طب صيني صديق للبيئة.. هل ينقذ الحيوانات المهددة بالانقراض؟
٩ أكتوبر ٢٠٢١في كل شهر، تقوم كالا وان، معلمة مدرسة في هونغ كونغ، بطهي حزمة من الأعشاب وجيلاتين جلد الحمار مع مسحوق من قرون الوعل لمدة 75 دقيقة، حتى تحصل على شراب داكن اللون. تغلق أنفها بيدها ثم تبتلع المشروب بسرعة، وتقول المعلمة البالغة من العمر 27 عامًا: "يمكن لهذه المادة أن تكون مغذية للدم، وتحسن في صحتي" مضيفة "أنها عادة ما تميل إلى تناول جرعات من هذه المادة خلال فترة الحيض".
الطبيبة المشرفة على المعلمة وان، وتدعى كريستين لي هي واحدة من ممارسي الطب الصيني التقليدي (TCM) الذين يصفون العلاجات التقليدية، لكل أنواع الأمراض ابتداء من نزلات البرد العادية إلى السرطان للكثيرين في هونغ كونغ.
ويشمل الطب الصيني التقليدي مجموعة واسعة من الأنشطة مثل الوخز بالإبر والنظام الغذائي والتمارين البدنية. وتهدف هذه العلاجات إلى إعادة توازن تدفقات الطاقة، المعروفة باسم "Qi"، في جسم الإنسان. وباستثناء الوخز بالإبر، والذي أصبح أمرا شائعا في أنحاء العالم، فإن العلاجات الأخرى للطب التقليدي تثير الكثير من الجدل، فحوالي 12٪ من الأدوية الموصوفة من قبل الممارسين الصينيين التقليديين مشتقة من الحيوانات. وغالبًا ما تشمل تلك الأجزاء، أجزاء من الحيوانات من الأنواع المهددة بالانقراض، مثل قشور حيوان البنغول وعظام النمر، وبعض أنواع وحيد القرن من اجل الحصول على قرونها، كما أن الأبحاث العلمية التي تبحث في فعالية هذا النوع من العلاج قليلة جدا. ومع ذلك، بلغ حجم سوق الطب الصيني التقليدي العالمي 434 مليار دولار (374 مليار يورو) في عام 2020، وفقًا لصحيفة تشاينا ديلي الحكومية الصينية.
وبالرغم من حظر الحكومتان الصينية والأمريكية استخدام معظم هذه المنتجات المستخلصة من أجزاء حيوانات مهددة بالانقراض، ومنع تجارتها الدولية بموجب "اتفاقية التجارة الدولية الخاصة بالحيوانات والنباتات البرية المهددة بالانقراض" (CITES) لا يزال الطلب مرتفعا عليها. وتبلغقيمة التجارة السنوية في قرن وحيد القرن حوالي 230 مليون دولار، وفقًا للأمم المتحدة. وهو ما يبين الحاجة لضرورة إيجاد طريقة لإمداد السوق بهذه لمكونات دون تعريض الحيوانات لخطر الانقراض.
وتقوم الشركات في جميع أنحاء العالم حاليًا بتجربة اللحوم المستزرعة، في الخطوة الأولى، يجب أخذ عينات صغيرة من الأنسجة من الحيوانات الحية. يتم الحصول على ما يسمى بـ "الخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدرات" (خلايا iPS) وبعدها. تزرع هذه الخلايا بدورها في المختبر لإنتاج أنسجة حيوانية اصطناعية. يوضح عالم الطب الحيوي كينيث لي: "يمكن استخدام هذا في تكوين خلايا عضلية أو أنسجة عظمية أو غضروف أو حتى دهون".
كينيث لي أستاذ بجامعة هونغ كونغ الصينية. قريبا سوف يتقاعد. ثم يخطط للانتقال إلى إسكتلندا لتأسيس شركته الخاصة للأنسجة الحيوانية. ويعتقد لي أنه بمساعدة الخلايا الجذعية يمكن إنتاج قرن وحيد القرن أو مخالب النمر أو زعانف القرش من أجل الحساء أو الدواء دون الحاجة إلى قتل هذه الحيوانات. وقال "لي" لـ DW: "أعتقد أن هذه عملية مشروعة يمكنها الحد من تجارة الحيوانات غير المشروعة". بيد أن الأستاذ الجامعي أقر بأن الموضوع يحتاج لسنوات عديدة قبل أن تصل مثل هذه المنتجات إلى السوق.
