عفرين: الحقيقة الضائعة وسط الكثير من البروبغندا
٢ فبراير ٢٠١٨مضى أسبوعان على انطلاق عملية غصن الزيتون التي تقودها تركيا ضد القوات الكردية في منطقة عفرين شمال غرب سوريا، وحتى الآن يصعب تكوين صورة دقيقة حول الأوضاع والمعارك التي تدور هناك بسبب قلة الأخبار الواردة من عفرين، أو بالأحرى الأخبار المحايدة والموثوق فيها، فقد تحولت المعركة إلى حرب إعلامية شرسة أيضا يستخدم فيها كل طرف وسائل إعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر دعايته وأفكاره والكثير من الأخبار التي يصعب التأكد من صحتها.
فكيف يسعى كل طرف من خلال حملته الإعلامية التأثير على مجريات الحرب؟ وما مدى صحة ما يروج من معلومات وصور عن الأوضاع في عفرين؟
معلومات مغلوطة
ترى تركيا في تواجد قوات حماية الشعب الكردية على حدودها تهديدا لها وهي التي تعتبرها امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يقاتل تركيا منذ سنوات. ويتعامل إردوغان بصرامة كبيرة مع الأصوات التي تعارض عملية عفرين سواء من داخل بلاده أو خارجها لدرجة أنه تم اعتقال 300 شخص انتقدوا العملية، كما توعد المسؤولون الأتراك كل من يحتج على الهجوم.
ويحظى التدخل في عفرين بتأييد في تركيا يظهر في الإعلام والخطاب الديني بالخصوص. فقبيل انطلاق العملية وأيضا بعد انطلاقها تناولت وسائل إعلام داخل وخارج تركيا أن أئمة مئات المساجد صلوا لمعركة غصن الزيتون. وأكثر من ذلك أكدت وسائل إعلام تركية أن حتى البطريركية الأرمينية المسيحية في اسطنبول ترحب بعملية عفرين وتصلي من أجلها. خطوة يرى فيها متابعون رسالة موجهة بالدرجة الأولى للرأي العام في الغرب.
ويقول رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الأتراك والأكراد يخوضون حربا إعلامية شرسة بالفعل وبسبب ذلك تُروج الكثير من المغالطات حول ما يدور في عفرين. وأبرز مثال على ذلك كما يقول الخبير السوري لـ DW عربية هو عدد القتلى من الجانبين. ويضيف: "الأتراك ينشرون أعداد غير حقيقية لعدد القتلى في صفوف الوحدات الكردية وكذلك يفعل الأكراد أيضا إذ ينشرون أرقاما لا علاقة لها بالواقع كما ينشرون أيضا معلومات زائفة حول الدمار الذي ألحقوه بمعدات العدو وحجم المناطق التي خسروا سيطرتهم عليها". من جانب آخر يقول عبد الرحمن إن إردوغان يقدم في إطار حملته الإعلامية، تبريرات لحملة عفرين مبنية على أكاذيب. ويشرح ذلك قائلا "هو يقول إنه دخل عفرين ليعيدها لأصحابها ولا يُفهم من يقصد بأصحابها، فنحن نعلم أنها منطقة ذات غالبية كردية وإن كانت فيها بعض القرى العربية لكن معظم السكان كرد. وأكثر من ذلك، حسب أرقامنا الموثقة هناك نصف مليون سوري عربي نازح من مناطق أخرى في سوريا يعيشون في عفرين بين الأكراد دون مشاكل".
وبينما تقول تركيا إن قوات حماية الشعب الكردية تلقي صواريخ على مناطق حدودية تركية نفى قائد كردي هذه الاتهامات متهما المخابرات التركية بالوقوف وراء هذه الصواريخ. فعلى تويتر قال المسؤول الكردي إن الأكراد لم ولن يهاجموا المدنيين في بلدات ريحانلي وكيليس التركية وإن المخابرات التركية هي التي تقوم بذلك لإعطاء شرعية لهجمات الإبادة التي ترتكبها في عفرين. ويصعب التأكد من الحقيقة وسط هذه الروايات المتضاربة.
مشاركة الكرديات في الحرب
مشاركة المقاتلات الكرديات في الحرب شكل أيضا مادة دسمة في الإعلام والحرب الكلامية الموازية لمعركة عفرين. فبينما يسخر المعارضون للقوات الكردية من إرسال النساء إلى جبهة القتال ويرون في ذلك جبنا، يحاول الأكراد الترويج في الغرب لفكرة أن "ثورة النساء" في عفرين في خطر.
