"سليانة"- ولاية في طي النسيان بسبب الأزمة السياسية في تونس
٢٩ نوفمبر ٢٠١٣في حين ينشغل الجميع في تداعيات الأزمة السياسية الخانقة التي تمر بها تونس تبقى بعض الولايات التونسية التي اشتد خناقها بسبب الأزمة الاجتماعية في طي النسيان. أما عن ولاية سليانة التي رسمت أحداث الرش لها مرحلة جديدة من الإصلاحات فإن الصراعات السياسية لم تزد أهاليها إلا أزمة اختزلتها عبارة "يحيا بن علي".
دعم الجهة لم يتجاوز عتبة الاستهلاك الإعلامي
في الوقت الذي ينتظر فيه التونسيون يناير للاحتفال بالذكرى الثالثة للثورة و بعيدا عن سليانة المدينة والأحداث التي شهدتها مؤخرا لا تزال قرية البرامة بعيدة عن أدنى أسس العيش الكريم و رغم رمزية هذا المكان في التاريخ السياسي المعاصر لتونس فإن هذه المنطقة بقيت خارج اهتمامات السياسيين و برامج التنمية المتاحة للمناطق الداخلية.
"اقترب موعد الانتخابات فهلوا علينا من جديد"، بهذه العبارات استقبلنا أهالي المنطقة ببسمة مزجت بين الترحيب واليأس و بعيون اختلفت ألوانها بين الزرقاء و الخضراء و العسلية عكست جمال أهاليها رغم قسوة الحياة و ضنكها.
"نريد الماء"، هكذا صرخ العم صالح بلوعة فـ"نحن لا نأبه لا للأكل و لا للباس بل نطالب بالماء" يقول شيخ الستين عاما لـ DW عربية. فعلى الرغم من أن ريف البرامة هي أولى الأراضي التي زارها الرئيس السابق بن علي عام 1994 فإن هذه المنطقة لا تزال مفتقرة لأسس العيش الكريم. حيث يؤكد مخاطبنا أن كل المنازل تنقصها العديد من المواد الأساسية بالإضافة إلى أن أهاليها يعانون البطالة ويقتصر مورد رزقهم على بيع الأواني الخزفية التي تصنعها نساء القرية.
"على الأقل عندما زارنا الرئيس السابق رصف لنا الطرقات والمسالك بالقرية و لكن من المعيب أن نتجاوز عتبة عام 2013 و نحن نطالب بالماء لنشرب و نغتسل"، يضيف العم صالح.
يؤكد شاب علي صعوبة الوضع و يضيف تعقيبا على كلام العم صالح بأن الشباب بالمنطقة مهمش و سلبي وأن أقصى طموحاته الزواج و بناء أسرة حتى براتب متواضع خاصة وأنهم يقضون وقتهم يجوبون جبال البرامة للخروج من حالة اليأس والإحباط التي تعتريهم في ظل انعدام وسائل الترفيه على غرار شبكة الإنترنت ودور الشباب. ويحمل المسؤولية لجميع الأحزاب دون استثناء و يؤكد أنه كغيره من أبناء المنطقة متشائمون من الوضع و يعتبرون أن هذه الحكومة عاجزة و لا بد من التسريع في الانتخابات مشيرا إلى أن أهالي المنطقة لا يرغبون سوى بالعيش الكريم بغض النظر عن من يحكم البلاد.
شباب متخرج عاطل عن العمل
ظروف أصعب بالنسبة لشباب المنطقة حيث يؤكد نوفل، 26 عاما والحاصل على الأستاذية في الإنجليزية، أن لا أحد من المسؤولين يلتفت إلى البرامة إلا مع قدوم موعد الانتخابات و يبقى الحال على ما هو عليه رغم ذلك خاصة مع وعودهم "الكاذبة" التي لا تتجاوز،على حد تعبير نوفل، عتبة المزايدة و المصلحة السياسية.
