علاء الأسواني: ماذا نتعلم من القرد المظلوم..؟!
٧ نوفمبر ٢٠١٧القرود تفضل أكل العنب أكثر بكثير من الخيار .. معرفة هذه المعلومة أساسية حتى نفهم التجربة التي أجراها الباحثون في جامعة ايموريEMORY الأمريكية، فقد وضع الباحث قردين في قفصين شفافين متجاورين بحيث يرى كل قرد الآخر. في داخل القفص وضع الباحث قطعا صغيرة من الزلط. التقط قرد زلطة وأخرجها من فتحة القفص، فأخذها الباحث وأعطاه قطعة خيار وتكرر الأمر مع القرد الثاني، ففهم القردان أن كل زلطة سيكون مقابلها قطعة خيار .
مرة أخرى أخذ الباحث زلطة من القرد الأول وأعطاه قطعة خيار لكنه بعد ذلك أخذ زلطة من القرد الثاني وأعطاه حبة عنب. توقع القرد الأول معاملة مماثلة فأعطى زلطة جديدة للباحث لكنه أعطاه قطعة خيار ولم يعطه حبة عنب. رفض القرد الثاني قطعة الخيار وألقى بها ومن جديد أخذ الباحث زلطة من القرد الثاني وأعطاه حبة عنب. حاول القرد الأول مرة أخرى، فناول زلطة للباحث الذى أعطاه قطعة خيار ولم يعطه حبة عنب. عندئذ جن جنون القرد المظلوم وقذف قطعة الخيار وراح يضرب بيديه على زجاج القفص حتى اضطر الباحث إلى اعطائه حبة عنب فالتهمها وهدأت ثورته.
هذه التجربة في غاية الأهمية لأنها أثبتت عدة حقائق علمية: أولا إن الإحساس بالعدالة موجود عند كل المخلوقات بما فيها الحيوانات، وثانيا إن رفض الظلم إحساس فطري وليس مكتسبا من البيئة. إن الإنسان (أو الحيوان) لا يحتاج إلى ثقافة أو تجارب معينة حتى يرفض الظلم لأن الإحساس بالعدالة يولد مع كل مخلوق. إن أبسط المخلوقات يغضب عندما يتم تمييز غيره عليه بدون وجه حق. الحقيقة الثالثة، إن الثورة هي اقصر الطرق للتغيير، فهذا القرد المظلوم عندما ثار وكاد أن يحطم القفص بقبضتيه، أرغم الباحث على أن يعامله على قدم المساواة مع القرد الآخر.
كل من يقرأ هذه التجربة لا يملك إلا أن يتساءل لماذا لا يثور المصريون ضد الظلم كما ثار القرد المظلوم؟ إن معظم المصريين يعانون من ظلم بين على أيدي حكامهم المستبدين، فلماذا يذعنون للظلم..؟ لقد صنع قطاع من المصريين ثورة يناير العظيمة عام 2011 وأجبروا الطاغية مبارك على التنحي والمثول للمحاكمة، لكن المجلس العسكري تحالف مع الإخوان للحفاظ على النظام القديم ولقد خان الإخوان الثورة من أجل السلطة وكانوا أداة المجلس العسكري لمنع أي تغيير حقيقي، ثم هب المصريون للتخلص من الرئيس الإخواني عندما ألغى القانون بإعلان دستوري أصدره.
كان الهدف المشروع لملايين المتظاهرين في 30 يونيو/ حزيران عقد انتخابات رئاسية مبكرة لكن الأمر انتهى إلى حكم عسكري أسوأ من حكم مبارك.. المؤكد ان ملايين المصريين يحسون بالظلم لأسباب عديدة: صعوبة المعيشة وغلاء الاسعار في دولة يقول حاكمها إنها فقيرة ويطالب الناس بالتقشف بينما لا ينفذ هو التقشف على نفسه ولا على أعوانه.
المصريون يحسون بالظلم لأنهم مسلوبو الحقوق الإنسانية: لا تعليم جيد ولا رعاية صحية ولافرص عمل، لأن أولادهم يعانون من البطالة بينما مناصب الدولة محجوزة لأولاد الكبار ، أضف إلى ذلك عشرات الألوف من الشباب المعتقلين جريمتهم الوحيدة أنهم غير معجبين بعبقرية السيسي. المظالم في مصر كثيرة وصارخة لكن المصريين لا يثورون. ما الاسباب التي تجعل المصري يذعن للظلم ويتواءم معه؟ أيكون السبب أن المصريين فلاحون عاشوا آلاف السنين من الزراعة على ضفاف النيل في ظل حكومة مركزية متحكمة؟ أيكون السبب الفهم الخاطيء للدين الذي يشجع المصريين على تقبل الظلم في الدنيا طمعا في عدالة تتحقق في العالم الآخر..؟ هل هي الثقافة المصرية الجبرية التي تعتبر الصبر فضيلة وتؤمن أن كل ما يحدث للانسان مقدر له ومكتوب على جبينه لاسبيل أبدا إلى تغييره..؟ هل هو طول عهد المصريين بالقمع منذ أن سيطر الجيش على الحكم منذ عام 1952، مما جعل مصريين كثيرين يتحولون إلى نموذج "المواطن المستقر" الذي ينحصر كل اهتمامه في السعي لأجل لقمة العيش وتربية الاولاد ولا يهتم إطلاقا بما يحدث خارج أسرته..؟ هل هو يأس المصريين من تحقق العدالة وإيمانهم أن الفساد هو القاعدة مما جعلهم بدلا من أن يسعوا للتغيير يتورطون في الفساد أو على الأقل يتحايلون لتحقيق أي مصلحة من منظومة الفساد؟
خطورة الإذعان للظلم أنه سرعان ما يسبب تشوها في الوعي والسلوك.. كل من يعيش في مصر قطعا يلاحظ انتشار السلوك العدواني في الحياة اليومية. وكأن الناس يفرغون طاقة الإحباط في بعضهم البعض بدلا من توجيهها ضد من يظلمهم بل إن في مصر ظاهرة غريبة مؤسفة هي كراهية قطاع من المصريين لشباب الثورة. قد يكون مفهوما أن يكره الأغنياء الثورة لأنهم خائفون على مصالحهم وحياتهم المرفهة من أي تغيير لكن الغريب أن قطاعا من الفقراء في مصر يكرهون شباب الثورة الذين يدافعون عن حقوقهم... يبدو أن المذعن للظلم كثيرا ما يحس بالسخط على كل من يقاوم الظلم.. كأن من يقاوم الظلم يشعر الخانعين بجبنهم وضعفهم فيكرهونه من أعماق قلوبهم.. إن هناك ما نتعلمه مما فعله القرد في هذه التجربة. إن العدالة لا تمنح وإنما تنتزع وان من يتقبل الظلم ويتعايش معه لا يحق له أن يشكو منه. عندما يتخلى المصريون عن الإذعان ويعتبرون الصبر على الظلم نقيصة وليس فضيلة. عندما يثورون وينتزعون حقوقهم بأيديهم، عندئذ فقط يبدأ مستقبلنا.
الديمقراطية هي الحل
علاء الأسواني
*المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.