"صنع في بريطانيا": إرهاب جديد عالمي التوجه، محلي الجذور
١١ أغسطس ٢٠٠٦مازالت محاولات اختطاف الطائرات البريطانية تتفاعل على الساحة البريطانية والدولية على حد سواء. وقد طرحت هذه العملية العديد من الأسئلة من جديد عن الأسباب والدوافع من وراء هذه العمليات وعن الخلفيات الثقافية التي جاء منها المخططون. قضية كبرى بحاجة إلى الغوص في السياسات البريطانية الداخلية والخارجية لفهم أسباب وقوع هؤلاء الشباب في شرك التطرف. هذه التساؤلات تأتي على خلفية إحباط الشرطة البريطانية يوم الخميس خطة كبيرة لتفجير طائرات في الجو أثناء تحليقها بين بريطانيا والولايات المتحدة. فقد ذكرت مصادر الشرطة ان الخطة التي كانت تشتمل على إخفاء عبوات ناسفة في حقائب يدوية في "محاولة لارتكاب جريمة قتل جماعي على نطاق لا يمكن تخيله."
ومن جهته أعلن وزير الداخلية البريطاني جون ريد، أن الخطة الإرهابية كانت تهدف إلى "إسقاط عدد من الطائرات عن طريق تفجيرها في الجو لتسبيب خسائر فادحة في الأرواح". وفي ضوء ذلك فقد عمت الفوضى في مطار هيثرو جراء ذلك وكذلك تشوشت حركة الطيران من المملكة المتحدة وإليها. وفي ضوء ذلك تم تعزيز الإجراءات الأمنية في المطارات البريطانية، حيث لم يعد يسمح للمسافرين بحمل الأمتعة اليدوية والأجهزة الالكترونية ويسمح لهم فقط أمور مثل المفاتيح وحافظات النقود في حقيبة شفافة.
تفاصيل العملية
وحسب المصادر التي تناقلتها الصحف المختلفة فإن المخططين لهذه العملية كانوا ينوون تهريب مواد كيماوية سائلة متفجرة في زجاجات، الجزء العلوي يحتوي على المشروب وتحتها المواد السائلة المتفجرة، لدرجة أنه يمكن الشرب منها للتعمية على ما هو موجود في أسفل الزجاجة. فقد تمّ صبغ مادة بروكسيد باللون الأحمر حتى يسهل إخفاؤها مع المشروب. هذه المواد يمكن تفجيرها بواسطة إشارات تنبعث من هواتف نقالة أو كاميرات رقمية. وقد أشار الخبراء إلى أن مزج مثل هذه الكيماويات يتطلب أخصائيين مهرة في الكيمياء في عمليات المزج والتركيب.
وكذلك مثل هذه المواد ليس من السهل على أجهزة المراقبة والتفتيش في المطارات اكتشافها. وقد أثار الكشف عن تفاصيل العملية تساؤلا كبيرا عن توفر تكنولوجيا متقدمة للمخططين وأن الانترنت تشكل اليوم أيضا خطرا كبيرا، إذ تحتوي العديد من المواقع على معلومات مفصلة عن كيفية تصنيع المتفجرات، الأمر الذي يؤدي إلى وقوع هذه المعلومات بين أيدي الإرهابيين. وحسب المخطط، كان من المفترض أن يتوزع المنفذون في مجموعات صغيرة على الطائرات تتراوح أعدادهم ما بين شخصين إلى ثلاثة.
المشتبه بهم مواطنون بريطانيون
ولكن الأمر الذي يقض مضاجع البريطانيين هو أن المشتبه بهم في العملية من الذين تم إلقاء القبض عليهم هم من البريطانيين. وقد أشار بعض المسؤولين البريطانيين بأصابع الاتهام إلى بريطانيين إسلاميين. فقد أكد ستيفنسون، نائب رئيس شرطة لندن، ان "أشخاصا ربما يختبئون ضمن مجتمع معين خلف معتقدات معينة هم وراء الخطة." ونقلت وكالة "برس اسوشييشن" البريطانية عن مصادر رفيعة في الشرطة أن معظم المعتقلين "هم من اصل باكستاني الا أن معظمهم ان لم يكن جميعهم بريطانيون."
وقد تحدثت الصحف البريطانية عن أن اثنين من المعتقلين هم من أصول بريطانية ينحدرون من أبناء الطبقة الوسطى تتراوح أعمارهم ما بين 21 و25 سنة، أحدهم اعتنق الإسلام من فترة وجيزة. وتحدثت الأنباء عن أحد المعتقلين يعمل موظفا في مطار لندن، حيث يملك تصريحا خاصا يمكنه من التجول في كافة أجزاء المطار بحرية. وقد أشارت محطة سكاي نيوز إلى أن أمّا في مقتبل العمر من بين المعتقلين. والعدد الأكبر من المعتقلين ينحدرون من أصول باكستانية لعائلات مهاجرة إلى بريطانيا. وقد تم الكشف عن هذه الخلية بتعاون مشترك بين أجهزة الاستخبارات الباكستانية والبريطانية. فقد قدمت الاستخبارات الباكستانية معلومات مهمة وحيوية في الكشف عن هذا المخطط والتي قادت في النهاية إلى اتخاذ هذه الإجراءات من قبل السلطات البريطانية.
