شغب نهائي الأبطال.. تشكيك في إدارة فرنسا للفعاليات الرياضية
٢ يونيو ٢٠٢٢
قد يتوقع كثيرون من عشاق الساحرة المستديرة حول العالم بأن أحداث الشغب والفوضى التي وقعت قبل انطلاق نهائي دوري أبطال أوروبا كانت الاستثناء الوحيد في الملاعب الفرنسية، بيد أن الواقع قد يكون صادما.
وبسبب الفوضى والتنظيم الكارثئ، تأخر إنطلاق صافرة بداية المباراة بين ليفربول وريال مدريد لـ 36 دقيقة فيما قامت الشرطة الفرنسية بإطلاق الغاز المسيل للدموع على المشجعين الذين تعرضوا للسرقة من قبل عصابات محلية خلال اصطفافهم لساعات خارج ستاد "دو فرانس" شمال باريس الذي شهد المباراة النهائية.
أما الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (اليويفا)، فقد تراجع عن ادعاءاته السابقة من أن المشجعين الذين وصلوا في وقت متأخر إلى الاستاد كانوا وراء هذه الأحداث الفوضوية بالتزامن مع توجيه انتقادات ضد الشرطة والسلطات الفرنسية خاصة من قبل أصوات بريطانية.
وعقب هذه الأحداث بأقل من يوم، هبط نادي "سانت إيتيان" من دوري الدرجة الأولى إلى دوري الدرجة الثانية الفرنسي لكرة القدم لأول مرة منذ عشرين عاما.
بيد أن الأمر لم يمر مرور الكرام إذ شهدت المباراة فوضى وأعمال شغب بعد أن ضمن نادي "أوكسير" صعوده إلى الدرجة الأولى بعدما تغلب على "سانت إيتيان" 5 / 4 بضربات الجزاء الترجيحية.
وعقب خسارة ركلات الجزاء، اقتحم مشجعو نادي "سانت إيتيان" الملعب وقاموا بالاعتداء على لاعبي الفريق وطاقم التدريب الذين حاولوا الفرار عبر نفق، فيما ذكرت وسائل إعلام فرنسية أن الشرطة استخدمت قنابل غاز لتفريق الجماهير مع إلقاء ألعاب نارية من المدرجات.
وأفادت السلطات الفرنسية بإصابة 14 عنصرا من الشرطة و 17 مشجعا فضلا عن إصابة اثنين من لاعبي "أوكسير" فيما تعرض مشجعو النادي الضيف إلى اعتداءات عقب انتهاء المباراة.
وتسلط واقعة نادي "سانت إيتيان" وقبلها أحداث نهائي الأبطال، الضوء على موسم كارثي شهدته الملاعب الفرنسية.
بدوره، قال نيكولاس أوركيد، عالم الاجتماع في المدرسة المركزية (إيكول سنترال) في ليون والمتخصص في سلوك مشجعي كرة القدم الفرنسية، إن كلا الحادثتين مختلفتان وقد حدثتا لأسباب مختلفة. ورغم ذلك، هناك صلة بينهما".
وأضاف "الإجراءات الأمنية بشأن مباريات وملاعب كرة القدم هي القاسم المشترك بين الحادثتين. وقد شهدت فرنسا حوادث مماثلة على مدار الموسم الكروي إذ لا توجد أعداد كافية من العناصر التي تساعد على تنظيم المنافسات فضلا عن أنها تعاني من نقص في التدريب والتأهيل خاصة في التعامل مع الجماهير الغفيرة في الملاعب . "
فوضى وتطرف وأحداث عنف
يشار إلى أن الجماهير الكروية عادت إلى الملاعب الفرنسية في أغسطس / آب الماضي بعد غياب لأكثر من عامين جراء قيود جائحة كورونا، لكن بداية الموسم الجديد شهدت اضطرابات خطيرة منذ اليوم الأول لانطلاقه.
ففي نوفمبر / تشرين الثاني، توقفت قمة "ليون" وضيفه " أولمبيك مارسيليا " بعد إصابة لاعب النادي الضيف ديميتري باييت في رأسه بقارورة مياه ألقيت من الجماهير أثناء تنفيذه لركلة ركنية فيما أدى اقتحام بعض المشجعين أرض الملعب إلى إلغاء المباراة للحفاظ على سلامة اللاعبين.
