شبح حقوق الإنسان يطارد الطموحات الدولية للرياضة السعودية
٤ فبراير ٢٠٢٣على غرار قطر ودول خليجية أخرى، تسعى السعودية لتعزيز قوتها الناعمة عبر احتضان ورعاية التظاهرات الرياضة العالمية الكبرى. وظهر ذلك من خلال دخول روزنامة سباقات فورمولا واحد، واستضافة بطولات "ليف غولف"، والتطور الكبير الذي يشهده الدوري السعودي لكرة القدم الذي حاز مؤخرا على اهتمام الإعلام الدولي بعد استقطابه للنجم البرتغالي العالمي كريستيانو رونالدو، الذي انتقل لنادي النصر في صفقة خيالية قدّرت بأكثر من 200 مليون يورو.
ويُعتقد أن صناع القرار الرياضي في السعودية يسعون لإغراء مزيد من نجوم الكرة العالمية وباتوا يراهنون أكثر من أي وقت مضى على تسويق القوة الناعمة للمملكة عبر الرياضة. زخم زاد منه، تنظيم قطر المجاورة لمونديال 2022، ما جعل من هذا البلد الصغير مركز اهتمامي عالمي، عززت من خلاله الدوحة جاذبيتها ومكانتها الدولية.
غير أنه وكما في الحالة القطرية، فإن طموحات السعودية يعترضها سجل مثير للجدل في مجال حقوق الإنسان، عرف ذروته في قضية الاغتيال البشع للصحفي جمال خاشقجي، إضافة إلى سلسلة من الخروقات الأخرى ما فتأت المنظمات الحقوقية الدولية تثير الانتباه إليها، بالسعي إلى منع البلدان المعنية من استغلال التظاهرات الرياضية العالمية لتلميع صورتها عبر ما تسميه بـ"الغسيل الرياضي". كما تضغط تلك المنظمات على الحكومات الغربية وعلى الهيئات الرياضية العالمية لحثها على فك ارتباطها بالدول
دوافع السعودية وغيرها من جيرانها الخليجيين، ليست سياسية فقط، وإنما اقتصادية أيضا وبهذا الصدد كتب موقع صحيفة "موركور" الألمانية (الثالث من فبراير/ شباط 2023) أن احتياطات دول الخليج من النفط والغاز ستنتهي يوما ما "لذلك تبحث دول مثل السعودية والإمارات وقطر عن فرص استثمارية أخرى. يجدون ما يبحثون عنه في الرياضة وخاصة في كرة القدم. إن دول الخليج لا تتصرف بدوافع رومانسية".
ضغوط أستراليا ونيوزيلاندا على الفيفا
وطلبت نيوزيلندا وأستراليا، البلدان المضيفان لنهائيات مونديال كرة القدم للسيدات (التي ستنطلق في العشرين من يوليو/ تموز/ إلى 20 أغسطس / آب المقبلين)، "بشكل عاجل" من الاتحاد الدولي للعبة توضيحات بشأن اختيار رعاية الهيئة السعودية للسياحة لهذا الحدث، بعدما وردت أنباء بشأن وجود الهيئة المذكورة ضمن رعاة البطولة المحتملين. وأكد الاتحادان الأسترالي والنيوزيلندي أنهما "كتبا معًا إلى الفيفا لتوضيح الموقف على وجه السرعة"، فيما عبر الاتحاد الأسترالي عن تذمره بالقول إنه "مستاء جدًا لعدم استشارتنا بشأن هذا الأمر قبل اتخاذه"، فيما قال نظيره النيوزيلندي إنه "مصدوم ومستاء".
ويذكر أن رئيس الفيفا جاني إنفانتينو توقع أن يتابع ما لا يقل عن ملياري مشاهد النسخة التاسعة من كأس العالم للسيدات. غير أن مشروع الرعاية السعودية لهذه التظاهرة وضع الاتحاد الدولي في موقف حرج جديد.
وبهذا الصدد كتب موقع شبكة "إن.تي.في" الألمانية (الثاني من فبراير/ شباط 2023) معلقا: "هل سيسمح للدولة (السعودية) التي تقيد حقوق المرأة بشدة رعاية كأس العالم للسيدات؟ يبدو أن الفيفا ليس لديه مانع بهذا الشأن. من المتوقع السماح لإعلان "زوروا السعودية" السياحي، بالتواجد في كأس العالم لكرة القدم للسيدات في أستراليا ونيوزيلندا، غير أن البلدين المنظمين يرفضان ذلك".
