سنة العلوم الإنسانية في ألمانيا ـ نحو وعي جديد بالانسان
١٥ أبريل ٢٠٠٧تطمح وزارة التعليم والبحث العملي الألمانية من خلال مبادرتها السنوية "العلم في الحوار" إلى مد جسور بين العلم والرأي العام، ودفع الشباب خصوصا إلى الاهتمام بالمواضيع العلمية. وفي هذا الإطار ستعرف هذه السنة عقد العديد من اللقاءات وتنظيم العديد من الأنشطة حول العلوم الإنسانية، حول دورها، وأهدافها، وأهميتها بالنسبة للمجتمع المعاصر. ويأتي ذلك في زمن يزداد فيه إقبال الطلبة الألمان بشكل كبير على دراسة هذه العلوم، فوفق إحصائيات سنة 2003، أقبل ما يزيد على 350.000 طالب جديد على تسجيل نفسه بإحدى شعب الإنسانيات. ومقارنة مع سنة 1990، فإن نسبة طلبة هذه العلوم ارتفع من 19 إلى 26 %، وعلى رأس تلك الشعب يأتي الأدب الألماني، والأدب الإنجليزي والتاريخ واللغات الرومانية.
العلوم الإنسانية وتحدي العولمة
"عصر الأحاديات" بهذه الكلمات وصف غوته المستقبل، حيث ستكون للمال والعمل الكلمة الفاصلة. كلمات، كما لو أنها صدرت عن أحد نقاد العولمة المعاصرين، الذين ما برحوا يؤكدون على "الأحادية الإيديولوجية للعولمة"، أو ما يسمى بـ"الليبرالية الجديدة". ففي ظل عولمة ليست أكثر من سوق، أصبح ينظر لكل نشاط فكري أو فني أو علمي من خلال مردوديته المادية واندماجه بالسوق فقط، وهو لا يهدد حرية العلم ويربط كل نشاط علمي بنجاعته في خدمة الاقتصاد فقط، بل يهدد الجامعة والعلوم الإنسانية خصوصا. فالكل يتساءل اليوم عن الجدوى من هذه العلوم ويشبهها بالملك لير، الذي طردته بناته من البيت، أو الجامعة التي أراد عمانوئيل كانط يوما ما للعقل أن يحكمها في كتابه الشهير "صراع الكليات"، والتي أضحت اليوم آليات عمل السوق تحدد طرق عملها وسياستها وأهدافها.
ومع ذلك، فحتى لو أن العلوم الإنسانية، كما يقول عالم الاجتماع الألماني هارالد فيلتسه، "لا تنتج آلالات أو بنايات أو وسائل نقل، لكن تعليقات وتحليلات وأفكار وتواريخ، فإن هذه التواريخ قد تكون مدمرة كما أظهر ذلك القرن العشرين ولكن قد تلعب دورا تنويريا كبيرا كما هو الحال مع حقوق الإنسان". كما يرى فيلتسه أن السؤال الذي يخترق هذه العلوم هو: كيف نريد لأنفسنا أن نعيش؟ وهو سؤال يطرح نفسه في سياق تغيرات بيئية وتحديات سياسية واقتصادية، كما أنه سؤال سياسي حسب هارالد فيلتسه.
"العلوم الإنسانية تملك قيمة في حد ذاتها"
أستاذ الفلسفة في جامعة فرانكفورت مارتين زيل يرفض استعمال كلمة "نجاعة" في حديثه عن العلوم الإنسانية ودورها، وإن كان لا يرفض السؤال السقراطي المرتبط بطبيعة الحياة التي نريد أن نحياها، والتي تحاول العلوم الإنسانية أن تفكر فيها وتطرح أسئلة أو تقدم أجوبة بشأنها. وعلق مارتين زيل على هذه الإشكالية بقوله:"العلوم الإنسانية تبحث التصورات المرتبطة بالإنسان وظواهر التعبير عنها في الاقتصاد والقانون والسياسة والعلم والفن". كما أنه يتساءل بعد ذلك:"لكن لماذا ذاك بالأمر الجيد؟ ليس بالمعنى الأخلاقي أو السياسي، ولكن كتفكير حول الطريقة التي يجب أن نفهم بها أنفسنا كأعضاء في ثقافة سياسية وتاريخية". ولهذا يرى زيل بأن العلوم الإنسانية تملك قيمة في حد ذاتها، ولا ترتبط بهدف خارج عنها. فالهدف في النهاية هو خلق وعي بشروط الحياة الإنسانية، سواء كان نشاط هذه العلوم نظريا أم تجريبيا، فإنها تطلب في نهاية المطاف نصب معالم في الطريق وفتح آفاق جديدة للفهم والوعي الذاتيين.