صحيفة "تايمز: "الإسلام يعاني من أزمة هوية يجب أن يكافحها"
وعن كون المعتقلين من أصول بريطانية، أخذ النقاش من جديد عن سبب ذلك. الهجمات على أمريكا كانت من الخارج، أما من بريطانيا فهي تصدر الإرهاب إلى نفسها وليس أدل على ذلك من تفجيرات لندن والكشف عن مخطط تفجير الطائرات. هذا الأمر، كما أشارت صحيفة ديرشبيغل الألمانية الواسعة الانتشار يطرح مسألة اندماج الشباب المسلم في المجتمع البريطاني، خاصة وأن الحديث يجري عن أبناء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين وكذلك تأثير الأحداث السياسية في الشرق الأوسط عليهم ، بالإضافة إلى الموقف السياسي البريطاني من هذه الأحداث. وفي ضوء ذلك، هل ستدفع الأحداث الأخيرة الحكومة البريطانية إلى سن قوانين جديدة لمكافحة الإرهاب، الأمر الذي سيثير حفيظة منظمات حقوق الإنسان، بوصفها قد تصادر الحريات المدنية.
وفي هذا الإطار، قالت الصحيفة "الغارديان" إن "الرد الجدي يجب أن يعترف بأن الانتقاد والنقاش والمبادئ الليبرالية هي حلفاء وليست أعداء في قتال الإجرام".فقد قالت صحيفة "الاندبندنت": "طريقة مكافحة الإرهاب تتم عن طريق جمع الاستخبارات بطريقة متطورة ومن خلال عمل الشرطة وليس من خلال المسارعة الى فرض القوانين القمعية التي طالما كانت طريقة الحكومة في الرد. ومثل هذه الأحداث تفتح الباب على مصراعيه إزاء الجالية المسلمة في بريطانيا، حيث ذكرت صحيفة "تايمز" في افتتاحيتها أن "الإسلام يعاني من أزمة هوية يجب أن يكافحها"، مبينة أن "نوعا من الإسلام هو خليط من هرمونات الشباب والمعتقدات الدينية التي تدعو ألى القتل قد أصاب أقلية الشباب المسلمين." وقد رأى خبير دويتشة فيله في الشؤون الشرق أوسطية، بيتر فيليب، بأن" الأقلية المسلمة في بريطانيا تعاني من قلة الاندماج والانخراط في المجتمع البريطاني ونظرة التشكك إليهم" تساهم في توجهاتهم هذه. وكذلك رأى بأن " الحرب على لبنان وغزة تدفع بهم نحو التطرف" و رأى الخبير بأنه" لا يمكن الانتصار على الإرهاب بالوسائل العسكرية".
بيك شتاين: "يجب أن نبقى يقظين"
تفاعلت على الساحة الألمانية أخبار الكشف عن تفجير الطائرات البريطانية وتنوعت ما بين الأحزاب الألمانية المختلفة، إذ أخذت تطرح العديد من الأسئلة مثل: هل ألمانيا في مأمن من هذه الأخطار؟ وهل من سياسات أمنية يقتضي إتباعها لمواجهة مثل هذه الأخطار؟. وفي هذا الإطار، طالب هارموت كوشكي من الحزب الاجتماعي المسيحي في تصريحات نقلته عنه صحيفة "فايننشال تايمز دويتشلاند" بضرورة"إغلاق الثغرات الأمنية في النظام الأمني الألماني وسن تشريعات وقوانين تستجيب لمثل هذه التحديات." وبدوره قال وزير داخلية بايرن،جونتنر بيك شتاين، قي مقابلة أجرته معه صحيفة :باساور نوين بريس" بأنه" يجب أن نبقى يقظين وضرورة أن يعاد النظر في منظومة الأمن الداخلي في ألمانيا."
ومن جهة أخرى، رفض حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر سن قوانين ضد مكافحة الإرهاب، فقد قال بدوره السياسي هانز كريستيان من حزب الخضر في مقابلة مع "فايننشال تايمز دويتشلاند" بأنّ" سن قوانين جديدة ضد مكافحة الإرهاب لن يجلب مزيدا من الأمن وهو أقرب ما يكون إلى سوء استخدام للحريات منه إلى جلب الأمن". ومن جهتها عبرت سابينا لويتهويسر من الحزب الديمقراطي الحر عن رفضها لسن مزيد من التشريعات بقولها:"لدينا نظام عال من الأمان والكثير من الإجراءات الوقائية"، كما قالت لصحيفة "برلينر زايتونج". ومن ناحية أخرى، ظهرت أصوات تدعو إلى تحسين الأوضاع المعيشية للعاملين في المطارات. ففي هذا السياق طالب عضو البرلمان الألماني عن حزب لخضر، بيتر هيتلش بضرورة"تحسين أجور" العاملين في أمن المطارات، حيث يكثر الترشيد في الإنفاق إذا ما أراد المرء تحسين الوضع الأمني.
وفي تعليقات الصحف الألمانية على كون المتورطين من أصول بريطانية، رأت صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" الواسعة الانتشار بضرورة التوحد إزاء هذا الخطر الداهم بقولها: "لقد بدأ التفكير داخل بريطانيا حول أن الكثير من المعتقلين هم من المولودين في بريطانيا نفسها. والبريطانيون لا يستطعيون أن يعزّوا أنفسهم كما فعل الأمريكيون بعد اعتداءات نيويورك وواشنطن بأن العدو الذي استهدف حياتهم هو عدوّ خارجي، ولا يمكن مواجهته إلا من خلال الوحدة الداخلية."