وذهبت اللاعبة الدولية الأسترالية السابقة كاثرين جيل في نفس الاتجاه معتبرة أن الفيفا "ملزم باحترام حقوق الإنسان المعترف بها دوليًا وممارسة تأثيره الكبير عندما لا يتم احترامها أو حمايتها".
ويشارك المنتخب الألماني للسيدات بقيادة مارتينا فوس تكلنبورغ في هذه البطولة وسيواجه في الدور التمهيدي كلا من المغرب وكولومبيا وكوريا الجنوبية.
ناشطة حقوقية تنتقد "الغسيل الرياضي"
نقلت وكالة الأنباء الفرنسية (أ.ف.ب) (الثاني من فبراير/ شباط) عن نيكيتا وايت، الناشطة الأسترالية في منظمة العفو الدولية، انتقادها للفيفا وتساؤلها عن كيف يمكن لهيئة السياحة السعودية رعاية كأس العالم للسيدات عندما "لا تستطيع المرأة في المملكة العربية السعودية حتى العمل من دون إذن ولي أمرها الذكر".
كما أشارت الناشطة إلى "سجل السعودية المروع في مجال انتهاكات حقوق الإنسان"، واصفة تلك الرعاية المحتملة بـ"الغسيل الرياضي".
ويبدو أن السعودية ستواجه في الاستحقاقات المقبلة انتقادات مماثلة، خصوصا وأنها اختيرت (الأربعاء الأول من فبراير/ شباط) رسميا لاستضافة كأس آسيا لكرة القدم لعام 2027، إضافة إلى استضافتها لكأس آسيا للسيدات لعام 2026 ودورة الألعاب الآسيوية 2034، بل وتسعى السعودية مثل باقي دول الخليج إلى توظيف الرياضة على المستويين السياسي والاقتصادي، وهي التي لم يكن تملك إلى وقت قريب قطاعا للترفيه بسبب النظام الديني المتشدد، غير أن المملكة سعت إلى انفتاح تدريجي بهذا الصدد، ليس فقط على المستوى الرياضي ولكن أيضا في ميادين الفن والثقافة، فهناك اليوم مهرجانات موسيقية وسينمائية، حيث يسمح للنساء بالغناء عكس ما كان عليه الأمر في الماضي.
وفي حوار سابق لموقع "فوكوس" الألماني (15 يناير/ كانون الثاني 2022) مع محمد بن سليم، رئيس الاتحاد الدولي للسيارات، اعتبر الأخير أن حقوق الإنسان في الشرق الأوسط لا تُداس بالأقدام ودافع عن السعودية ضد مزاعم "الغسيل الرياضي". قبل كل شيء، تحسنت حالة حقوق المرأة التي كثيرا ما يتم انتقادها بشكل كبير، وفقا لمحمد بن سليم. واستطرد بهذا الصدد "عندما لم نكن ننظم أحداثا رياضية في المملكة العربية السعودية، كان الجميع في الإعلام يضغطون من أجل إقامة التظاهرات الرياضية هنا (..) التغييرات التي نراها اليوم هنا لا تصدق (..) قبل كل شيء، تحسنت حقوق المرأة بشكل ملحوظ والتي لم يكن يُسمح لها بالقيادة حتى وقت قريب (..) أرى نساء يقودن سيارات، نساء يعملن في المطاعم، نساء يقمن بالخدمة في الفنادق.. هذا تطور ضخم".
ارتفاع مخيف في عدد حالات الإعدام في المملكة
نشرت هيئتان حقوقيتان هما "منظمة ربريف" المناهضة لعقوبة الإعدام والمنظمة الأوروبية السعوديةلحقوق الإنسان (الثلاثاء 31 يناير/ كانون الثاني 2023) تقريرا مرعبا من 58 صفحة، نقلته عنهما وكالة "أ.ف.ب"، حول تضاعف عدد الإعدامات التي نفذتها السعودية منذ وصول الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد إلى الحكم. التقرير رصد حالات من التعذيب والانتهاكات بالجملة.
وذكر التقرير أن أحكام الإعدام ارتفعت من 70.8 في متوسط سنويا في الفترة الممتدة بين (2010 و2014) إلى 129.5 سنويا منذ وصول الملك سلمان إلى الحكم بداية عام 2015. التقرير قال أيضا إن السعودية أعدمت ما لا يقل عن 147 شخصا على الأقل خلال 2022، ما يجعل المملكة من أكثر الدول تنفيذا لعقوبة الإعدام في العالم، ففي مارس/ آذار من نفس العام تم إعدام 81 شخصا في نفس اليوم بتهم لها علاقة بالإرهاب، ما أثار حينها موجة من التنديدات الدولية.
