ضريبة الكربون .. هل سيدفع أثرياء العالم ثمن إضرارهم بالبيئة؟
١٧ نوفمبر ٢٠٢٢ذكرت دراسة حديثة لمؤسسة "Autonomy" البحثية البريطانية أن الأغنياء الأكثر ثراء في بريطانيا أو ما يُطلق عليهم "فئة الـواحد في المائة الأعلى دخلا" مسؤولون عن نسبة انبعاثات من ثاني أكسيد الكربون في العام الواحد تعادل ما أطلقته الفئة الأدنى دخلا على مدار أكثر من 20 عاما، علما بأن الفئة الأدنى دخلا تمثل 10% من السكان.
وتتوافق نتائج تلك الدراسة مع أبحاث أخرى تُظهر أن الأغنياء الأكثر ثراء في العالم هم الأكثر تسببا في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، إذ كشفت ورقة بحثية قام بها لوكاس تشانسيل، الأستاذ في جامعة "ساينس بو" ( Sciences Po University) في فرنسا، عن أن الفئة الأدنى دخلا والتي تمثل 50٪ من سكان العالم تسببت في انبعاثات كربونية بنسبة 12٪ على مستوى العالم في عام 2019. وفي المقابل، قالت الورقة إن فئة الأعلى دخلا، التي تمثل 10% من سكان العالم تسببت في انبعاثات كربونية بلغت 48 بالمائة في نفس العام.
ويبدو أن نصيب الانبعاثات الكربونية التي يطلقها الأثرياء في البلدان الغنية تزداد بوتيرة أسرع منذ عام 1990، فيما انخفضت نسبة الانبعاثات من قبل الأفراد الذين ينتمون إلى الطبقات منخفضة ومتوسطة الدخل.
وفي ذلك، قال لوكاس في الورقة البحثية التي نشرها في سبتمبر / أيلول إنه "على عكس ما كان عليه الوضع عام 1990، فإن نسبة التفاوت العالمي في الانبعاثات على مستوى الفرد بلغت أكثر من 63 بالمائة فيما يرجع ذلك إلى الفجوة بين نسبة الانبعاثات داخل البلد الواحد وليس بين البلدان المختلفة".
السياحة والسفر
يشار إلى أن السياحة تعد مسؤولة عن حوالي 10٪ من انبعاثات الكربون العالمية، فيما تعد وسائل النقل مسؤولة عن نسبة 25 بالمائة.
وفي ذلك، قال ستيفان غوسلينغ، الأستاذ بكلية الأعمال والاقتصاد بجامعة لينيوس السويدية، إن قطاع الطيران الخاص يعد مسؤولا عن 4٪ من الانبعاثات الناجمة عن قطاع الطيران بشكل عام، فيما تعتبر اليخوت، خاصة الفاخرة، أكثر وسائل النقل استهلاكا للطاقة.
وفي مقابلة مع DW، أضاف أنه فيما يتعلق بالطعام فإن الاختلاف بين الأغنياء والفقراء "يعد محدودا بمقدار عامل من عشرة تقريبا، لكن عندما يتطرق الأمر إلى السفر والسياحة فإن الأمر يختلف تماما، إذ إنّ فردا يسافر بشكل متكرر على متن طائرة خاصة يتسبب في انبعاثات تبلغ عشرة آلاف ضعف بالنسبة لتلك التي يتسبب فيها شخص آخر يتنقل مستخدما دراجة ووسائل النقل العام".
وقال إن الاثرياء يمتلكون الكثير من المنازل وهذا العدد يعد مشكلة أيضا، مضيفا "يمتلكون عقارات في أماكن مختلفة من العالم ويقصدونها لقضاء بعض الأيام أو الأسابيع وفي الغالب يذهبون إليها بطائرات وقوارب خاصة".
وتحتل إيطاليا المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في عدد اليخوت الفاخرة التي ترسو على سواحلها، لكنها تأتي في مرتبة أدنى فيما يتعلق بالانتقال إلى امتلاك يخوت خاصة منخفضة الكربون.
وفي ذلك، قال ماورو موروني، مؤسس شركة "Elettrica Wave" الإيطالية للملاحة، إن هذا التحول البطئ في الانتقال إلى اليخوت منخفضة الكربون مقارنة بدول أخرى مثل هولندا يرجع إلى سياسات الحوافز والضرائب".
