"سي ووتش 4" سفينة جديدة لإنقاذ المهاجرين في المتوسط
١١ أغسطس ٢٠٢٠تحت أشعة شمس اسبانيا يلمع طلاؤها الأزرق، وعلى متنها حُملت قوارب الإنقاذ المطاطية الصغيرة، ترسو سفينة "سي واتش4" في ميناء بوريانا الاسباني. بعد إنهاء عملية صيانتها وتجهيزها بعد تحويلهامن سفنية أبحاث إلى سفينة إنقاذ ستمخر عباب البحر باتجاه سواحل ليبيا وتبدأ عملها في إنقاذ المهاجرين خلال شهر آب/ أغسطس الجاري.
سفينة "سي واتش 4" هي مبادرة أطلقتها الكنيسة البروتستانتية في ألمانيا لإنقاذ اللاجئين الذين يواجهون أزمات في عرض البحر المتوسط. المبادرة لاقت الكثير من التشجيع، ولكنها تثير الكثير من الانتقادات في الوقت نفسه. رغم أنه المشرف عليها، إلا أن رئيس مجلس الكنيسة البروتستانتنية (الإنجيلية) في ألمانيا، هاينريش بيدفورد-ستروم لن يكون على متن السفينة، التي لفتت الكثير من الانتباه إليها. ويؤكد الأسقف أنه لم يسبق له قط تلقى ردود فعل إيجابية كثيرة مثل التي تلقاها عن هذه المبادرة: "إنقاذ حياة أي شخص كان يستحق الجهد المبذول".
أعلنت منظمتا "أطباء بلا حدود" و"سي ووتش" غير الحكوميتين أن عمليات إنقاذ المهاجرين ستستأنف في آب/أغسطس في البحر المتوسط حيث لا تقوم أي سفينة إنسانية بنشاطات إغاثية في حين يزداد عدد المهاجرين الفارين من ليبيا وتونس. وستتحالف المنظمتان في هذه العمليات وشكلتا فريقا سيبحر على متن السفينة الجديدة هي "سي ووتش 4". وصرحت حسيبة حج صحراوي المكلفة القضايا الإنسانية في "أطباء بلا حدود" لفرانس برس "نأمل في التمكن من الإبحار من إسبانيا في العاشر من الشهر الجاري أو منتصف الشهر". وستؤمن أطباء بلا حدود فريقا طبيا لمواكبة الطاقم الذي شكلته "سي ووتش". وذكرت بأن المهمة "ضرورية لأنه حاليا لا سفن تابعة لمنظمات غير حكومية في البحر".
و"سي ووتش" معروفة لمناورة الربانة السابقة ل"سي ووتش 3" كارولا راكيته التي رست بالقوة في حزيران/ يونيو 2019 في جزيرة لامبيدوزا لإنزال 40 مهاجرارغم منع السلطات الإيطالية. وأعلنت صحراوي أن مثل هذا القرار "يعود دائما للربان وحده" ومثل هذا السيناريو "غير مستبعد" على متن "سي ووتش 4".
وبدوره أعلن فيليب هان المسؤول عن مهمة "سي ووتش 4" في بيان مشترك مع أطباء بلا حدود "ورغم كل الجهود لمنعنا لن نوقف عمليات الإغاثة". والسفينة الجديدة التي تم شراؤها بفضل الدعم المالي لتحالف أسسته الكنيسة البروتستانتية الألمانية هي "الرد القاطع للمجتمع المدني على السياسة العنصرية للاتحاد الأوروبي الذي يفضل أن يترك أشخاص يموتون غرقا على السماح لهم ببلوغ السواحل الأوروبية"، حسب هان.
أخطر طرق الهجرة
ويعتبر البحر الأبيض المتوسط، أحد أخطر طرق الهجرة في العالم. فيما سجل عدد الوفيات في البحر تراجعاً منذ عام 2016. غير أنه خلال هذا العام وحده، غرق حوالي 400 مهاجر أثناء محاولاتهم العبور إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط. ومن أجل منع غرق المهاجرين، تطلق منظمات الإغاثة السفن للبحث عن العالقين في عرض البحر وإنقاذهم.
وإيطاليا ومالطا، بصفتهما الدولتان الأقرب في الاتحاد الأوروبي إلى الضفة الجنوبية للمتوسط، تغلقان موانئهما بشكل دائم أمام سفن الإنقاذ وترفض دخولها مياهها الإقليمية والرسو في موانئها، وهو ما حدث مع سفينتي إنقاذ المهاجرين "أوشن فايكينغ" و "آلان كردي".
