سيارة ترابانت ـ شاهد على واقع الحياة في ألمانيا الشرقية سابقا

قال برتولت بريشت يوما: "سنبني دولة للتاريخ وليس للإحصائيات!" لم يكذّب التاريخ نبوءة بريشت، وإنما سخر منها فقط. فها هي ألمانيا الشرقية قد دخلت التاريخ منذ أكثر من عقد، ولم يبق شيء فيها يهم موظفي الإحصاء، لربما سيارة ترابانت فقط، أعجوبة الشرق كما كان يصطلح عليها. لقد آن أوان دخولها التاريخ هي الأخرى، كآخر رموز الجمهورية الألمانية الديمقراطية الآفلة، إذ قررت العاصمة الألمانية برلين أن تطرد من شوارعها كل ما يلوث بيئة المدينة. وترابانت، مثل بقية السيارات القديمة لم تستطع مواكبة شروط البيئة الجديدة، مثل تركيب مصفاة ضد ذرات السخام أو لخفض ضجيج المحرك. يأتي ذلك في وقت كان يستعد فيه هواة هذه السيارة للاحتفال بمرور خمسين سنة على ظهورها.

ترابانت ـ رمز ضيق الأفق؟

لاريب أن ألمانيا بلد السيارات بامتياز. إذ أن سيارتي مرسديس وبي إم دبليو وسيارات ألمانية أخرى تحظى بسمعة دولية، ومصانع السيارات الألمانية سباقة في استعمال واختراع آخر صيحات التكنولوجيا. لكن هناك سيارة أخرى ترمز إلى ألمانيا، أو إلى جزء من تاريخها الحديث، سيارة ترابانت. في عام 1957 خرجت أول ترابانت إلى الوجود. أما آخر موديل منها فصنع سنة 1991، وقد تم النظر إلى هذه السيارة في البداية كسيارة قوية واقتصادية، قبل أن يفقد المرء الأمل فيها بسبب ضعف التجديد في تقنياتها. ترابانت هي رمز صعود وانهيار اقتصاد ألمانيا الشرقية، فقد أصبحت سيارة ترابانت رمزا للاقتصاد المتجمد والقيادة السياسية ضيقة الأفق الرافضة لكل تجديد وانفتاح، ولكن أيضا رمزا للتفوق الاجتماعي، إلا أن السيارة اختفت بسرعة من الشوارع الألمانية بعد سنة 1990، ومع ذلك فهناك العديد من الجمعيات التي تحتفي بهذه السيارة وتعتني بها. ويقدر عدد هذا النوع من السيارات في ألمانيا بسبعة وستين ألفا، وقد تم تصديرها أيضا في أيام جمهورية ألمانيا الديمقراطية إلى الاتحاد السوفياتي وبولندا والمجر.

ترابانت ـ إلى مزبلة الحديد

"التاريخ يعاقب المتأخرين." بهذه الكلمات همس غورباتشوف في أذن هونكر، آخر رئيس لألمانيا الشرقية. كلمات تنطبق أيضا على سيارة ترابانت التي لم تواكب العصر، فتحولت مع مرور الوقت إلى رمز للحنين على عصر آفل، واليوم يجب على هذا الرمز أيضا أن يختفي مرة وإلى الأبد من شوارع برلين. فمتطلبات الحفاظ على البيئة تفرض ذلك. سيارة ترابانت صنعت في زمن لم تكن فيه للبيئة مكانة خاصة، ودراسة حديثة تقول إنها تقذف بكمية من ثاني أكسيد الكاربون أكبر من كل السيارات الأخرى التي تعبر الشوارع الأوروبية. وقد قررت بعض المدن الألمانية عدم السماح للسيارات التي لا تحترم الشروط البيئية من الدخول إليها. الحكومة الألمانية منحت سيارة ترابانت امتياز الحركة رغم عدم إيفاءها بالشروط البيئية لكن قوانين الاتحاد الأوروبي ستضع حدا لذلك، وستختفي السيارة من الشوارع قبل نهاية هذه السنة. لهذا يحتج العديد من أصحاب السيارة ضد ذلك، معتبرين ترابانت رمزا ثقافيا وجزء من الهوية والتاريخ الألمانيين.