شرودر يضع مستقبله السياسي في يد الناخب الألماني
في احتفال صاخب أقيم أمس في دوسلدورف اثر فوز الحزب المسيحي الديمقراطي في انتخابات ولاية شمال الراين وستفاليا، حمل البعض نعشاً أحمر اللون في تعبير رمزي لقرب سقوط حزب الاشتراكيين الديمقراطيين. جاء ذلك بعد أن شاهد المحتفلون المستشار الألماني غيرهارد شرودر على شاشة التلفاز وهو يحث الرئيس الألماني هورست كولر على حل البرلمان الاتحادي (بوندستاغ) وإجراء انتخابات عامة مبكرة عن تلك التي كان مقرر لها خريف العام المقبل. ولم تكن هزيمة الحزب الاشتراكي الديموقراطي مفاجأة للكثيرين في ألمانيا، حيث يُنظر إلي سياسات الائتلاف الحاكم بقيادة غيرهارد شرودر على أنها المسئولة عن خسارة حزبه في أكبر الولايات الألمانية، غير أن المفاجأة الحقيقية هي التي فجرها شرودر بمطالبته بحل البرلمان. ترى هل هي مقامرة بمستقبل حزب ألماني عريق هو الحزب الاشتراكي الديمقراطي أم هي محاولة كمحاولة العنقاء للنهوض من تحت الرماد ليعود أقوى مما كان؟
نقمة شعبية بسبب السياسة الداخلية
بدايةً فقد شهدت الأعوام الماضية تراجعاَ ملحوظاً لشعبية الحزب الاشتراكي الديمقراطي بسبب تطورات عديدة، فلقد تعرضت الحكومة الألمانية الاتحادية إلى نقمة شعبية شديدة نظراً لازدياد نسبة البطالة في ألمانيا بصورة لم يسبق لها مثيل. كما أدى إدخال إصلاحات هارتس 4 وتقليص قدر الإعانة الاجتماعية وتراجع معدل نمو الاقتصاد الألماني بوجه عام إلى نفور متزايد من قبل الجماهير. وبعد مرور سبع سنوات على استلام الحزب الاشتراكي الديمقراطي السلطة مع حزب الخضر أفل نجم الائتلاف الحكومي في برلين باعتراف الكثير من المحللين السياسيين. وجاءت نتائج الانتخابات في ولاية شمال الراين وستفاليا لتسكب الزيت على النار، نظراً لهزيمة الحزب الديمقراطي الاشتراكي في إحدى المناطق العمالية الكبرى التي يحكمها منذ 39 عاماً والتي تعد معقله التاريخي التقليدي في البلاد كلها.
قضايا خارجية تحظى بدعم ...
أما السياسة الخارجية للائتلاف الحاكم فلم تلق مثل هذا النفور. فقد لعبت قضية الحرب على العراق دوراً محورياً في الانتخابات البرلمان الألماني (بوندستاغ) عام 2002 حيث فاز الحزب الاشتراكي الديموقراطي وحزب الخضر بالعديد من الأصوات جراء موقفهما المناهض لأي مشاركة في القيام بغزو أمريكي للعراق. وحذر المستشار شرودر آنذاك الولايات المتحدة من القيام بأي مغامرة عسكرية في العراق. وبعد سقوط بغداد لعبت الحكومة الألمانية ومازالت تلعب دوراً كبيراً في إعادة بناء المؤسسات العراقية العسكرية والمدنية. ولعل هذا الموقف من المواقف القليلة التي حظيت بدعم السواد الأعظم من الشعب الألماني.
... وأخرى تثير المخاوف
ولكن هناك قضايا أخرى خارجية تثير مشاعر الخوف لدى بعض الألمان، لعل أهمها مساعي تركيا للانضمام إلى الإتحاد الأوربي ودعم الائتلاف الحاكم في برلين لها. فمن المعروف أن المستشار شرودر وأعضاء الائتلاف من حزب الخضر يدعمون ترشيح تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي. أما وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر(حزب الخضر) فقد حذر كثيراً من عواقب رفض ضم تركيا للإتحاد الأوربي بعد أن حصلت على وعد بالسماح لها بالانضمام منذ 41 سنة. مما أكسب الائتلاف الحكومي شعبية واسعة في تركيا. ولكن هناك بعض القوى السياسية في ألمانيا وعلى رأسها الحزب المسيحي الديمقراطي دعت إلى استحداث أشكال مؤسسية لعلاقة تركيا بالاتحاد، دون العضوية الكاملة. وعللت ذلك بأن دخول تركيا الاتحاد الأوربي معناه "أسلمة أوروبا"، وأن تركيا بتعداد سكانها الضخم تشكل خطرا كبيرا على الهوية الأوروبية.