"جذب المزيد من اللاجئين غير الشرعيين"
يعبر منتقدو عمليات الإنقاذ البحرية الخاصة التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية، بشكل مستمر عن قلقهم. إذ يرى هؤلاء أن قوارب وسفن الإنقاذ تعمل على جذب المزيد من اللاجئين غير الشرعين وتشجع عصابات ومهربي البشر على مواصلة نشاطهم. فالمستشار النمساوي سيباستيان كورتس، يرى مثلا أن أفضل طريقة من أجل وقف الموت في البحر الأبيض المتوسط هي تدمير زوارق المهربين ومنع رحلاتهم الخطيرة. لكن هؤلاء اللاجئين والمهاجرين يركبون تلك القوارب هرباً من الحرب أو الاضطهاد أو الفقر ولأنهم لا يرون مستقبلًا في وطنهم. العديد من منظمات الإغاثة والكنائس تنظر إلى ما وراء البحر الأبيض المتوسط وتكرس جهودها في البلدان الأصلية للمهاجرين هناك. من بين هذه الجهود العمل لسنوات على تعزيز التجارة العادلة في إفريقيا، وطلب المساعدات المالية من أجل تنمية تلك البلدان، وتلك المنظمات تقوم بنفسها بفعل مثل حفر الآبار وتأمين مياه شرب نظيفة بالإضافة إلى التعليم. لكنها رغم ذلك تتعرض للسخرية والانتقادات بسبب عملها الخيري.
الإنسانية والعمل الخيري كلمات لا يعرفها مهربو البشر
في مقاطع فيديو وثقتها وكالة حماية الحدود الأوروبية، مشهد لإحدى الأمهات اليائسات تحكي كيف قام مهرب بتخويف طفلها باسخدام السكين بسبب بكاءه بصوت عالٍ. وهناك مشاهد لقيام المهربين بإلقاء لاجئين في عرض البحر، حيث يبقى هؤلاء عالقين في عرض البحر أو يكملون طريقهم سباحة باتجاه القوارب المطاطية وانتظار رجال الإنقاذ. في تصريح لصحيفة "دي فيلت" الألمانية انتقد الفيلسوف ريتشارد شرودر تهريب البشر قبل وقت قصير من قرار الكنسية الإنجيلية الألمانية بإطلاق سفينة لإنقاذ اللاجئين العالقين في عرض البحر المتوسط، وقال: "هذا النوع من الاتجار بالبشر أصبح الآن أكثر ربحاً من تهريب المخدرات. إنها عملية موت جماعي متوقعة".
مثل بيدفورد ستروم، انضم شرودر إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي منذ عقود وهو أيضاً رجل دين، لكنه لا يتوقع الكثير من سفن الإنقاذ الخاصة ويرى أنها غير مجهزة لرعاية اللاجئين الناجين ويقول "عندما لا يفتح لهم أي منفذ، يشكو الطاقم بسرعة من الظروف الصحية السيئة لأولئك الذين تم إنقاذهم من الغرق، على الرغم من أن يعلمون مسبقًا أنهم سيمنعون من الدخول. إنه نوع من الابتزاز من خلال حالة طارئة متوقعة".
بين المباركة والتحفظ
حسب المعلومات الرسمية بلغت تكلفة "سي واتش 4"حوالي 1,3 مليون يورو، بالإضافة إلى نصف مليون يورو على الأقل لأعمال الصيانة والإعداد.وقد أسست الكنيسة لهذا الغرض، تحالفاً يضم الكنيسة الإنجيلية وغالبية الكنائس المحلية. وسيتم إدارة السفينة من قبل منظمة "سي ووتش" الإغاثي الألمانية. ما يعني أن سفينة الإنقاذ ستبحر من الناحية المجازية تحت علم الكنيسة الإنجيلية الألمانية، إن جاز التعبير.
أما رد فعل الكنيسة الكاثوليكية من المبادرة فيتأرجح بين المباركة والتحفظ. الكنيسة تريد مواصلة عملها المستدام مع اللاجئين وليس إطلاق سفينة إنقاذ بنفسها. غير أن الكاردينال راينهارد ماركس، الذي تربطه علاقات ودية مع رئيس مجلس الكنيسة الإنجيلية الألمانية، قد وفر "مبلغا كبيرا" م المال للمبادرة. كما أن عملية إنقاذ اللاجئين في البحر يشكل أهمية كبرى لدى البابا فرانسيس، ورحلته الأولى بعد اعتلائه كرسي البابوية عام 2013 كانت إلى جزيرة لامبيدوزا التي تعتبر الوجهة الأولى للمهاجرين عبر المتوسط. ومن القارب، ألقى البابا فرانسيس إكليلًا من الزهور في البحر تكريما لأرواح المهاجرين الذين ماتوا غرقاً في عرض البحر. وإلى يومنا هذا، يواصل حث الدول الغنية على تكثيف جهودها من أجل: "ثقافة الرخاء، التي تجعلنا نفكر في أنفسنا فقط، تجعلنا غير حساسين تجاه صرخات الآخرين".
وعندما تبدأ سفينة الإنقاذ "سي ووتش 4“ عملها وتنقذ أول المهاجرين في غضون أيام قليلة خلال الشهر الجاري، سيبدأ الجدل مرة أخرى حول عمليات الإنقاذ البحري بين من يرى أنها "طوق نجاة" من خطر الموت، وبين يرون "عامل جذب" للمزيد من اللاجئين غير الشرعيين وتشجيع المهربين. في ختام حواره مع الموقع الإعلامي للكنيسة الإنجيلية الألمانية قال الكاردينال ماركس: "طالما لم تجد السياسة حلاً إنسانياً لهذه المشكلة بعد، ولا حلاً للحرب في سوريا، ولمخيمات ليسبوس، علينا أن نتحرك.. لن أتراجع عن ذلك".
إ.م (ك ن أ)
المصدر: مهاجر نيوز