يؤكد نوفل أن ريف البرامة لم يشهد تغييرات منذ زيارة الرئيس السابق الذي أنشأ مسالك للقرية وهيأ بعض الأراضي الفلاحية و كان ذلك سنة 1994 قبل أن تصبح البرامة كغيرها في طي النسيان و لكنه يشير إلى أن هناك اختلاف طفيف بين فترة بن علي و النهضة على حد تعبيره على اعتبار أن ريف البرامة كان له نصيبه من صندوق التضامن 26/26 حتى و لو كان ذلك بسيطا أمام احتياجات المنطقة حيث يوضح بأن الجهة لم تتقبل أية إعانات في ظل هذه الحكومة الجديدة على الرغم من مسؤوليتها في أحداث الرش بسليانة والتي أفقدت العديد من أبناء الجهة أبصارهم.
يختم نوفل بقوله إن التمنيات بعودة بن علي ليست إلا نتيجة لكره الناس للحكومة ورفضها لها نتيجة الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها في حق ولاية سليانة وهي تمنيات لا تعكس آراء الشباب المتعلم والمثقف بالولاية، على حد تعبيره على الرغم من الهجوم على الحكومة فإن نوفل يؤكد أن الأمر يلزم جميع السياسيين دون استثناء.
بنات في سن الدراسة يلازمن البيت و شباب يتكبد عناء 45 كم يوميا لمزاولة تعليمه ورجال دون عمل وأطفال بعضهم حفاة يركضون في أرجاء القرية. مشاهد قد تكون مألوفة في العديد من مناطق تونس لكن الحياة في ريف البرامة متوقفة على قرار مسؤول من شأنه أن يعيد الحياة لأناس اختاروا الجوع من أجل تجميع أموال لشراء الحنفيات و جميع المستلزمات لتحقيق هذا الحلم.
نساء البرامة..صامدات رغم قسوة الحياة
للمرأة في منطقة البرامة ملامح أخرى هي أقرب لبسالة الرجال من أنوثة النساء. فهي تعيل أسرا بأكملها عبر أواني تصنعها من مادة الطين المتوفرة بكثرة في الجبال المحيطة بالقرية. تقول فاطمة ذات السبعة والأربعين عاما لDW عربية إنها تعيل خمسة أبناء ما تجنيه من بيع هذه الأواني. يدي فاطمة المليئة بالشقوق و تجاعيد وجهها اختزلت سنوات من العناء أكدتها محدثتنا بكل أسف “نحن نعاني بسبب البطالة فالنسوة هنا يقمنا بالعمل عوضا عنهم على اعتبار أننا امتهنا هذه الحرفة منذ الصغر."
تؤكد الخالة فاطمة التي تمضي ساعات طويلة في صناعة الأواني أن ما تنتجه يوميا لا يكسبها الموارد الكافية لجلب الحاجيات الأساسية لعائلتها نظرا لبخس ثمن القطع و ضعف الطلب عليها.
تختزل الخالة فاطمة حالة الكثيرات من ربات البيوت في البرامة و تختصر سهام ، ذات العشرين ربيعا معاناة فتيات المنطقة لتؤكد أن أغلبهن يرسلن إلى العاصمة للعمل في المنازل بعد الانقطاع عن الدراسة.
منطقة تحيط بها الجبال لا أراضي فلاحية تتوسطها ولا طرق مهيئة ، طرقات غير معبدة، مستوصف به طبيب يزور الأهالي مرة في الأسبوع، و معهد يبعد عن البرامة 45 كلم ومدرسة بتجهيزات بسيطة و دور من الحجر تكاد تسقط.
حالة من التهميش يعانيها أهالي المنطقة حيث تحولت حقوقهم إلى مطالب تتجاهلها السلطات المسؤولة و أناس منعزلون لا يأبهون بالسياسة و لا لحالة البلاد. رسالتهم تختزل مطالب الثورة و شعارهم لا يزال مرفوعا في وجه السلطة الحاكمة "شغل، حرية، كرامة و طنية"
و رغم معاناة أهالي البرامة فلا بد من التأكيد بأنها جزء لا يتجزأ من ولاية سليانة التي تعاني بقية أريافها من حالة التهميش على غرار منطقتي عين بو سعدية و كسرى و هي مناطق ولئن صعب بها العيش فإن جمالها اختزل أصالة البلاد وحضارتها. ويبقى متساكنو هذه الجهات في انتظار لفتة مسؤول لا بغاية الدعاية السياسية بل لتطبيق برنامج تنمية المناطق الداخلية.