وقد صدر حكما بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ بحق مشجع فريق نيس الذي اعتدى على ديميتري باييت فيما تعرض مدرب نادي أوليمبيك مارسيليا لعقوبات لمشاركته في الشجار.
وفي منتصف سبتمبر / أيلول الماضي، شهد دربي الشمال بين "لنس" و "ليل" أحدث فوضى عقب اقتحام بعض من مشجعي "لنس" أرض الملعب بين الشوطين لمواجهة مشجعي الفريق المنافس ما أدى إلى وقوع أعمال عنف بين الطرفين.
وبعد مرور أقل من شهر على هذه الواقعة، أصيب 16 من مشجعي نادي "بوردو" عقب تعرض حافلتهم لهجوم في مدينة مونبلييه الفرنسية قبل مباراة فريقهم ضد "مونبلييه" في إطار منافسات الجولة السابعة من الدوري الفرنسي.
كذلك شهدت مواجهة "مارسيليا" ضد نادي "أنجيه" أحداث شغب بعد أن انخراط جماهير الفريقين في اشتباكات على أرض الملعب.
بدوره، قال نيكولاس أوركيد إنه من المؤكد أن هناك "زيادة في الإثارة بين الجماهير الكروية عقب عودتهم إلى الملاعب، لكن الأمر لا يقتصر على فرنسا. اعتقد أن بعض المشجعين ومجموعات الألتراس أصبحوا أكثر تطرفا".
وفي مقابلة مع DW، أضاف "توجد مشاكل بشكل متزايد بين بعض المشجعين والعناصر التي تدير الأندية التي يشجعونها حيث يعتقد بعض المشجعين أن أطقم الإدارة لا تعمل بصدق لصالح فريقهم. هذه شكوى مشروعة و نرصدها في جميع أنحاء أوروبا، لكنها في بعض الأحيان تخرج عن نطاق السيطرة وتتفاقم كما رأينا خلال مباراة سانت إيتيان ضد أوكسير".
استراتيجية الشرطة "قديمة"
يرى رونان إيفين، مدير مجموعة "FSE" أو ما تُعرف بـ "أنصار كرة القدم في أوروبا"، أن التصعيد الأخير خلال مباراة سانت إيتيان كان مرتبطا بتوترات تزايدت في السنوات الأخيرة بين إدارة النادي والمشجعين. وقال إيفين، الذي يعد أحد مشجعي نادي "نانت" الفرنسي، إن حوادث الشغب التي شهدتها الملاعب الفرنسية ترتبط بشكل أكبر بالأحداث التي وقعت خلال منافسات النصف الأول من الدوري.
وعزا إيفين ذلك إلى تبني الشرطة الفرنسية استراتيجية اعتبرها "قديمة" في التعامل مع الجماهير الغفيرة خلال مباريات كرة القدم.
وفي مقابلة مع DW، أضاف أن الأمر يبدا من وهم وافتراض أن مشجعي كرة القدم الضيوف "هم من مثيري الشغب"، مضيفا أن الشرطة الفرنسية السبت الماضي "لم تكن تتعامل مع مشجعي ليفربول على أساس أننا في عام 2022 بل كان في أذهانهم مشجعي النادي الإنجليزي في ثمانينيات القرن الماضي".
وكان إيفين يشير في حديثه إلى حادثة هيلزبره عام 1989 والتي كانت أحد أدمى الحوادث الكروية في بريطانيا وأوروبا بعد تسببها في وفاة 96 شخصا لقوا حتفهم في تدافع فيما فاقت حضور الجماهير سعة المدرج خلال مواجهة ليفربول ونادي نوتنغهام فورست في نصف نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي.