جهود مكثفة لتعزيز الحوار مع العالم العربي و الإسلامي
خلال جولاته العديدة في منطقة الشرق الأوسط أكد يوشكا فيشر مراراً على المسؤولية الخاصة التي تتحملها ألمانيا حيال وجود دولة إسرائيل وأمنها، ولكنه أكد على أهمية السلام العادل والشامل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مما أكسبه احتراماً بالغاً لدى العرب. وشهدت الأعوام الماضية جهوداً مكثفة من قبل وزارة الخارجية الألمانية بقيادة فيشر من أجل تعزيز الحوار مع العالمين العربي والإسلامي وأدى ذلك إلى تحسين صورة ألمانيا في الشرق الأوسط.
ما هو السر وراء المطالبة بحل البرلمان؟
بعد الهزيمة المريرة للحزب الاشتراكي الديمقراطي توجه غيرهادر شرودر بكلمات قليلة للشعب، وقال في لهجة يغلب عليها الأسى أن هزيمة حزبه في الانتخابات الإقليمية لولاية شمال الراين وستفاليا تعني أن سياسة الإصلاحات التي تتبناها حكومته أصبحت في موضع تساؤل. وطالب شرودر الرئيس الالماني كولر بذل كل ما في وسعه من أجل إجراء اانتخابات عامة للبرلمان الاتحادي (بوندستاغ) في خريف هذا العام بدلاً من تلك التي كان مقرر إجرائها العام المقبل. ولكن لإجراء هذه الانتخابات يجب أولاً حل البرلمان الحالي. وحسب الدستور الألماني يمكن حل البوندستاغ فقط في حالة وجود ظروف استثنائية من قبل الرئيس الألماني. في إطار مساعيه لحل البرلمان يمكن أن يسعى شرودر لإجراء اقتراع لسحب الثقة من حكومته خلال الشهر القادم، ولضمان نجاحه في ذلك يتعين علية أن يطلب من بعض أعضاء حزبه التصويت ضده. في هذه الحالة يصبح أمام الرئيس كولر مهلة 21 يوماً لتحديد ما إذا كان سيحل البرلمان.
ولكن مساعي شرودر لإنجاز هذه الخطوة تلقى بالعديد من التساؤلات أهمها ما هو السر الذي يكمن وراء هذه الخطوة وما هو الهدف الذي يسعى إليه شرودر من خلال زج حزبه في انتخابات عامة مبكرة بعد أن مني الاشتراكيون الديمقراطيون بهزيمة نكراء في ولاية شمال الراين وستفاليا. لقد شهدت الأعوام الماضية تزايداً شديداً لنفوذ الحزب المسيحي الديمقراطي في مجلس الولايات الاتحادي (بوندسرات) بعد هزيمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في انتخابات ولايات هامبورغ وسكسونيا السفلى وشليزفيغ هولشتاين، بالإضافة إلي أغلبية ضئيلة لا تسمن ولا تغني من جوع يتمتع بها الائتلاف الحكومي في البرلمان الاتحادي. أدى هذا كله إلى صعوبة بالغة تواجه الائتلاف الحاكم عند الشروع في تسيير قوانين جديدة على مستوى الاتحاد. لذلك لم يبق أمام شرودر سوى اللعب بأخر بطاقة في يده، ألا وهي إجراء انتخابات جديدة بأمل الحصول على دعم من الشعب الألماني، أو إخلاء الطريق بصورة شريفة أمام المعارضة، لكي تتمكن هي من إجراء الإصلاحات في ألمانيا. ولكن بعض المراقبين السياسيين يرون أنها مخاطرة كبيرة بمستقبل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أما الآخرون فيعتبرونها محاولة أخيرة من شرودر للنهوض بحزبه والخروج من الورطة التي وقع فيها، خاصة أنه من المتوقع أن يخوض شرودر الانتخابات المقبلة أمام المرشحة الأقوى للحزب المسيحي الديمقراطي أنغيلا ميركل التي لا تتمتع بشعبية كبيرة لدي معظم الألمان.
علاء الدين سرحان