عام على اختفاء القذافي: انفلات أمني وولادة عسيرة للديمقراطية
٢٠ أكتوبر ٢٠١٢حكم العقيد القذافي 42 عاما ليبيا عبر وسائل سلطوية متعددة، فقد سيطر على مصائر الناس وعقولهم وخلق نزاعا بين المناطق وداخل الأسرة الواحدة وتوترا ببعض المناطق. واليوم يرى مراقبون بعد عام من اختفاء القذافي من مسرح الحياة في ليبيا، ان البلد ما يزال بصدد البحث عن الطريق، في ظل وجود حكومة ضعيفة ومؤتمر وطني ليس متجانسا، بل يتصارع النواب داخله من أجل كياناتهم السياسية مما جعل البعض يتذكر مقولة القذافي "من تحزب خان"، وإزاء الوضع الاقتصادي الصعب يرفع الليبيون وهم يحلمون بتحسين أوضاعهم المعيشية، مقولة "بلد غني وشعب فقير".
هل رحل القذافي حقا؟
صلاح التركي، محاسب قانوني و ناشط في منظمات المجتمع المدني، يرى بأن ليبيا شهدت اول انتخابات لها منذ عام 1964 حرة ونزيهة أفرزت المؤتمر الوطني العام، بعد أن كان القذافي يعين أتباعه في الحكومة ومؤتمر الشعب العام . وبالنسبة للصحافي مفتاح بلعيد، فإنه بالرغم من اختفاء القذافي وشعور الناس بعدم تحقيق الأمن والآمان في البلاد، "إلا أن الإحساس بالحرية ولأول مرة بعد أكثر من 40 سنة من العبودية كان إحساسا رائعا كفيلا بأن يجعلنا لا نشعر بتردي الظروف حولنا" كما يقول.
وتقول الطالبة الجامعية جنات بشير، وهي متأثرة، "كفتاة ليبية قبل اليوم لم أكن أقوى على كتابة حرف ضد القذافي، أو حتى التفكير بيني وبين نفسي وها أنا اليوم وغيري من نساء وبنات الوطن نعبر ونقرر مصير بلادنا ننتقد ونهاجم"، وهي ترى أن "حلم الحرية في وطني يحتاج إلي الأمل أقوى بكثير من كل الصعوبات التي تواجهنا ونحن نملك الكثير والكثير ليراه العالم اجمع". وتوضح جنات "نملك شباب وشابات سيصنعون المستحيل كل ما زرعه القذافي خلال عقود".
جيوب مقاومة في مرحلة ما بعد الثورة
وبرأي الصحافية فتحية المجبري مديرة تحرير صحيفة برنيق، من مدينة بنغازي، فإن غياب الأمن وانتشار السلاح والصراعات القبلية والحدود المفتوحة دون رقيب، جعلت الكثير من الناس يتذكرون القذافي ونظامه ويتمنون لو لم تقم الثورة رغم أن الأوضاع المعيشية لم تكن أفضل من الآن حيث الغلاء في المعيشة والتدني في المرتبات، والظلم والمحسوبيةة، فالأموال تنهب وتقرصن الخيرات في ظل وجود أمني صعب.
وأضافت المجبري "لا زال نظام حكم القذافي، وان رحل إلى غير رجعة، يجثم ثقيلا على الكثير من السلوكيات، التي تكونت في عهده نتيجة الظلم او المحاباة او لحرصه على تجنيد اكبر عدد ممكن من الناس كجواسيس لنظامه"، وهي تعتقد أن موروث نظام القذافي سيكون له "اثر اجتماعي سيء للغاية ربما يمتد زمنا".
وقد حالت هيمنة شخصية "القائد الأوحد والمعلم والمفكر والنجم الأوحد" دون تمكين الليبيين من فرص التمرس في العمل السياسي، كما منعوا من الاحتراف المهني بالمقاييس الدولية لأي مهنة او حرفة نتيجة لسياسة الانغلاق. وأشارت فتحية أن "جيوب المقاومة جزء كبير منها لا يكره النظام الجديد ولا هو ضد الثورة، ولكنه نوع من الاعتراض على الأوضاع الأمنية للدولة والتخبط السياسي والإداري والمالي للدولة".
