عقد على الإطاحة بـ"الإخوان".. حقوق الإنسان في مصر في الميزان
٣ يوليو ٢٠٢٣عقد من الزمن مر على الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر، ففي الثالث من يوليو / تموز عام 2013 تم عزل محمد مرسي، الذي كان أول رئيس مصري منتخب في انتخابات حرة، من قبل المجلس العسكري برئاسة عبد الفتاح السيسي، الرجل الذي كان وزيرا للدفاع برتبة مشير، وشكل حكومة مؤقتة، وذلك بعد خروج مظاهرات شعبية حاشدة طالب باسقاط حكم الإخوان المسلمين.
وإبان تلك الأحداث السياسية والاقتصادية المضطربة التي عصفت بالبلاد، قال السيسي للمصريين إن الجيش أطاح بمحمد مرسي بسبب فشله في بناء "دولة وطنية"، متعهدا بأن يعمل الجيش على تسهيل العودة إلى الحكم المدني الديمقراطي في مصر.
لكن بعد عشر سنوات على أحداث 30 يونيو، ما زال السيسي في السلطة فيما تأزم الوضع العام في مصر في كثير من النواحي عن ما مضى، إذ بات الاقتصاد في وضع صعب مع تراكم الديون الخارجية وارتفاع معدلات التضخم وتردي قيمة الجنيه وهو ما دفع الحكومة بيع أو تأجير الأصول المملوكة للدولة مثل شركة المصرية للاتصالات أو وسائل النقل العام أو الموانئ من أجل خدمة الديون الخارجية.
يتزامن هذا مع تشديد السيسي قبضته على السلطة، فقد تعرض صحافيون مستقلون ونشطاء حقوقيون لمضايقات واعتقالات. وذكر ناشط جرى اعتقاله في السابق لموقع Coda Story "كودا ستوري" الاستقصائي إنه رأى ضباطا من الجيش يوقفون بعض العامة في الشارع لفحص هواتفهم ثم اعتقالهم بعد اكتشاف نشرهم أو أعجابهم بمنشورات تنتقد الحكومة أو تسخر منها على منصات التواصل الاجتماعي.
ويصنف موقع "فريدوم هاوس" مصر على أنها "ليست حرة" مع تآكل معايير الحرية ببطء على مدى السنوات الخمس الماضية إذ حصلت مصر على معدل 26 نقطة من أصل 100 في عام 2018 لكنها حققت الآن 18 نقطة فقط فيما حصل المغرب على 37 نقطة، وألمانيا 94 نقطة من أصل 100 نقطة.
وعلى وقع ذلك، ارتفعت معدلات إصدار عقوبات الإعدام في مصر، وعمدت القوانين الجديدة إلى تضييق عمل منظمات المجتمع المدني في البلاد.
تجاهل غربي لوضع حقوق الإنسان في مصر
ويرى مراقبون إن دول الجوار المصري وحلفاء القاهرة في العالم الغربي يتبنون نهجا غير متوازن تجاه هذه القضايا، حيث يتم إيلاء الأولوية للقضايا الاقتصادية فيما يحظى سجلها الحقوقي باهتمام أقل.
وفي مطلع العام الماضي، حث البرلمانيون الأوروبيون حكوماتهم والأمم المتحدة على إنشاء هيئة خاصة لرصد وضع حقوق الإنسان في مصر وذلك قبيل الاجتماع السنوي للمجلس.
وجاء في البيان الذي وقعه 175 برلمانيا من كتلة الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة: "نشعر بقلق بالغ إزاء فشل المجتمع الدولي المستمر في اتخاذ أي إجراء ذي مغزى لمعالجة أزمة حقوق الإنسان في مصر."
وأضاف البيان "هذا الفشل إلى جانب الدعم المستمر للحكومة المصرية والإحجام عن التحدث ضد الانتهاكات المتفشية أدى فقط إلى تعميق شعور السلطات المصرية بالإفلات من العقاب".
وبعد الخطاب بعام وقبل الاجتماع السنوي التالي للمجلس بفترة وجيزة، نشرت سبع منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش، والعفو الدولية ومراسلون بلا حدود، رسالة أخرى جاء فيها "لم تكن هناك متابعة ذات مغزى على الرغم من حقيقة أن وضع حقوق الإنسان في مصر قد تفاقم".
وخلال زيارتها ألمانيا الصيف الماضي، قالت سناء سيف، شقيقة علاء عبد الفتاح، أحد أشهر النشطاء السياسيين في مصر، في مقابلة مع DW : "ليس من المنطقي بالنسبة لي أن أرى السياسيين الألمان يخجلون من الحديث عن حقوق الإنسان. يبدو الأمر كما لو أنهم لا يريدون أن يحدثوا أدنى قدر من الجلبة أو لفت الانتباه".
القاهرة بارعة في بناء علاقات ثنائية
وفي حوار مع DW، ارجع تيموثي كالداس، نائب مدير معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط ومقره واشنطن، هذا الأمر إلى عدة عوامل، قائلا "عندما تتعرض مصر لضغوط من دول الخليج، فيمكنها اللجوء إلى الولايات المتحدة وعندما يأتي الضغط من أمريكا، يمكنها اللجوء إلى فرنسا".
ويأتي ذلك بفضل موقع مصر الاستراتيجي على مفترق طرق بين إفريقيا وآسيا وأوروبا، فيما تمتلك البلاد أهمية في محيطها العربي والشرق أوسطي بفضل تعداد سكانها الكبير وقوة المؤسسة العسكرية فضلا عن تعدد حلفاء مصر على الساحة الدولية.
وفي ذلك، قال كالداس إنه في حالة "حضور اجتماعات في أروقة وزارات الخارجية أو في مؤسسات مالية دولية وجرى الحديث عن مشروطية [حقوق الإنسان] سيكون الرد مفاده (ماذا لو ذهبت الحكومة المصرية إلى مكان آخر!)".
وأشار كالداس إلى أن الحكومات المصرية المتعاقبة كانت بارعة في بناء علاقات ثنائية من خلال عقد صفقات أسلحة ضخمة إذ يُظهر تقرير فرنسي سنوي يتناول مبيعات الأسلحة نُشر في أواخر عام 2022 أن مصر كانت أكبر مستورد للأسلحة من فرنسا منذ عام 2012.
وتعد مصر أيضا واحدة من أكبر مشتريي الأسلحة الألمانية، حيث زاد حجم صادرات الأسلحة إلى مصر في عهد السيسي وباتت البلاد ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم.
هاجس الهجرة لدى الأوروبيين
ويلفت كالداس الانتباه إلى قضية أخرى تتمثل في الاستقرار النسبي التي تتمتع به مصر عند مقارنتها بدول أخرى في المنطقة، مشيرا إلى أن هذا الأمر يدفع إلى ضخ السيولة في الدولة على أمل المحافظة على هذا الاستقرار خاصة "في ظل تعداد سكاني يفوق المئة مليون نسمة".
ورغم اتخاذ السلطات المصرية تدابير في التصدي لظاهرة الهجرة غير النظامية، إلا أن المصريين تصدروا قائمة الجنسيات الأكثر وصولا بشكل غير نظامي إلى سواحل أوروبا الجنوبية وتحديدا إيطاليا، حيث ذكرت بيانات وكالة حماية الحدود الأوروبية "فرونتكس" أن أكثر من 3500 مصري عبروا البحر الأبيض المتوسط في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022.
وقال كالداس إن هذا الأمر يمثل "هاجسا كبيرا لأوروبا" التي تواجه أزمة هجرة غير نظامية وتصاعد محتمل للتيارات الشعبوية. في المقابل تؤكد مصر أنها تقف في الصفوف الأمامية لمكافحة الهجرة غير النظامية إلى الشواطئ الأوروبية، لكنها تحتاج إلى التمويل للاستمرار في القيام بهذه المهمة.
ورغم ذلك، يؤكد كالداس أن هذه الأسباب لا تقدم العذر الكافي لعدم انتقاد سجل حقوق الإنسان في مصر فضلا عن تداعيات ذلك على الاقتصاد المصري، مضيفا "انتهاكات حقوق الإنسان تساهم فعليا وبشكل مباشر في زعزعة الاستقرار الاقتصادي في مصر إذ ترجع الأزمة الاقتصادية في مصر إلى استراتيجية [السيسي] خلال السنوات العشر الماضية بما يشمل الاستفادة من موارد الدولة لتمويل أساليب توطيد حكمه ودعم شبكات المحسوبية".
"قروض من أجل الرئيس"
من جانبه، قال ستيفان رول، رئيس قسم الأبحاث حول إفريقيا والشرق الأوسط بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التدفقات المالية في الوقت الحالي لا تخدم "الاستثمارات الإنتاجية المستقبلية، إذ تتجه صوب مشاريع البنية التحتية المشكوك في نتائجها الاقتصادية وتخدم بشكل غير مباشر دعم قمع الدولة البوليسية".
وأضاف في ورقة بحثية نٌشرت في ديسمبر / كانون الأول الماضي تحت عنوان "قروض من أجل الرئيس"، إن "الجيش المصري استفاد أكثر من هذه الأموال، وجُلها قروض خارجية، حيث ازداد ثراء المؤسسة العسكرية في عهد السيسي، وهو ما كان عاملا حاسما في توطيد حكمه".
وقدم رول و كالداس حلا لهذه المعضلة يتمثل في تحديد الروابط بين التدفقات المالية الذاهبة إلى مصر وانتهاكات حقوق الإنسان.
وفي ذلك، قال كالداس "ليس من دور القوى الخارجية إجبار مصر على التحول إلى دولة ديمقراطية، لكن من المهم التوقف عن دعم الحكم المطلق وتمهيد الطريق أمام أن تصبح مصر دولة ديكتاتورية."
خطوات من جانب القاهرة
من جانبها تتحدث الحكومة المصرية باعتزاز عن "استراتيجيتها لحقوق الإنسان"، والتي تعتبرها القاهرة "أول خطة ذاتية متكاملة وطويلة الأمد في مجال حقوق الإنسان بمصر".
ويؤكد السيسي أن بلاده حريصة "على تعزيز حقوق الإنسان في إطار احترام مبادئ المواطنة وسيادة القانون".
وأطلقت الدولة المصرية كذلك "حوارا وطنيا" شارك فيه، بحسب منسقه العام ضياء رشوان، "سجناء سابقون" و"يتناقشون بحماس مع أفراد يمثلون النظام". كذلك، أصدر الرئيس المصري قرارات عفو رئاسي عن الكثير من المسجونين وألغى حالة الطوارئ.
وفيما يتعلق بالسجناء ترفض السلطات المصرية تحديد عدد السجناء، وتنفي أن يكون لديها سجناء سياسيون.
كاثرين شاير