ويرى خبراء في الشأن الكروي في فرنسا أن الشرطة ترد على أي تهديد محتمل قد يكون مصدره جماهير الساحرة المستديرة التي تسافر لتؤازر فرقها بحظرها بشكل جماعي ومنعها من حضور المباريات، وهو ما يعد بالأمر المألوف والمعتاد في كرة القدم الفرنسية، حيث في بعض الأحيان يُجرى إصدار قرار الحظر قبل وقت قصير من انطلاق المباريات.
وفي ذلك، قال إيفين إنه مع بداية الموسم، بدأت فرنسا في عودة تبني "نهج الشرطة القمعي حيث فرضت في إطار ذلك عقوبات جماعية وحظرا شاملا على سفر الجماهير. لكننا شهدنا السبت الماضي تراجعا إلى نهج قمعي قوامه استخدام القوة في ظل وجود أعداد كبيرة من عناصر وسيارات الشرطة في كل مكان".
ورغم ذلك، أشار إيفين إلى أن الأمر كان أشبه باستعراض للقوة من جانب الشرطة الفرنسية، مضيفا أن نهج السلطات المألوف في حظر الجماهير قد جعل الشرطة غير مستعدة للتعامل مع الحشود الكروية الغفيرة. وقال "إن فرنسا باتت غير قادرة على إدارة وتنظيم حضور ما بين 50-100 مشجع لمشاهدة فريقهم خارج أرضه في دوري الدرجة الثالثة، فما الحال عن حضور عشرات الآلاف في نهائي دوري الأبطال".
واتفق في هذا الرأي عالم الاجتماع نيكولاس أوركيد الذي شدد على أن هذا النهج يؤدي إلى نتائج عكسية.
وقال " في البداية هذه (العقوبات الجماعية) تبدو غير عادلة بحق الجماهير التي لم ترتكب أي خطأ. وثانيا هذا النهج أثبت عدم فعاليته إذ يمكن منع الجماهير من دخول الاستاد، لكن لا يمكن حظر الجماهير مثيري الشغب فسوف يعودون".
وأضاف "يمكن تفسير ما وقع السبت الماضي في باريس في إطار تبني ممارسة متمثلة في استخدام العقوبات الجماعية. لم تتمكن الشرطة من التفريق بين الأشخاص مثيري المشاكل وبين الأشخاص الآخرين العاديين. هذا الأمر يمثل مشكلة خطيرة".
"تذاكر مزورة"
أما الجانب الفرنسي الرسمي، فقد خرج وزير الداخلية جيرالد دارمانان ليؤكد على رواية الحكومة لتطور الأحداث، حيث أرجع أعمال الشغب خلال نهائي أبطال الدوري إلى عمليات احتيال وتزوير، فيما تحدثت وزيرة الرياضة أميلي أوديا كاستيرا عن أن ما بين 30 إلى 40 ألف مشجع كانوا بدون تذاكر أو معهم تذاكر مزورة.
بيد أن صحافيين حضورا المباراة فندوا هذه الرواية فيما شبه إيفين رد الحكومة الفرنسية على أزمة نهائي دوري أبطال أوروبا بما أقدمت عليه الحكومة البريطانية عقب كارثة هيلزبره.
وعلى وقع هذه الحادثة، أعلن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم البدء في تحقيق رسمي وهي خطوة قال إيفين "إنها تأتي في الاتجاه الصحيح"، لكن هذه الإشادة لم تحول دون توجيه انتقادات.
وقال "مخاطر إقامة مباراة في استاد دو فرانس لم تكن مجهولة، إذ كانت هناك مشاكل تتعلق بوسائل المواصلات والإجراءات الأمنية... لكن من الواضح أن لدى الويفا أولويات أخرى".
بدوره، دعا أوركيد القائمين على الكرة الفرنسية إلى ضرورة الاستفادة من خبرات البلدان الأوروبية الأخرى في تنظيم المباريات، مضيفا "يتعين عليهم ان يحذوا حذو بريطانيا وألمانيا ويدركوا أن كرة القدم هي قضية سياسية مهمة تتطلب نهجا سياسيا حقيقيا تتعاون فيه السلطات المحلية والشرطة والأندية والمشجعين".
وأضاف أن الوضع الراهن يشير إلى غياب "خطة متماسكة لإدارة ملف مشجعي كرة القدم."
مات فورد / م ع