وأضافت الآنسة انتصار منصور عبد العزيز الموظفة بالمنظمة الليبية للترقيم الدولي والناشطة في مؤسسات المجتمع المدني ان تجاهل الحكومة المؤقتة والحكومة المنتخبة منذ بداية إعلان التحرير إلي حد هذا الوقت لهذه الجيوب الأمر الذي جعل"ليبيا لا تتحرر حقيقة، والدليل على ذلك فرار بعض أعوان القذافي إلى مدينة بن وليد، دون ان تلاحقهم الدولة من الناحية القضائية أو الجنائية".
تفاؤل حذر
سعد المنصوري نقيب الإعلاميين والصحافيين بمدينة طبرق بالشرق الليبي، يرى ان "التخبط التي تمر به الحياة السياسية والأمنية في ليبيا"يعتبر "مرحلة مخاض طبيعية وإن طال زمانها وثقلت ضريبتها على الشعب الليبي". وأوضح المنصوري بأن على الليبيين " الصمود أمام الضغوط الخارجية سواء العربية أو غيرها وتحقيق كرامة ليبيا بما يحقق لها السيادة على أرضها ومقدراتها وثرواتها، إضافة إلى ضرورة توحيد الجبهة الداخلية والقضاء على ما خلفته الحرب من فتن وأحقاد بين بعض القبائل والمدن". وتعتقد السيدة تهاني دربي رئيسة تحرير صحيفة "الأحوال الليبية" أنه "من نافلة القول ان كل الثورات تحتاج لزمن طويل حتى تستقر أوضاعها، فما بالك بثورة كالثورة الليبية التي لم يكن لديها جيش وطني، الأمر الذي حمل شبابها هذا الدور. والمنطق يقول لا يمكن لمن أحرز نصرا كبيرا كالذي تحقق في ليبيا أن يسلم هؤلاء الشباب سلاحهم للدولة وهو يعي تماما أنها أضعف منه". وأضافت دربي "ما حدث من انضمام للكتائب تم بشكل عشوائي وغير ممنهج، فبناء الجيش الوطني يتطلب الكثير من الاعداد والبرمجة في ظل دولة تملك الحد الأدنى من السيطرة علي الأوضاع،كما ان تكوين الجيش مازال يعاني من عدم وجود جدية واضحة وهذا يثير العديد من علامات الاستفهام، ناهيك عن المؤتمر الوطني العام كأي كيان ناشئ مازال يتخبط وبعيد حتى علي النجاح في تحديد أولويات المرحلة".
ويقول الدكتور أسامة كعبار الناشط السياسي والذي قدم ترشحه سابقا لرئاسة الحكومة الحديث بالقول من المترقب ان تقفز ليبيا "قفزة نوعية في سلم التطور و ذلك نتيجة للرصيد الهائل من الثروات المتوفرة والموارد البشرية والشابة التواقة لصنع مستقبل يليق بحجم عظمة هذه الثورة المباركة و حجم التضحيات". وأضاف بأن الرهان كبير على مستقبل مشرق لليبيا من قبل المجتمع الدولي و خاصة دول البحر الأبيض المتوسط و ذلك لموقع ليبيا الإستراتيجي، منوها إلى خطورة قضية الهجرة غير الشرعية وغيرها من التحديات التي من الممكن أن تتضاعف في حالة عدم استقرار ليبيا.
ويعزو كعبار الانفلات الأمني وتعثر سير الديمقراطية في ليبيا، إلى "كونه نتيجة طبيعية لثورة مسلحة مثل الثورة الليبية ولغياب أي نوع من ممارسة العمل السياسي لدى عموم الشعب أو ثقافة البديل" مشيرا بأن بساطة الليبيين وهيمنة الثقافة الدينية والتقليدية، "ستجعل عملية الانتقال إلى الديمقراطية سلسة وسهلة المنال". مستدلا على ذلك بـ"انتخابات المؤتمر الوطني والإقبال الكبير عليها من قبل الشعب وترحيب المجتمع الدولي بها". وأشار بأنه "من الطبيعي أن تكون هناك عثرات في مسيرة الاستقرار و لكن الشعب الليبي كفيل بأن يتجاوزها، ولن تكون هناك ولادة عسيرة للديمقراطية في ليبيا، بل ستكون مرحلة للانتقال إلى دولة الدستور والمواطنة قياسية بمقارنتها بما سبقها من ثورات بالنفس العنف والحجم".