وفي مقابلة مع DW، قال إن شركته تقوم بتعديل القوارب واليخوت بأنظمة كهربائية أو هجينة، مضيفا أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يفرض قيودا على انبعاثات الملوثات لكن مع تقديم حوافز لتحويل أو شراء قوارب جديدة صديقة للبيئة.
ضرائب على الأغنياء
ويقول الخبراء إن الاثرياء يمكنهم من خلال السفر والسياحة فقط استنفاد غالبية ميزانيات الكربون اللازمة للحد من الاحترار العالمي.
وقال غوسلينغ إنه سوف يزداد عدد أصحاب الملايين من 51.8 مليون شخص في عام 2020 إلى 318.2 مليون شخص بحلول عام 2050 مع توقعات أن يتسببوا في انبعاث أكثر من 14 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا بحلول منتصف القرن.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ إذ يمكن للأثرياء التأثير على النقاشات العامة حيال المحافظة على البيئة.
وفي ذلك، قال غوسلينغ إن الأثرياء يمتلكون نفوذا على السياسيين وعلى الإعلام من أجل الترويج بأنهم سيعملون على الحد من الانبعاثات الكربونية عن طريق السفر بطرق أقل ضررا باليئية، "لكن من غير المرجح حدوث ذلك".
وشدد على أن فرض ضرائب على الأغنياء قد يعد حلا خاصة في ظل ارتفاع معدلات التضخم في العالم، فيما طرح خبراء فرض ضرائب على الأفراد وفقا لانبعاثاتهم من الكربون.
وفي ذلك، قال جاك كيلام، رئيس تحرير مؤسسة Autonomy، إنه لو كان قد جرى في السابق "تحديد ضريبة الكربون عند 115 جنيه استرليني (135 دولار) لكل طن من الكربون وجرى فرض ذلك على الأشخاص الأثرياء من فئة الـواحد في المائة الأعلى دخلا في الفترة بين عامي 1998 و 2018، لكان بالإمكان جمع 126 مليار جنيه استرليني."
وأضاف "هذا الرقم كان سيكون كافيا لمضاعفة محطات الطاقة الشمسية الحالية ثلاث مرات وضخ استثمارات بمعدل خمسة أضعاف في مجال طاقة الرياح في المملكة المتحدة".
يشار إلى أن العديد من الدول الأوروبية وبعض الولايات داخل أمريكا والصين قد بدأت في تنفيذ ما يُطلق عليه نظام تداول الانبعاثات، الذي يسمح بإطلاق انبعاثات ضمن حدود وشروط معينة؛ لكنها تستهدف فقط قطاعات التصنيع كثيفة الكربون.
وفي هذا الصدد، ارتفعت أسعار تصاريح الكربون في الاتحاد الأوروبي على مدى السنوات العشر الماضية من حوالي 6 يورو إلى أكثر من 70 يورو للطن المتري من ثاني أكسيد الكربون وذلك رغم الانخفاض الأخير الذي نجم عن الاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية.
ورغم ذلك، يقول خبير الاقتصاد المناخي في كلية كولومبيا للأعمال، غيرنوت فاغنر، إن فرض ضرائب صريحة على الكربون في وقت يشهد العالم ارتفاعات "عند مستويات شبه تاريخية في أسعار الوقود الأحفوري يبدو وكأنه أمر مبالغ فيه".
وفي تعليقه على طريقة تقليل الانبعاثات الناجمة عن حركة الطيران، دعا فاغنر إلى القيام بإجراءات محددة مثل فرض رسوم على الأشخاص الذين يسافرون بشكل منتظم ومتكرر.
وقال فاغنر في مقابلة مع DW: "يحصل كل شخص سنويا على رحلة طيران واحدة مجانا، ذهابا وإيابا، مع تحمل المجتمع التكاليف الكاملة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون (عن هذه الرحلة). بينما يحتاج من يسافرون بشكل متكرر إلى دفع ما يعادل 600 دولار أو نحو ذلك مقابل كل طن من ثاني أكسيد الكربون، مما سيسمح بتعويض ثاني أكسيد الكربون عبر وقود الطيران المستدام".
ويتفق الخبراء على أنه على الرغم من أهميتها، فإن هذه المناقشات حول المخططات التجريبية لفرض ضرائب على فاحشي الثراء على الصعيدين الوطني والعالمي تعتبر هامشية في مؤتمر المناخ "COP27"، المنعقد في مصر الآن.
سيرجيو ماتالوتشي / م ع