ظاهرة العبيد في الجزائر – تقاليد قبلية عتيقة في عصرالعولمة
٢٦ فبراير ٢٠١٤تنقلت مراسلةDW عربية إلى الجنوب الجزائري وبالضبط الى ولاية أدرار وولاية تمنراست ، وهناك شاهدت نساء الطوارق اللواتي يلبسن الزي التقليدي المعروف باسم "تيسغنس"، وخلفهن شبان وأطفال من ذوي البشرة السوداء، لا يتجاوز عمرهم 16 عاما وهم يحملون أكياس ثقيلة على رؤوسهم.
عنصرية تجاه أطفال ذوي البشرة السوداء
يتكرر هذا المشهد في العديد من المناطق، وفي مدينة "برج باجي مختار"، الواقعة في أقصى الجنوب الجزائري وهي مدينة حدودية تبعد نحو 18 كلم عن مالي. اقتربنا من السيدة "ترقية" بلباسها التقليدي الأبيض وكانت داخل محل لبيع العطور واللباس التقليدي بالمنطقة وسألناها " هل هذا ولدك؟"، فردت غاضبة " ، ولدي!، أترضون ان يكون هذا الأسود ولدكم"،واستغربنا من ردها وقلنا : ما المانع في ذلك؟ فأجابت: " هذا عبدي، ولن يكون غير عبدي...." وهناك علمنا أن مشاهد الاطفال ذوي البشرة السوداء في تلك المنطقة وهم يزحفون خلف النساء تعكس صور وضعهم الإجتماعي كعبيد.
أطفال كعبيد من مالي
كشف لنا عدد من المواطنين من سكان المنطقة وأكدوا لنا أن "ظاهرة العبيد موجودة منذ عهود قديمة ولن يتم القضاء عليها حتى وإن كتبنا عنها ألف مقال وروبورتاج"، واستغرب بعضهم لسؤالنا عن العبيد وقال لنا احد أبناء المنطقة: ما العيب في ظاهرة العبيد، فلقبيلتي قبيلة أخرى من العبيد، ونحن نتوارثها بشكل عادي، ولا يعد ذلك حراما أو عيبا"، و بعد الحديث مع بعض أهالي المنطقة دخلنا أحد المنازل والتقينا بسيدة تدعى " خضرامة" وهي من أحد قبائل الطوارق، من قبيلة تدعى "ايفوغاسس"، وبعد الحديث عن زواجها العرفي الخامس وأشياء أخرى رأينا طفلا يبلغ من العمر حوالي 12سنة، قدم إليها (سينية) الشاي الذي اعدته لنا بنفسها، غير انها كلما ارادت شيئا نادت على الطفل. وفي هذا السياق ذكرت أنه من قبيلة العبيد وانها استقدمته من مدينة "تمبوكتوا" المالية وهو يقيم عندها ويعمل خادما لها، " اسمه حسن وهو عبدي ، غير أني لا أعامله معاملة سيئة، بالعكس فهو يعيش معي في البيت يأكل من أكلنا و يشرب من شرابنا و يقوم بأعمال المنزل كلها " وأضافت خضرامة قائلة: " هذا شيء عادي في الصحراء ويوجد منذ القدم فلماذا الاستغراب؟ و كل المنازل هنا لديها عبيد من ذوي البشرة السوداء ، حيث لديهم أيضا قابلية خدمة الآخرين، وهم يريدون هذا الوضع حتى وإن رفضنا ذلك ".
خرجنا من عند خضرامة وفي مخيلتنا نظرات حسن الحزينة، وتوجهنا نحو منطقة تيمياوين التي تبعد ب 150 كلم عن مدينة برج باجي مختار، وهناك التقينا بطبيب بيطري يدعى علي ، حيث أخذنا إلى منزله لقضاء الليلة هناك.
قبيلة من العبيد في خدمة قبيلة أخرى
عند دخولنا بيت علي استقبلتنا زوجته "نفيسة" وبعد الأكل سألناها عن ظاهرة العبيد فقالت لنا: "نعم العبيد موجودون، ولدينا عبيد في القبيلة التي ننتمي إليها، غير أنني ارفض العبيد في منزلي، حيث أفضل القيام بعمل المنزل لوحدي. في بيت عائلتي لدينا عبيد، نساء ورجال، يقومون بأعمال كثيرة "، وعن سبب وجود العبيد أجابت قائلة:" لا يمكن تحريرهم ليس لأننا لا نرغب في تحريرهم وإنما لأنهم يرفضون التحرر، وليس لديهم مأوى يلجأون إليه حتى وإن قمنا بطردهم . فهم يرفضون مغادرة المنزل".
عند تجولنا في الشوارع شاهدنا شخصا مع امرأة، وأردنا الحديث معه، ولكنه رفض، غير أن سيدة قربه ضحكت ونادته باسمه و قالت له "ابراهيم لا تخف تحدث إليهم أنا اسمح لك بذلك"، حاولنا معرفة مسار حياته فقال إنه يعيش مع والدته ووالده وإخوانه لدى عائلة "سيدته" هذه، وأنه ليس لديهم اي مكان آخر يذهبون إليه وهم راضون بذلك.
وسمعنا عن وجود سوق للعبيد في مكان غير معروف، لأن القانون لا يسمح بالمتاجرة بهم, ووصلنا سوقا يطلق عليها "سوق عكاظ" في شارع "الشارع الواسع"، وهناك وجدنا عددا كبير من الناس بلباس غريب وكأننا في مشهد من فيلم "الرسالة" .
وجدنا في العديد من المناطق الجنوبية عبيدا، غير أننا لم نجد أي تقريرعنهم ولا أي منظمة تطالب بحقوقهم، والشيء الوحيد الذي لمسناه من خلال الجولة هناك هو أن قبائل الطوارق والمواطنين العبيد في المجتمع الصحراوي الجزائري يفضلون عدم الحديث عن نمط حياتهم الموروثة عن الأجداد منذ عهود طويلة.