صواريخ بوتين لإيران تشعل سباق تسلح في منطقة ملتهبة
١٦ أبريل ٢٠١٥الإعلان الروسي عن رفع الحظر على تسليم إيران صواريخ "إس 300" يفسره مراقبون بأنه رسالة تجارية وسياسية متعددة الأوجه موجهة إلى طهران والغرب على حد سواء. وأثار إعلان الكرملين عن رفع الحظر على تسليم هذه المنظومة الصاروخية، التي تعادل أو تتفوق على صواريخ باتريوت الأميركية القادرة على إسقاط الطائرات واعتراض الصواريخ، موجة من ردود الفعل في أجواء سياسية وإستراتيجية متوترة.
ففي حين انتقدت ألمانيا على لسان وزير خارجيتها فرانك فالتر شتاينماير قرار توريد أنظمة دفاع جوي روسية طراز إس 300 إلى إيران، معتبرا أن المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي "لم تنته بعد وبأن توزيع المكافآت هو أمر سابق لأوانه"، قلل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خطورة تسليم إيران منظومة صاروخية متطورة معتبرا أن هذه الصواريخ هي مجرد أسلحة دفاعية.
الباحث في مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية بشير عبد الفتاح أكد في حوار مع DWعربية أن تسلم إيران للمنظومة الصاروخية الروسية "لن يؤثر في أمن المنطقة العربية"، إذ أن مصر تسلمت هذه الصواريخ الروسية قبل إيران. فهي لن تكون ملكا حصريا لإيران، كما أن صفقة الصواريخ تعود للعام 2007 وجمدت في العام 2010 وتم إحياؤها الآن بعد المفاوضات الإيرانية الغربية حول الملف النووي.
إلا أن سمير صالحة، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في جامعة إسطنبول أكد لـ DW عربية أن تسلم إيران لمنظومة الصواريخ المتطورة تحمل دلائل خطيرة، فتسليم هذا السلاح ينبغي أن يقاس بمعيار 2015. فالمنطقة تشهد تغييرات سياسية كبيرة، والمعادلات والتركيبات السياسية تختلف الآن عن ما كانت عليه الأوضاع الأمنية في العام 2007. ويضيف صالحة أن مصر حصلت على الصواريخ المتطورة "عبر اتفاق استراتيجي أمني مع روسيا" بينما إيران "تأخذ السلاح الروسي، بدون أية شراكة أمنية روسية". إيران تريد أن تكون "قوة عسكرية مستقلة تدافع عن مصالحها فقط.
تسابق للتسلح في منطقة الشرق الأوسط
ويخشى مراقبون أن يقود سباق التسلح، إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين إيران وخصمها التقليدي المملكة السعودية، وذلك في ظل تهافت دول المنطقة على التسلح. حيث أشارت دراسة إحصائية حديثة لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن المنطقة العربية شهدت ارتفاعا كبيرا على شراء الأسلحة بنسبة مقدرها 57 في المائة خلال السنوات العشر الماضية. واحتلت السعودية المرتبة الأولى عربيا بعد إنفاقها لمبلغ 80.8 مليار دولار من أصل 196 مليار دولار شهدها الإنفاق العسكري في منطقة الشرق الأوسط.
ويؤكد محمد بن عبد الله آل زلفة، عضو مجلس الشورى السعودي السابق لـ DW عربية أن هدف السعودية من شراء الأسلحة دفاعي في مواجهة التحدي التي تمثله إيران. ويضيف السياسي السعودي قائلا إن "الرياض تبحث عن رادع تحمي به نفسها من الأطماع الإيرانية، وليس لأغراض هجومية".
وهذا ما ينسجم مع ما أعلنته السعودية بشأن مفاعلاتها النووية 16 المزمع إنشاؤها بتكلفة تقديرية تبلغ 300 مليار دولار "بأنها ستوجه مفاعلاتها النووية لتوليد الكهرباء والأغراض السلمية فقط"، وذلك وفق صحيفة المدينة السعودية. ويرى آل زلفة أن إيران أثبتت أنها "تنتهج التصعيد السياسي والعسكري" من خلال محاولات تطويق المملكة، كما في العراق واليمن وهو ما أدى إلى الرد السعودي بعاصفة الحزم، في اليمن، والذي يهدف إلى "كسر النفوذ الإيراني في المنطقة".
"تقارب إيراني إسرائيلي محتمل"
ولا يستبعد آل زلفة من حصول أية مواجهة عسكرية مباشرة بين السعودية وإيران. كما يرى أن قوة الردع السعودية بالإضافة إلى أن دعم الدول العربية و تركيا وباكستان "لن يسمح بأي تعد على أراضي المملكة".
وهو الأمر الذي يؤكده صالحة بدوره، فهو يرى بأنه بالرغم من محاولات التهدئة التي اتبعتها كل من تركيا وباكستان بعد "عاصفة الحزم"، يبقى أمن السعودية قضية إستراتيجية لتركيا ولباكستان. "وهو ما تفهمه إيران جيدا". لذلك فإن طهران، وكما يرى أستاذ القانون والعلاقات الدولية "لن تنجر إلى حرب مباشرة مع السعودية" بل أن منطقة الشرق الأوسط قد تشهد تقاربا جديا بين "إيران وإسرائيل، ما ينبئ بتغيير جذري في علاقات دول المنطقة".
ويشرح صالحة وجهة نظره بالقول إنه ما من أحد كان يعتقد أن إيران والولايات المتحدة ستجلسان وجها لوجها في مفاوضات 5 +1. وهو ما حصل. والآن تشهد العلاقات الإيرانية الغربية انفراجا وهو ما سيقود إلى "تقارب إيراني إسرائيلي حتمي في المنطقة". هذا التقارب قد يعزز من قوة إيران في المنطقة، فتركيز طهران على حلول عادلة للملف الفلسطيني في أية محادثات مستقبلية مع إسرائيل، بالإضافة لتحريكها للملفين اللبناني والسوري. سيجعل من إيران دولة إقليمية مؤثرة .
ويؤكد الباحث التركي أن ملفات عديدة نوقشت بعيدا عن الأضواء بين إيران والغرب في لوزان، ومن غير المعروف إن كانت إيران سترضى بتغيير في موقفها من الملف السوري ضمن إطار المحادثات النووية ورفع الحصار وهذا ما ستكشفه الأيام القادمة.
الشيء الأكيد أنه في حالة التوتر الذي يسود منطقة الشرق الأوسط فإن الخاسر الأكبر من سباق التسلح هي شعوب المنطقة جميعها. فبدلا من أن تساهم هذه المليارات في تطوير جذري للتعليم والصحة والسكن في المنطقة، فإنها تستخدم في الهدم، ولتستولي الدول الكبرى على أموال المنطقة بحجة الأمن. وهذا ما صرح به بوتين بعد انتقاد الدول الغربية لبيعه الصواريخ لإيران. بوتين قالها بصراحة: روسيا لها مصالح مالية قوية في صفقة الصواريخ البالغة 900 مليون دولار.