والعالم لي ليس الوحيد الذي يسعى إلى إنشاء شركة مختصة باستزراع للحوم في المختبرات وتصنيعها، حيث تعمل شركة Avant Meats الناشئة المختصة في هونغ كونغ على إنشاء بركة "مزرعة أسماك" خاصة بسمك الماو النادر، حيث يعتقد الكثير من الصينيين بفائدة هذا النوع من الأسماك، ويقولون أن له فوائد طبية كبيرة، حيث يساعد على سبيل المثال في علاج التهاب المفاصل لاحتوائه على الكولاجين.
ويعتقد كاري تشان، الرئيس التنفيذي لشركة Avant Meats:أن مثل هذه المشاريع تؤدي إلى تقليل عمليات الصيد الجائر، وستمنع من انقراض سريع للحيوانات، وكانت أنواع من أسماك توابوبوا النادرة والمعرضة للانقراض، وهي أسماك تعيش في خليج المكسيك، قد وصل سعرها في السوق الصينية السوداء إلى حوالي 46 ألف دولار للكيلو الواحد. ويجادل بعض مشجعي إنتاج هذه البدائل المختبرية، إذا كان بالإمكان إنتاجها في وقت ما بثمن بخس وبكميات كبيرة، فهذا من شأنه أن يخفض بشكل كبير أسعار علاجات الطب الصيني التقليدي المستندة إلى الحيوانات. عندها لن يعود الصيد الجائر والتهريب مجديًا لمرتكبي هذه الجرائم.
ولكن لا يعتقد الجميع أن هذه البدائل المستزرعة يمكن أن تساعد في حماية الحيوانات من الانقراض. تشومين تشو، الباحث في مختبر الحفاظ على الحياة البرية في جنوب غرب الصين بجامعة تشاينا ويست يعتقد أن: صناعة الخلايا مخبريا، يمكن أن تؤدي إلى زيادة الطلب على الحيوانات المهددة بالانقراض، كما أن هناك مشكلة أخرى تتمثل أمام القانون، فمع زيادة البدائل الاصطناعية في الأسواق، فإن ملاحقة ومقاضاة الاتجار غير المشروع في لحوم الأنواع المهددة بالانقراض يمكن أن تصبح أكثر صعوبة.
وفقًا لدراسة أجريت عام 2020، سيجرب حوالي 70 في المائة من الصينيين تناول اللحوم المصنعة مخبريا، وما يقرب من 60 في المائة من الذين تم استجوابهم سيشترون هذا اللحم أيضًا. ولكن هل سيحوز هذا اللحم على ثقة من يعملون في الطب التقليدي.
تقول كريستين لي، طبيبة الطب الصيني التقليدي، إن عيادتها في هونغ كونغ تفكر في استخدام منتجات من الأنسجة الحيوانية المزروعة في المختبر إذا كانت متوفرة. وقالت: "إذا تمكنت المنتجات الاصطناعية من الوصول إلى نصف فعالية نظيرتها الحقيقية، فهذه أخبار جيدة"
وبالنظر إلى الأدلة العلمية الضئيلة على فعالية هذه العلاجات، فقد يكون السؤال الأهم في كيفية إجراء هذه المقارنة، بيد أن المعلمة وان أعربت عن سعادتها في حال وجود بدائل مصنعة مخبريا، مؤكدة أنها ستجربها في حال نصحتها طبيبتها بذلك. وتوضح "أنا ضد قتل الحيوانات، لذلك أنا على استعداد لتجربتها".
ومع ذلك، فإن وان تشك في أن الجيل الأكبر سنًا سيقوم باستخدام هذه المكونات المصنوعة مخبريا واستبدال المكونات التقليدية من أجزاء الحيوانات، وتقول "أمي، على سبيل المثال، لا تثق بمثل هذه الأدوية الحيوانية المصنعة. بالنسبة لها، من المحتمل أن يظل جيلها متمسكًا بالعقاقير الحيوانية الحقيقية".
تشيرمين لي/ علاء جمعة