"سينما الشارع" في مصر لمواجهة إعلام المجلس العسكري
١٥ يناير ٢٠١٢أمام أحد المجمعات التجارية الكبرى في مدينة 6 أكتوبر التابعة لمحافظة الجيزة المصرية تجمع عدد من الشباب بدا أنهم لا يعرفون بعضهم البعض. فهم جاؤوا تلبية لدعوة انطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت حددت الزمان والمكان، وحملت عنوان "عرض سينما في الشارع لانتهاكات العسكر". المجموعة التي أطلقت الدعوة لا تتبع أي حزب سياسي أو حركة ثورية، بل هي مجموعة من الشباب شارك معظمهم في أحداث الثورة بشكل فردي، واستفزهم استمرار انتهاكات حقوق الإنسان على يد المجلس العسكري، خاصة مع استمرار سقوط ضحايا في المظاهرات والاحتجاجات على يد قوات وزارة الداخلية تارة، وقوات الجيش تارة أخرى.
العرض السينمائي ينظم باستخدام معدات بسيطة؛ فشاشة العرض تكون في الغالب عبارة عن قطعة من القماش الأبيض تشدّ بين أي عمودين أو شجرتين على الطريق العام. ويتم توصيل جهاز العرض بجهاز كمبيوتر محمول. السماعات الضخمة يتم توصيلها بجهاز الكمبيوتر. ثم يتم تشغيل العرض، الذي يكون في الغالب فيلماً تسجيلياً يوثق بالصوت والصورة الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين، ويكشف كيف يستخدم الأمن العنف، وحتى الرصاص الحي، ضد المتظاهرين.
الوجه الآخر للحقيقة
فتاة من بين منظمي العرض بمدينة 6 أكتوبر، والتي عرفت عن نفسها باسم (م. أ)، توضح لدويتشه فيله أن الهدف منه هو الوصول للمواطنين البعيدين عن الإنترنت ودوائر النشاط السياسي، مضيفة أن "المجلس العسكري يستخدم الآلة الإعلامية التي يسيطر عليها، من تلفزيون وجرائد، لقلب الحقائق، بحيث يصور الثوار والمتظاهرين كبلطجية ومعتدين، وبالتالي تخسر الثورة وشبابها الكثير من التأييد الشعبي. ما نحاول فعله هنا هو تقديم الوجه الآخر للحقيقة، الذي يحاول المجلس العسكري إخفاءه".
لم يمر عرض مدينة 6 أكتوبر بسهوله، فمع وصول المنظمين والمشاهدين إلى المكان، واجهتهم مشكلة العثور على مصدر للكهرباء من أجل تشغيل أجهزة العرض، إذ رفض المسؤولون عن المجمع التجاري السماح لهم باستخدام أي مصدر كهربائي منه. وكان رد أحد رجال أمن المجمع واضحاً: "لا نريد مشاكل أو شبهات هنا".
اضطرت المجموعة للانتقال إلى مكان عرض يبعد بضعة أمتار عن المجمع التجاري، وبالاستعانة بأحد فنيي الكهرباء، تمكنوا من توصيل الأجهزة بأحد أعمدة الإنارة. ومع بدء العرض، تجمع المارة وسائقوا السيارات للمشاهدة، وحتى بعض السيارات العابرة توقفت في منتصف الشارع ونزل ركابها للمشاهدة. الصدمة على وجوه المشاهدين كانت واضحة، فالكثير منهم لم يستوعب المشهد. بعد انتهاء العرض بدأ المنظمون حواراً مع المشاهدين، بهدف شرح سبب عرض هذه الأفلام، وقاموا بتوزيع اسطوانات مدمجة تحتوي على توثيق كامل بالصوت والصورة لما وصفوه بانتهاكات قوات الأمن طوال الأشهر التي تلت تنحي الرئيس السابق حسني مبارك.
العروض تجمع المؤيدين والمعارضين
ردود الفعل لدى المشاهدين جاءت متباينة، فبينما أبدت إحدى السيدات استعدادها لتقديم مبلغ مالي لدعم هذه الفكرة، الأمر الذي قوبل بالرفض من قبل المنظمين، الذي عرضوا عليها أن تقوم بنسخ الأفلام الموجودة في الاسطوانات وتوزيعها، ظهر الانفعال بشكل واضح على أحد المواطنين، وأخذ يصرخ قائلاً: "لماذا تقومون بعرض مثل هذا الأفلام وتثيرون البلبلة؟ البلد تحتاج للاستقرار". لكن تذمره قوبل بنقاش حاد من قبل آخرين، دفعه للانسحاب إلى الصفوف الخلفية مبدياً تذمره.
وترى (م. أ) أن ردود الأفعال هذه متوقعة، مضيفة أن "المواطنين الشرفاء، كما يطلق عليهم الإعلام الرسمي، والذين يدافعون عن المجلس العسكري، موجودون في كل مكان ويظهرون في تلك العروض. بعضهم، للأسف، ضحية للآلة الإعلامية للمجلس العسكري. لكن البعض الآخر يرى في الثورة تهديداً لمصالحه الاقتصادية المرتبطة بآليات ووجوه النظام. نرد على هؤلاء بالقول إننا نرى أن الاستقرار لن يحدث إلا بتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات".
هذا العرض السينمائي ما هو إلا جزء من سلسلة عروض بدأت في الانتشار في مصر، ضمن إطار حملة نظمها عدد من النشطاء تحت عنوان "كاذبون"، لفضح ما يقولون إنها أكاذيب يروج لها الإعلام الرسمي. بعض العروض لم تمر بسلام، كما حدث في مدينة 6 أكتوبر، فأحياناً تتطور النقاشات بين مؤيدي ومعارضي المجلس بشكل حاد، وأحياناً يحاول مؤيدو المجلس التدخل بالقوة لمنع إقامة العروض، مثلما حصل في حي الزمالك بالقاهرة.
"مُصرّين" – مركز إعلامي لدعم الإعلام الشعبي
ويشرف مركز "مُصرّين"، وهو مركز إعلامي غير ربحي في وسط القاهرة، على هذه العروض ويدعمها، من خلال توفير المعدات والأفلام مجاناً لأي شخص أو مجموعة ترغب في تنظيم مثل تلك العروض في أي مكان في مصر. وتروي سلمى سعيد، إحدى العاملات في المركز، أن بداية المشروع تعود إلى 25 فبراير/ شباط، الذي يصادف أول حادثة استخدم فيها الجيش العنف لتفريق المتظاهرين في ميدان التحرير. ووقتها لم تتواجد أي وسائل إعلام لتوثيق ما يحدث.
وتقول سلمى إنها وعدد من الناشطين قاموا بتسجيل ما حدث وإرسال الصور لوسائل الإعلام، وإن هذا ما دفعها وأصدقاءها للتفكير في إنشاء مركز يقوم بدعم الإعلام الشعبي. فإلى جانب توفير معدات العرض، يوفر "مُصرّين" كاميرات للتصوير وغرف للمونتاج لمن يرغب في عمل أفلام داعمة للثورة. كما يدعم المركز أي حركة تتبنى أهداف الثورة. تمويل مركز "مُصرّين" مصادره تطوعية، بالإضافة إلى أن معظم الأفلام والمواد المصورة تنشر تحت رخصة المصادر المفتوحة، لتسهيل عملية توزيعها واستخدامها في وسائل الإعلام المختلفة.
أحمد ناجي
مراجعة: ياسر أبو معيلق