السلاح الغربي للشرق الأوسط .. إذكاء أم احتواء للصراعات؟
٢٦ سبتمبر ٢٠٢٠على مدار الخمس سنوات الماضية شكلت صادرات الأسلحة الغربية الجزء الأكبر مما استوردته دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من السلاح، حسب تقرير نُشر مؤخراً لـ"مركز السياسة الدولية" (CIP)، الذي يقع مقره في واشنطن.
وحازت الولايات المتحدة نصيب الأسد بحصة بلغت حوالي 50 بالمئة، ومن ثم روسيا بواقع 17 بالمئة. وفازت فرنسا وبريطانيا وألمانيا بما يقارب 24 بالمئة من مشتريات دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من السلاح.
وفي تقريره أشار المعهد الأمريكي، الذي يدعو إلى السلام العالمي، إلى أن صادرات السلاح "عادة ما توصف بأنها قوة استقرار ووسيلة لتقوية التحالفات ولمواجهة إيران، أو بشكل أعم كأداة لخلق توازن يجعل اندلاع الصراع أمراً أقل احتمالية".
صب الزيت على نار الصراعات
الأسلحة الخفيفة وغيرها من المساعدات العسكرية كان لها دور في إدامة الصراع، لكن أنظمة السلاح الكبيرة لعبت دوراً تدميرياً شاملاً في المنطقة، كما يرى وليم هارتنغ واضع التقرير ومدير مشروع السلاح والأمن في المعهد. "تسبب القصف الجوي والمدفعية طويلة المدى في موت عشرات آلاف المدنيين بشكل مباشر، وبشكل غير مباشر وفي مصرع مئات الآلاف عند أخذ قصف البنى التحتية بعين الاعتبار"، يقول هارتنغ.
وساهمت مبيعات الأسلحة البريطانية والأمريكية من طائرات مقاتلة وقنابل وعربات مدرعة لكل من السعودية والإمارات في استمرار الحرب في اليمن التي أسفرت عن مقتل أكثر من 100 ألف قتيل.
وفي مصر استخدمت الطائرات النفاثة والمروحية والدبابات التي تزود واشنطن القاهرة بها في "ما يسمى الحرب على الإرهاب في شمال سيناء، ولكن في الواقع تحولت الحرب هناك إلى حرب شاملة على السكان المدنيين في تلك المنطقة"، يلحظ التقرير.
وانتهى المطاف بالأسلحة الأمريكية في أيدي الأطراف المتنازعة في العراق واليمن وسوريا وليبيا.
ولعبت الأسلحة الروسية أيضاً دوراً في الحربين الأهليتين في سوريا واليمن. كما ساهمت الأسلحة المرسلة من تركيا والإمارات في مفاقمة الحرب الليبية. وأشارت تقارير إلى أن بعض تلك الأسلحة المرسلة صنعت في الولايات المتحدة الأمريكية، حسب Small Arms Survey وهي منظمة مقرها جنيف.
أسلحة لتقوية التحالفات؟
في حزيران/ يونيو قال الجنرال كينيث مكينزي، قائد القيادة المركزية الأمريكية، وهي واحدة من أحد عشر قيادة عمليات في الجيش الأميركي، إن مبيعات السلاح إلى الشرق الأوسط ساعدت الزبائن هناك في عدم الاعتماد أكثر على الصين وروسيا في مشترياتهم من العتاد القتالي.
غير أن مراقبين يقولون إنه حتى ولو خفضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مبيعاتهما من السلاح للمنطقة، من غير المرجح أن تسعى بكين وموسكو لملأ الفراغ، نظراً للإجراءات الدولية الرامية لإبقاء صناعتهما التسليحية تحت السيطرة. "سيكون من الصعب جداً على روسيا والصين القيام بملئ سريع للفراغ الناتج عن أي خطوة مشتركة لتقليل صادرات السلاح للمنطقة"، يقول روبرت ماسون، الخبير في الطائفية وحرب الوكلاء في جامعة لانكستر البريطانية.
ستواصل الإجراءات الأمريكية، مثل "قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات" والموقع من الرئيس دونالد ترامب في عام 2017، الضغط على الدول التي تشتري من روسيا، يوضح ماسون، ويواصل قائلاً: "تخضع الصين لعقوبات ثانوية. وربما يتم معاقبة تركيا لشرائها صواريخ إس-400 من روسيا. وعلى زبائن روسيا الآخرين كمصر والهند والجزائر التفكير في تلك المخاطرة، او حتى تلك الدول التي شرعت بالتعاون التقني مع موسكو كالسعودية وتركيا والإمارات".
ويرى خبراء أن مبيعات السلاح لم تحقق سوى تشجيع الأنظمة الموجودة في السعودية والإمارات وأن دعم النظم القمعية أعد المسرح لحالة عدم الاستقرار في المنطقة. "ربما نحقق بعض المكاسب قصيرة المدى، لكن على المدى الطويل ستحدث نتائج مخيفة"، حسب ما يرى جودي فيتوري الباحث في مؤسسة كارنينغي والمقدم السابق في سلاح الجو الأمريكي.
سوق رئيسي
يسلط تقرير "مركز السياسة الدولية" (CIP) الضوء على مدى اعتماد الدول الرئيسية المصدرة للسلاح في الغرب على سوق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ثلاثة من أكبر خمسة دول غربية مزودة للسلاح في المنطقة، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، تصدر أكثر من نصف مبيعاتها من السلاح للمنطقة والنصف الباقي لدول العالم الأخرى.
وبالنسبة لألمانيا، تستورد المنطقة نصف مبيعاتها من السلاح."السؤال هو: ما المدى الذي يشغله التفكير الاستراتيجي الأمني في اتخاذ القرار في بيع السلاح للشرق الأوسط؟ أم أن العائدات الاقتصادية المباشرة وخلق الوظائف هي الدافع وراء بيع السلاح لتلك الدول؟"، يتسأل بيتر فيزيمان، الباحث الرئيسي في "معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي".
ومع اقترب موعد الانتخابات الأمريكية في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر القادم أصدر تقرير "مركز السياسة الدولية" (CIP) توصيات للمشرعين الأمريكيين بالحد من تدفق السلاح وتأسيس هيئة لمراقبة مبيعات السلاح. ولكن يبقى السؤال: ما الذي يمكن أن تفعله الدول الأوروبية من جهتها لإيقاف دورها في زيادة نار الصراعات، وتحافظ في الوقت نفسه على شراكاتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟ "من المهم أن تجعل الدول الغربية تصدير السلاح لأي منطقة، وخاصة الشرق الأوسط، جزءاً من استراتيجية امنية شاملة وأن تتأكد ألَّا يكون دافعها المصالح الاقتصادية فقط، وإلا فسوف ترتد النار عليها"، يختم الباحث بيتر فيزيمان من "معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي" حديثه.
توم إليسون، لويس ساندرز/ خ.س