طيب تيزيني لـDW: طغيان الماضي هو سبب فشل الإسلام السياسي
١٥ أغسطس ٢٠١٨على خلفية النقاش الحالي الذي تشهده تونس واعتزام الرئيس التونسي قايد السبسي تقديم عدد من القوانين للبرلمان، والتي يرى فيها البعض أنها تتعارض مع نصوص إسلامية، كان لــ DW عربية هذا اللقاء مع الدكتور طيب تيزيني، الفيلسوف والمفكر السوري صاحب المشروع الفلسفي لإعادة قراءة الفكر العربي منذ ما قبل الإسلام حتى الآن. وفي ما يلي نص الحوار:
DW عربية: هل تعتقد أن المشروع الذي تطرحه تيارات الإسلام السياسي في العالم العربي قد فشل؟
أرى أن الفكر الذي تطرحه تيارات الإسلام السياسي قد تبدل عدة مرات على مدار العقود الماضية، ورغم ذلك فقد فشل. حاول هذا المشروع خلال هذه الفترة تبديل وتعديل أفكاره بما يعتقد أنه نوع من التطوير، ولكنه لم يستطع حتى الآن أن يحقق أي انتصار على الرغم من أنه كان مشروعاً ذو هيمنة واسعة في مرحلة ما بعد الاستقلال، حيث كانت هذه الفترة تكتسي أهمية خاصة لنهوض الفكر الإسلامي ومعه الفكر المدني في الوقت نفسه، وفيما تطور الثاني كثيراً، فشل الأول في تطوير نفسه.
طيب تيزيني: ما هي أسباب فشل مشروع تيارات الإسلام السياسي؟
هذا التيار يتحدث عن سياسة إسلامية يمكن استنباطها من النص الإسلامي أو من اجتهاد جديد، وبالتالي شروط البحث الإسلامي في هذا العصر الحديث كانت مرتبطة بدرجة كبيرة بمعطيات مرحلة سابقة، والمرحلة الجديدة لم تكن متطابقة مع ما ينبغي أن يحدث. لذلك يمثل هذا الأمر نقطة حاسمة في إخفاق المشروع الإسلامي لأنه مشروع ينطلق من معطيات سابقة تفتقد القدرة على المواءمة مع المرحلة الحديثة.
وحتى الآن يحاول كثير من الإسلاميين مجدداً أن يحسموا الموقف لصالحهم، لكن الأمور تنفلت من بين أيديهم لأنهم لم يهتموا كثيراً بالمقولة النبوية "أنتم أعلم بشؤون دنياكم"، وما كان يعنيه النبي محمد في هذه المقولة هي أن الناس أعلم بما هو ضروري ونافع لهم في مراحلهم التي يعيشون فيها أو بمعني آخر أنتم مطالبون بتقديم أجوبة راهنة على أسئلة تطرح في الزمن الحالي، فأحد أوجه الفشل ينطلق من عودة غير مدققة إلى نصوص من أزمنة سابقة، وهذا الأمر يتجدد دائماً ولذلك يفشلون دائماً.
لكن تيار الإسلام السياسي يقول بأنه يواكب العصر الحالي، وأن له رؤى تقدمية تتجاوز نصوص العصور القديمة؟
هذا غير ممكن لأن قراءتهم تبقى مرتبطة بمرجعية قديمة لم تعد محتملة راهناً، فليس هنالك موازنة بين السابق واللاحق، فالسابق يظهر دائماً قوياً في مخيلتهم وحتى مناقشاتهم، في حين أن اللاحق أو الراهن لديهم ضعيف ولا يأخذ صيغة دقيقة غير ملتبسة. من هنا تنشأ محاولات كثيرة للتطوير لكنها تفشل. ربما حاولت مصر أحياناً عبر الأزهر أن تقدم حلاً ما، لكنه أيضاً ظل رهين الماضي. والحقيقة أن المرحلة الراهنة بخصوصياتها لم تكن مهيمنة في المسائل التي تناولها الإسلاميون.
فغالباً ما يكون الماضي مهيمنهاً على الحاضر مع أن الحديث النبوي كان واضحاً للغاية، لكن يبدو أن الحنين للماضي وتفسيراته وتشريعاته كان أقرب لعقول تيارات الإسلام السياسي، وكأنها لا تريد أن ترهق نفسها في اجتهاد أو تشريع جديد يتوافق مع روح العصر وبدا وكأنهم قد نحوا تماماً فكرة "أنتم أعلم بشؤون دنياكم" جانباً، وبالتالي فالأمر ظل مرتبطا بالماضي فيما كان ظهور الحاضر خافتاً.
هل من الممكن بقراءات مختلفة ومتطورة للنصوص الدينية إيجاد حلول تتوافق مع روح العصر؟
نعم بالإمكان طالما هناك قراءة للنص. لكن اجتهاد الخطاب السياسي الراهن لدى جماعات الإسلام السياسي في العالم العربي غير دقيق، بل إنه فاشل لأنه لم يستطع أن يتعامل بمرونة مع النص الديني نفسه، حيث أعطى الحديث النبوي مساحة كبيرة من الحرية للتفكير والاجتهاد. كما فشلت تيارات الإسلام السياسي في وضع هذا الحديث في صيغته المتوافقة مع روح العصر وظلت حبيسة تفسيرات قديمة.
من هنا نرى أن الماضي عندهم أكثر حضوراً من الحاضر في كل أفكارهم ومناقشاتهم، بل وحتى في محاولاتهم للاجتهاد، وهنا تكمن نقطة الفشل التي نطمح إلى تجاوزها.
أجرى الحوار: عماد حسن