ستة نزاعات ترك دونالد ترامب بصمته عليها
٢٩ أكتوبر ٢٠٢٠كوريا الشمالية: ثلاثة لقاءات .. وبعدها؟
خلال نقله مقاليد الحكم لدونالد ترامب سلط الرئيس السابق باراك أوباما الضوء على نزاع قال إنه حساس بشكل خاص هو كوريا الشمالية وبرنامجها النووي. وبالفعل ظلت السنتان الأوليان من فترة حكم ترامب مطبوعة بالأخذ والرد مع الرئيس كيم جونغ أون الذي شهّر به مرة بأنه "رجل الصواريخ الصغير" ومرة أخرى يبدي إعجابه بـ"الرسائل الجميلة" من الدكتاتور. ولقاءات شخصية لرجلي الدولة غذت الآمال في حصول انفراج، لكن في الأثناء واضح أن كوريا الشمالية متمسكة ببرنامجها النووي.
"أعتقد أن ترامب قلل كليا من شأن لعبة المراوغة لخصمه"، يقول روديغر لينتس من معهد Aspen-Institut-Germany. "لقد علق الآمال على حصول نجاح سريع، لكنه لم يحصل عليه". وبالرغم من ذلك حصل تحت ترامب تطور في العلاقات الأمريكية الكورية الشمالية: "أعتقد أنهم توصلوا إلى نوع من التفاهم"، يقول لينتس، الذي ظل حتى 2009 مدير مكتب واشنطن التابع لدويتشه فيله، ويضيف: "قنوات الحوار مفتوحة ويمكن مواصلة استخدامها".
الصين: نزاع حول التجارة عوض حقوق الانسان
صعدت الصين في السنوات الماضية بشكل نهائي لتصبح قوة عظمى. والولايات المتحدة الأمريكية تجمعها نزاعات مع الجمهورية الشعبية على عدة مستويات، فكلاهما عملا على تقوية وجودهما العسكري في بحر الصين الجنوبي. واستراتيجية ترامب الاقتصادية الرامية إلى تقليص العجز التجاري بضرائب خاصة على البضائع الصينية قادت إلى تصعيد في العقوبات الجمركية من كلا الطرفين. وعلى هذا المستوى ماتزال الصين تبحث عن الحل الوسط مع ترامب، كما يعتقد لينتس: "هم لم يهاجموه بتلك القوة الهائلة، بل تحركوا في اتجاهه". ومع الانفراج السريع للاقتصاد الصيني بعد الانهيار الذي تسبب فيه فيروس كورونا، فإن بكين ماتزال في موقع متقدم. "موقف ترامب أضعف مما كان عليه قبل عام"، يقول روديغر لينتس.
ويبدو أن النضال من أجل حقوق الإنسان ليس من أولويات سياسة ترامب تجاه الصين، فحسب المستشار الأمني السابق جون بولتون لم يكن لدى ترامب في حواره مع الرئيس الصيني تحفظات ضد بناء معسكرات اعتقال في مقاطعة شينجيانغ الإيغورية.
أفغانستان: صفقة من أجل الانسحاب
في لحظة ما بدا وكأن أفغانستان من خلال ترامب تقترب شيئا من السلام: في فبراير/ شباط أبرمت حركة طالبان الإسلامية اتفاقية مع الولايات المتحدة يمكن تلخيصها في تقليل العنف أمام انسحاب القوات الأمريكية. وفي الأثناء تتفاوض طالبان مباشرة مع الحكومة الافغانية، ودونالد ترامب ينشر الأمل بين جنوده بأنه بإمكانهم العودة إلى ديارهم في عطلة نهاية السنة الميلادية ـ وعلى الرغم من ذلك فإن الوضع الأمني في أفغانستان هش أكثر من أي وقت مضى.
"لم يحصل على شيء ـ سوى ذريعة لسحب الوحدات الأمريكية"، يوضح روديغر لينتس باختصار. وإذا ما حصل فعلا ذلك، فإنه سيشكل مشكلة جدية بالنسبة إلى الحلفاء في الناتو: "ستكون بداية النهاية وانسحاب جميع الآخرين". والنتيجة ستكون ظهور اضطرابات جديدة في كافة المنطقة وربما هيمنة لطالبان بانعكاسات لا يمكن التنبأ بها على مستقبل أفغانستان.
