صيادان سنغاليان في إيطاليا.. حكاية هجرة مختلفة
١ يونيو ٢٠٢١"عندما وصلت إلى لامبيدوزا، اعتقدت أني قد أشاهد ربما قاربًا أو قاربين محملان بالمهاجرين يوميًا، لكن في الصيف، يصل 20 قاربًا أو أكثر كل يوم، لم أستطع تصديق ذلك"، يحكي إبراهيما مباي البالغ من العمر 41 عامًا لوكالة أسوشييتد بريس.
يتابع مباي ويقول "لو أخبرني أحدهم قبل مجيئي إلى هنا أن 20 أو 25 قاربًا يصلون كل يوم لم أكن لأصدقهم". ويختتم بالإيطالية بلهجة صقلية مبتسمًا: "شاهدت الأمر الآن بأم عيني، إنهم يغادرون أفريقيا ليأتوا إلى هنا".
وصل مباي إلى لامبيدوزا منذ عام ونصف، قبل ذلك كان يعيش في ميلانو لمدة أربع سنوات. الآن أصبح مباي واحداً من الصيادَيْنِ السنغاليَيْنِ اللذان يعملان على متن سفينة الصيد الإيطالية فينتشنزو بادري في لامبيدوزا.
جزء من المجتمع
إلى جانب مباي يعمل شاب من بلده اسمه والي سار. الشاب البالغ من العمر 30 عامًا أيضا يعمل بشكل قانوني هنا. إذ وصل إلى إيطاليا، منذ عشر سنوات بعد تعلم حرفة والده صيد الأسماك.
يعرف الاثنان أن حالتهما نادرة نسبيًا، مقارنة بعشرات الآلاف من المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى إيطاليا بالقوارب عبر البحر الأبيض المتوسط من شمال إفريقيا.
يقول والي سار "مجازفة كبيرة هي محاولة الوصول عن طريق البحر، لكن غالبية المهاجرين لا يفكرون في ذلك. كل ما يهم هؤلاء الأشخاص هو الوصول إلى هنا للعمل. فهم لا يفكرون في احتمال الموت في الرحلة، وإلا لن يفعلوا ذلك ".
الطرق القانونية للعمل نادرة ولكنها ممكنة
وصل الصيادان السنغاليان سار وصديقه مباي إلى إيطاليا بشكل قانوني، وهو ما أكده تقرير مصور لقناة يورونيوز نشرته عن الصيادين السنغاليين، ووفقا للتقرير فإن الرجلين أجبرا على ترك عائلاتهما في السنغال من أجل العثور على عمل في أوروبا. لكنهم أرادوا القيام بذلك بشكل قانوني.
وفي تصريحاتهم لفرانس برس، أكد سار ومباي أنهما لو لم يجدا طريقة قانونية للوصول إلى أوروبا، لكانا مجبرين أيضًا على عبور البحر.
غالبا ما ترسو السفينة التي يعمل على متنها السنغاليان مباي وصديقه سار في لامبيدوزا وتحديدا بالقرب مما كان يُعرف باسم "تل العار" (كولينا ديلا فيرجونيا).
تاريخ طويل
كان التل هو المطاف الأخير للعديد من المهاجرين التونسيين. هنا كانوا ينامون في العراء في عام 2011 بعد اندلاع الربيع العربي في بلادهم وقرارهم محاولة الهجرة إلى أوروبا.
ووفقا لتقرير نشرته منظمة العفو الإيطالية على موقعها عام 2011، فإن السفينة الإيطالية فينشنزو بادري تعمل بطاقم من الإيطاليين والسنغاليين. أنتونينو دي ماجيو هو قبطان السفينة ومعروف بلقبه نينو.
وفقًا لموقع منظمة العفو الدولية، فإن من بين العاملين على ظهر السفينة أيضا رجل سنغالي يُدعى سانا يعيش في إيطاليا منذ عدة سنوات يعمل جنبًا إلى جنب مع نينو وطباخ إيطالي يُدعى بينو. يعيش سانا في إيطاليا منذ عدة سنوات وهو معروف بأنه "مجتهد و لديه خبرة عالية في الصيد" بحسب شهادة نينو.
لفتات إنسانية
منذ عشرين عاما، يعمل نينو على متن سفينة فينشنزو بادري، إذ تعلم مهنة الصيد من والده عندما كان في السابعة من عمره. وبعد أن توفي والده استلم منصب قبطان السفينة. آنذاك كان نينو في العشرين من عمره.
على مدار 40 عاما من العمل في صيد الأسماك، كان أكثر ما يشغل نينو هو مراقبة قوارب المهاجرين. وأكثر ما لفت نظره في الفترات الأخيرة هو تزايد أعداد المهاجرين الوافدين إلى جزيرة لامبيدوزا وتحديدا إلى منطقة كولينا ديلا فيرجونيا والمعروفة بـ "تلّ العار"، وإلى جزيرة صقلية المجاورة أيضا. في البداية وتحديدا في عام 2011، وهو عام شهد وصول الكثير من المهاجرين عبر القوارب، شعر نينو - مثل العديد من سكان الجزيرة - أن الجزيرة قد تم "غزوها".
لكن الصدمة مما اعتبره سكان الجزيرة "غزوًا"، تحولت إلى مبادرات إنسانية فردية، وفقا لما أكدته منظمة العفو الدولية. وكان نينو من بين من حاولوا المساعدة أيضا. بدأ العديد من سكان الجزر في تقديم الرعاية والمساعدة للمهاجرين، من خلال تزويدهم بالملابس والطعام والماء والأحذية.
وفي تصريحه لمنظمة العفو الدولية، أكد نينو أنه سمح لمجموعة من التونسيين بالنوم في مرآب منزله. واشترى طعامًا لشاب ساعده في إصلاح سيارته ورفض قبول أي نقود مقابل ذلك. وكان يتيح للمهاجرين إمكانية شحن هواتفهم المحمولة حتى يتمكنوا من الاتصال وإخبار عائلاتهم أنهم وصلوا بأمان.
قانون البحار
لم يساعد نينو المهاجرين على اليابسة فقط، بل أخبر منظمة العفو الدولية أنه عندما كان يصطاد، كان يرى في كثير من الأحيان قوارب المهاجرين في مأزق. كان يتوقف ويحاول مساعدتهم. في بعض الأحيان كان يقوم بتوفير الماء والطعام فقط، ثم يتصل بفرق البحث والإنقاذ. غالبا ما تحتاج فرق الإنذار إلى وقت طويل للحضور، بل أحيانا كانت فرق الإنقاذ لا تحضر مبررين ذلك بأنهم تلقوا "إنذارًا كاذبًا". يقول نينو.
أخبر نينو منظمة العفو الدولية عن تجربته في مساعدة المهاجرين، مشيرا إلى أنه غالبًا ما كانت السلطات تنقذ الناس وتترك القوارب تطفو على البحر، وهو ما كان يشكل خطرًا على الصيادين، لأنه في كثير من الأحيان لا يتم تمييز القوارب بالرادار.
لا يزال نينو والطاقم يبذلون قصارى جهدهم لإنقاذ حياة من يحتاج ذلك. ليبقى الشعار المتداول على متن سفينة نينو هو "دافع عن حياة الإنسان أكثر من أي شيء آخر".
إيما واليس/ م.ب