وهذا ما يؤكده عبد الرحمن قائلا "هذا سبق أن رأيناه في معركة كوباني ضد داعش في بدايات 2015. فقد نسب قائد في وحدات حماية الشعب الكردي النصر في المعركة لمقاتلة كردية مع أن الفضل في الانتصار يعود إليه هو في الواقع. هم يحرصون على هذا الجانب لأنهم يعلمون أن موضوع المرأة مهم في الغرب ويريدون إعطاء صورة إيجابية عنهم كقوات تحمي حقوق النساء". في المقابل يستغرب عبد الرحمن على الطرف الآخر من الآراء التي تستهزئ من وجود نساء في القتال، "عنصر من الجيش الحر سألني فعلا لماذا يُقحم الأكراد نساءهم في الحرب وانتقد ذلك، لكن الجيش الحر نفسه في حلب كانت لديه كتيبة نساء مقاتلات. وفي كل جيوش العالم نجد نساء يشاركن في الحرب".
في هذا السياق انتشرت على فيسبوك مثلا صور ومحادثات لمن يبدو أنهم ينتمون للجيش السوري الحر أو متعاطفون معه يتناولون بسخرية موضوع مشاركة الكرديات في معركة عفرين ويتحدثون عنهن باعتبارهن غنائم حرب مستقبلية وسبايا لهم. وبدأ بعض النشطاء الكرد على فيسبوك يقارنون بين ذلك وما ارتكبه تنظيم داعش في حق الأيزيديات وغيرهن في المناطق التي بسط فيها نفوذه.
فيديو صادم
وفي هذا السياق أيضا انتشر فيديو صادم على مواقع التواصل الاجتماعي قيل إن من تظهر فيه مقاتلة كردية تدعى بارين، قتلت وتم التمثيل بجثتها بشكل بشع من طرف مقاتلين من الجيش السوي الحر موالين لتركيا. وحدث انقسام كبير بين السوريين على فيسبوك بخصوص الفيديو. فقد علق شخص يدعى ياسر آد قائلا " اللعب بالحقيقة مرفوض وتحويل الجاني إلى ضحية مرفوض" في إشارة إلى أن قوات حماية الشعب الكردي هي الجانية في موضوع عفرين.بينما علقت ميساء سلامة فولف وهي سورية تعيش في ألمانيا قائلة: "أيضا تعددت الأسباب والموت واحد، وتعدد التمثيل بالجثث والوحش واحد "الإنسان" ... فكيف اذا كانت الضحية امرأة أهانت ذكورة هؤلاء الوحوش، وأثارت شهواتهم حتى وهي مقتولة!!
دعونا نقف دقيقة صمت عن روح هذه المقاتلة الرائعة". ونشرت إحدى الصفحات التي تنشر أخبارا من عفرين تعليقا فيه "سقط القناع يا بارين اليوم وضعوا آخر مسمار في نعش الثورة... ارقدي بسلام يا شرف الأمة".
ولم يتسن التأكد بشكل قاطع من صحة هذا الفيديو وما إذا كانت صورة المرأة تعود فعلا لمقاتلة كردية، لكن عبد الرحمن يؤكد أن المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يديره كان أول من تلقى هذا الفيديو من طرف جهة في الجيش السوري الحر، ونشره بعد التثبت من صحته والتخفيف من بشاعة محتواه.
ويقول إن عملية قتل المقاتلة الكردية التي تدعو بارين والتمثيل بها بتلك الطريقة حدثت فعلا وذلك في 30 من يناير كانون الثاني المنصرم في ناحية قرية بلبل التابعة لعفرين. وعن الأهداف من تصوير فيديو كهذا وإرساله للمرصد رغم أنه قد يساهم في تشويه سمعة مقاتلي الجيش الحر وتركيا. يقول عبد الرحمن: "هم لا يفكرون كذلك. لا يرون في الفيديو إساءة لهم وإنما إنجازا كبيرا حققوه، وأيضا لإثارة الخوف في صفوف المقاتلات الكرديات وضرب معنويات الأكراد عموما. من جهة أخرى التعليقات الطائفية والعنصرية من قبيل تلك الموجودة في الفيديو هي جزء مما يعتمد عليه الأتراك في دعايتهم للتحريض ولخلق تفرقة بين الأكراد والعرب لتسهيل مهمتهم".
سهام أشطو