سوريا: ليس إلا الانسحاب
" لم أعد أريد البقاء للأبد في سوريا، إنها رمال، وهي موت"، هذا ما قاله ترامب مطلع عام 2019. وبعد شهور أصدر الأمر بالتخلي عن المواقع الأمريكية في شمال سوريا. وبسرعة تقدمت وحدات تركية وروسية لشغل تلك المواقع. وتحرك الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا تسبب في حصول انقسام بين الرئيس ترامب وقوى أخرى في الإدارة الأمريكية، كما يقول جوليان بارنيس داسي، خبير الشرق الأوسط لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. "موقف استراتيجي قوي للولايات المتحدة الأمريكية في سوريا تم إضعافه بقوة من خلال هذه النزاعات الداخلية وتطلع ترامب للانسحاب من سوريا"، يقول بارنيس داسي.
والانسحاب الأمريكي ساعد روسيا، حسب تقدير روديغر لينتس، على وجه الخصوص لتقوية موقفها في المنطقة. وهذا تطور مثير، لأنه لم يحصل في السابق أن ساعدت الولايات المتحدة روسيا في الحصول على مجال مفتوح. وهذا قد يتغير في حال ما فاز منافس ترامب جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. "سينهج أسلوبا أقوى بمساندة الديمقراطيين ضد موسكو"، كما يعتقد لينتس.
ايران: التخلي عن الاتفاقية النووية
من وجهة نظر حكومة أوباما لم تكن إيران موضوعا طارئا بالنسبة إلى ترامب، فالجمهورية الإسلامية كانت قد وقعت للتو اتفاقية لإنهاء برنامجها النووي حتى حين، ومع ذلك، شعر ترامب أن الاتفاقية كانت متساهلة للغاية وقاد انسحاب الولايات المتحدة إضافة إلى استئناف عقوبات صارمة. وعلى هذا النحو كان يسعى لفرض اتفاقية جديدة مضرة بإيران.
والقتل المستهدف للجنرال الإيراني قاسم سليماني من قبل الجيش الأمريكي مطلع هذه السنة بالقرب من بغداد كاد يفجر الوضع. "لا أعتقد بأننا كنا أمام حرب جديدة ـ لكن أمام ضربة عسكرية محدودة خطط لها الرئيس ترامب"، كما يقول العارف بالشؤون الأمريكية، لينتس. وجوليان بارنيس داسي ينطلق من أن كلا الطرفين ليس لهما اهتمام حقيقي بخوض حرب.
الشرق الأوسط: انطلاقة جديدة لصالح إسرائيل
وفيما يخص عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين اقتصر الأمر على إعلانات فقط في فترة حكم ترامب. وفي آن واحد رجح الرئيس الكفة لصالح إسرائيل، مثلا عندما أمر بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وقبل بسياسة الاستيطان التي ينهجها رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، والمخالفة للقانون الدولي.
وعندما ظهر للعيان في يناير مخطط السلام الذي وضعه صهر ترامب، جاريد كوشنير، ظهر أولا الكثير من الرفض من قبل جيران إسرائيل. ومنذ تلك اللحظة عملت الحكومة الأمريكية على تقوية موقف إسرائيل في العالم العربي. "عبر وساطة ترامب قامت الإمارات العربية المتحدة والبحرين بتطبيع العلاقات مع إسرائيل والسودان قد يتبع. وهذه الاتفاقيات تم التفاوض عليها من خلف ظهور الفلسطينيين"، كما يقول المحلل بارنيس داسي.
وترامب ادعى عدة مرات أن العربية السعودية تقف أيضا على عتبة الاعتراف بإسرائيل. والمملكة استفادت كثيرا من الصلة الوثيقة مع ترامب. "أعتقد أن الدعم الكامل من قبل ترامب ساعد النظام السعودي في تجاوز الأزمة عقب اغتيال جمال خاشقجي"، كما قال لينتس. وهذا يجلب معه تبعية بحيث أن الرياض ستقلق على موقع سلطتها في المنطقة في حال فاز بايدن في الانتخابات.
وإسرائيل استفادت أكثر من ترامب ـ لكن يمكن تحمل فوز لبايدن، كما يعتقد جوليان بارنيس داسي، "حتى ولو تسلم بايدن السلطة، فإن واشنطن وحكومة ديمقراطية جديدة لن تتراجع في بعض الخطوات التي سار فيها ترامب".
ديفيد إيل/ م.أ.م