وبهذا الصدد قال طه الحاجي المدير القانوني للمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إنّ "السلطات السعودية تسلك هذا المسار الدامي بغرض التخويف والقمع السياسي". وأشار إلى أنّ "التقارير عن عمليات الإعدام السرية منذ نهاية عام 2022 مقلقة للغاية".
من جهتها، قالت مديرة منظمة "ريبريف" مايا فوا "كل نقطة في هذا التقرير تمثّل حياة بشرية أُزهقت (..) آلة عقوبة الإعدام السعودية تحصد أطفالا ومتظاهرين ونساء مستضعفات في الخدمة المنزلية، وناقلي مخدرات دون علمهم، وأشخاصا، جريمتهم الوحيدة هي امتلاك كتب محظورة أو التحدث إلى صحافيين أجانب".
وبالتالي فإن الضغوط التي تتعرض لها السعودية بسبب الأحداث الرياضية تعتمد على هذا النوع من التقارير التي رصدت إعدام 31 امرأة بين 2010 و2021. لذلك ترى المنظمات الحقوقية أن منح المملكة حق رعاية بطولة نسائية دولية "غسيلا رياضيا". فمن بين النساء اللواتي نفذت فيهن عقوبة الإعدام هناك حالة الأندونيسية توتي تورسيلاواتي التي أدينت بالقتل وحكم عليها بالإعدام، "بعدما قتلت رب عملها حين حاول اغتصابها بعد فترة طويلة من تعرضها لاعتداء جنسي"، وفق التقرير الذي نقلته وكالة الأنباء الفرنسية.
الرياضة كساحة للتسويق السياسي الناعم
عكس الاعتقاد الشائع، فلم تكن الرياضة بعيدة في يوم ما عن السياسة، غير أن هذا التداخل بات اليوم مرئيا أكثر من أي وقت مضى بفضل قوة وتأثير الإعلام بكل أطيافه بما في ذلك الإعلام الجديد من إنترنت ومواقع تواصل اجتماعي، فبات الفصل بين السياسة والرياضة مجرد افتراض نظري لا غير.
ريناتة آلت رئيسة لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان الألماني (بوندستاغ)، وهي نائية عن الحزب الديموقراطي الحر انتقدت مؤخرا (31 يناير/ كانون الثاني) إمكانية السماح للرياضيين الروس بالاشتراك في الألعاب الأولمبية المقبلة في باريس 2024، على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا. واتهمت آلت مواطنها توماس باخ رئيس اللجنة الأولمبية الدولية بأن "لديه فهما غريبا عن حقوق الإنسان".
لقد بات للتظاهرات الرياضية العالمية رهانات اقتصادية وسياسية وإعلامية وازنة في العلاقات الدولية. ألم تلق السياسة بظلالها على مونديال قطر، الذي تحولت جنباته إلى حرب قيم وتصورات أخلاقية متضاربة بين مؤيدي مبادرة "حب واحد" التي تدعو لاحترام الاختلاف والتعدد بما في ذلك "مجتمع الميم" مقابل تصورات أخرى محافظة.
المنظمات الحقوقية الدولية انتبهت لتنافس دول الخليج لتوظيف الرياضة وكرة القدم بالتحديد لتسويق صورة إيجابية عنها على المستوى الدولي، للتغطية بشكل من الأشكال على سجلاتها في حقوق الإنسان. بل وهناك تنافس في امتلاك أندية أوروبية كبيرة، فقطر تملك باريس سان جرمان، وطيران الإمارات يستحوذ على مانشستر سيتي.
وتسعى الفيفا لإقامة مسابقات جديدة بمليارات من المساعدات الخليجية، منها خطط توسيع كأس العالم لكرة القدم من 32 إلى 48 مشاركا. موقع "فوكوس" الألماني (السابع من يناير/ كانون الثاني 2023) كتب بهذا الشأن معلقا "في كأس العالم 2022، تمكنت دولة قطر من صرف الانتباه عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتقديم نفسها للعالم على أنها "دولة نظيفة". منظمة العفو الدولية تطالب بعدم التسامح مع مثل هذه المناورات في المستقبل".