علاء الأسواني: في ضرورة تغيير الجراح...
١٨ أبريل ٢٠١٧خاضت بريطانيا الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا ودول المحور في ظروف صعبة للغاية فالطائرات الألمانية كانت تقصف باستمرار كل المدن البريطانية بالاضافة إلى أزمات طاحنة في الطعام والوقود لكن الشعب البريطاني حارب بشجاعة بقيادة رئيس الوزراء ونستون تشرشل حتى انتصرت بريطانيا وأعلنت ألمانيا استسلامها في شهر مايو/ أيار 1945 وبعد ذلك بشهرين أُجريت الانتخابات فحدثت المفاجأة: سقط القائد المنتصر ونستون تشرشل وفاز برئاسة الوزراء "كليمنت أتلي"... في 5 يونيو/ حزيران 1967 ألحقت اسرائيل بمصر أسوأ هزيمة في تاريخها وما أن أعلن عبد الناصر تنحيه عن الحكم حتى نزل ملايين المصريين إلى الشوارع ليطلبوا منه البقاء في السلطة.
لماذا تخلص الانجليز من قائدهم المنتصر،بينما تمسك المصريون بقائدهم المهزوم؟ الإجابة تكمن في الفرق في مفهوم السلطة بين الشعبين. الشعب الانجليزي تعامل مع تشرشل كموظف عام أدى وظيفته بشكل ممتاز ولكن آن الأوان أن يتولى رئاسة الوزراء شخص آخر بأفكار جديدة ليساعد بريطانيا على إعادة البناء بعد الحرب. أما المصريون فقد تعاملوا مع عبد الناصر باعتباره الزعيم الملهم ووالد الشعب ورمز الوطن وبالتالي فهو لايخضع للمحاسبة عن أفعاله حتى لو أدى ذلك الى الهزيمة بل إن بعض الصحفيين آنذاك كتبوا أن بقاء عبد الناصر في الحكم هو النصر الحقيقي. إنها العقلية المذعنة التابعة التي تمجد الديكتاتور وترفعه فوق مستوى البشر ولاتسمح بنقده أبدا وتغتفر له القمع والفشل والكذب وتضيف إليه انجازات وهمية وتعتبره رمز الوطن، هذه العقلية لازالت للأسف موجودة بين المصريين.
إذا بحثنا بين شعوب العالم لن نجد شعبا يمجد حكامه مثل الشعب المصري. لم يؤلف الانجليز الأناشيد في مديح تشرشل ولم يصنعوا استعراضات وأوبريتات سخيفة كالتى نصنعها لكل رئيس. إن تأليه الحكام ظاهرة مصرية عجيبة اختلف المفسرون في أسبابها، بعضهم قالوا إننا ورثناها عن أجدادنا الفراعنة الذين كانوا يعبدون الحاكم ويعتبرونه إلها لكن الظاهرة موجودة في الشعوب العربية برغم اختلاف تاريخها عنا، بعض المفكرين قالوا إن تمسكنا بمظاهر الدين يجعلنا قابلين للاستبداد لأن الإنسان، المسلم أو المسيحي، الذي لا يفكر لنفسه أبدا ويسمح لرجل الدين بالتحكم في كل تصرفاته ويتبع تعليماته بدون مناقشة، سيكون من السهل عليه أن يذعن للديكتاتور كما أذعن لرجل الدين.
بعض المفكرين يؤكدون أن الشعوب التي خضعت للاستبداد لفترات طويلة من تاريخها تفقد احساسها بالحرية كقيمة إنسانية بل إنهم يحسون براحة في وجود ديكتاتور يقمعهم وينهب أموالهم مادام يوفر لهم الحماية ويعفيهم من تحمل مسئوليتهم في الشأن العام فينصرف كل واحد فيهم إلى كسب قوته وتربية عياله ويترك الوطن بين يدي الزعيم وحده يفعل به ما يشاء. أيا كان السبب فلاشك أن مقاومتنا للاستبداد أقل من شعوب أخرى وقد رأينا مؤخرا ماذا حدث لرئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، فبمجرد أن أظهر ميولا استبدادية حتى قاومته بضراوة المؤسسات الأمريكية جميعا، القضاء والصحافة والجامعات والفنانون ومنظمات المجتمع المدني وسياسيون من المعارضة بل ومن داخل حزبه الجمهوري، الأمر الذي أرغم ترامب في النهاية على التراجع والعودة إلى الخط الديمقراطي.
لقد تعلمت الشعوب الغربية عبر تجارب مؤلمة أن الديكتاتورية، مهما حققت من انجازات، ستؤدي في النهاية حتما إلى كوارث يدفع ثمنها الشعب لأجيال قادمة. المواطن الغربي يرفض الاستبداد من حيث المبدأ بدون انتظار نتائجه. أما نحن في مصر فلم نتعلم هذا الدرس بعد. لازلنا نجد بين المصريين من يعتبر الديكتاتورية هي الأصلح لنا ومن لا يرفض الاستبداد إلا إذا ساءت بسببه أحواله المعيشية. أما إذا سقط آخرون ضحايا للاستبداد فهو لايهتم إطلاقا. لا زلنا نجد مصريين يؤيدون الديكتاتور إذا وفر لهم العمل والمسكن والطعام حتى لو اعتدى مقابل ذلك على كرامة الناس وألقى بهم في المعتقلات بل وقتلهم خارج القانون.
أما الإسلاميون فإن النزوع للاستبداد متأصل عندهم لأنهم يعتبرون الحاكم الإسلامي خليفة يطبق إرادة الله على الأرض ولا مجال عندهم بالطبع لمعارضة شرع الله، وقد رأينا استبداد الإسلاميين واضحا عندما تواطئوا مع المجلس العسكري ضد الثورة مقابل وصولهم للحكم، ورأيناه مرة أخرى عندما هللوا للرئيس السابق مرسي عندما أصدر الاعلان الدستوري الذي ألغى به القانون المصري تماما. ونراه الآن من جديد وهم يهللون ويكبرون لأوردغان وهو يبني دولة الاستبداد في تركيا.
لقد كانت الثورة المصرية عام 2011، في جوهرها، محاولة نبيلة عظيمة لإقامة دولة القانون وتحرير مصر من الحكم العسكري المستمر منذ عام 1952. المصريون الذين ينتظرون نهضة مصر تحت حكم السيسي يشبهون مريضا أجرى أربع عمليات عند جراح غير ماهر ففشلت جميعا، وهو يريد اجراء عملية جراحية خامسة عند نفس الجراح ويتوقع نجاحها. هناك فروق شخصية بين عبد الناصر والسادات ومبارك والسيسي لكن النظام الذين حكموا به مصر واحد ونتائجه واحدة. نفس أدوات القمع من تلفيق قضايا واعتقالات وتعذيب ومحاولات السيطرة على الاعلام و القضاء، نفس الدعاية الجبارة الكذابة لاضفاء هالة أسطورية على الزعيم... ما الفرق بين صواريخ القاهر والظافر الناصرية وجهاز اختراع الكفته أيام السيسي؟ ما الفرق بين مشروع توشكى وقناة السويس الجديدة؟! نفس الأكاذيب والمشروعات الفاشلة حيث يتم تبديد الملايين من أموال الشعب الفقير وسط التهليل والهتاف. لن تتحقق النهضة في بلادنا إلا إذا رفضنا الاستبداد من حيث المبدأ. إذا أردنا نجاح العملية لابد من تغيير الجراح.
الديمقراطية هي الحل
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW