوادر شديدة التميز في هذا المجال وأغلبهم يعلمون في الخارج، ولكن ولأن الدول العربية في أغلبها دول نامية وليست ذات قدرات اقتصادية كبيرة فهي لا تستطيع مواكبة التطور العلمي الهائل في هذا المجال. إذ ليس لدينا قواعد إطلاق ولا صواريخ في الدول العربية ورغم ذلك فهي تحاول بقدر استطاعتها اللحاق بالركب".
تفاخر بين الدول
ومع تصاعد معدلات الفقر في العالم العربي وتدهور مستوى التعليم تصاعدت أصوات بتوجيه النفقات نحو الصحة والتعليم والبنية التحتية التي يستفيد منها المواطن بشكل مباشر وتقليل النفقات في نواح أخرى.
ويتفق مع هذا الرأي اللواء طيار الأردني مأمون أبو نوار، الخبير العسكري والمحلل الاستراتيجي، والذي يرى أنه على الرغم من الأهمية الكبيرة لتقنيات الاقمار الاصطناعية خاصة في النواحي العسكرية إلا أن حجم الإنفاق الهائل في هذا المجال كان من الأولى توجيهه إلى قطاعات أخرى أكثر تماساً مع حاجة المواطن العربي.
لكن من ناحية أخرى يرى اللواء أبو نوار في مقابلته مع DW عربية أنه يجب عمل توازن في هذا السياق، "فالعرب جاؤوا متأخرين إلى هذا المجال وعليهم العمل للحاق بركب التطور في هذا القطاع شديد الأهمية حتى لا تحدث فجوة علمية لنجد العالم قد سبقنا بمراحل لا نستطيع اللحاق بها".
ويضيف بأن "هناك تسابقا بين الدول العربية يبدو أنه ليس سباقاً لتعظيم الاستفادة العلمية من هذه التقنيات الحديثة وإنما الظاهر هو أنه تنافس بين الدول على الوجاهة أو للتفاخر فيما بينهم".
أضرار .. ومنافع
ويرى أبو نوار أن الأقمار الاصطناعية، وخصوصاً العسكري منها "غالباً ما تكون شديد التكلفة وتحتاج إلى تأمين مضاعف لمنع اختراقها وإفساد عملها، وهي مسائل تكاد تدخل في إطار إعلان الحروب بين الدول، وهي جزء من الحرب الإلكترونية يدخل فيها السيطرة على مسارات الطائرات وتوجيه المدفعية والصواريخ الموجهة بالليزر بل والتنصت على الاتصالات . لذا فكما للأمر مميزات فهو يحتوي على جانب من الخطورة يجب معها التزام أقصى معايير التأمين".
تخمة إعلامية
يحفل المشهد العربي بالمئات من المحطات الفضائية في كافة المجالات، ما يصعب معه متابعة كل هذا الكم الهائل من وسائل الإعلام. بل يتخوف البعض من أن يكون لدى بعض الدول أهداف سياسية من وراء إطلاق الأقمار الاصطناعية بما تحويه من فضائيات ومحطات إذاعية تحمل رسائل سياسية معينة.
وفي مقابلته مع DW عربية، يقول ياسر عبد العزيز الخبير الإعلامي المصري إن "التسابق على إطلاق أقمار عربية يبرز فيه العامل السياسي أكثر ما يظهر العامل التقني، بمعنى قدرة الدولة على السيطرة على مجالها الإتصالي من جانب وبث رسائل إعلامية معينة إلى الخارج من جانب آخر". ويرى عبد العزيز أن القمر الاصطناعي هو "أكبر من مجرد حامل لقنوات فضائية ومحطات إذاعية، بل هو آلية حيوية لتعزيز السيادة الوطنية على المجال الاتصالي والقدرة على بث الرسائل للخارج من جانب آخر بما يحمله من عناصر القوة الناعمة".
المحطات الفضائية ..الغث أكثر من السمين
ويشير الخبير الإعلامي المصري إلى أن "الجمهور العربي لديه الآن أكثر من 2000 قناة تصله عبر الأقمار الاصطناعية الرئيسية: عرب سات ونايل سات وسهيل سات، والثانوية مثل: نور سات وغولف سات مع تقاطعات مع أقمار أخرى كالقمر الأوروبي واليوتيل سات وغيرها. وهذا العدد أكبر من طاقة استيعاب وحاجة جمهور المنطقة وأتصور أن الغث فيه أكثر من السمين".
لكنه من جهة أخرى يرى أن "حرية البث مبدأ رئيسي وكذا حرية التعبير عن الرأي و أن التعدد يقوم الانحياز، وفي الوقت الذي قد يسبب فيه كثرة منصات تلقي المعلومات نوع من التخمة المعلوماتية لكنه في الوقت نفسه يقضي على مشكلة fake news أو المعلومات المضللة".
ويضيف الخبير الخبير الإعلامي المصري قائلاً إن "ما نراه اليوم حقيقة هو أكثر من التعددية والإشكال الأخطر يكمن في تداعي قدرات التلقي لدي القطاعات الغالبة من الجمهور العربي بسبب نقص التربية الإعلامية أو media literacy مع تراجع الوعي وانخفاض المستوى الاقتصادي والتعليمي وهذا الأمر هو مصدر الخطر الحقيقي بالتعرض لرسائل ضارة نتيجة تعدد منصات البث الفضائي".
عماد حسن