1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

علاء الأسواني: ماذا يريد السيسي من زياد العليمي..؟!

علاء الأسواني
٢٣ يوليو ٢٠١٩

في مقاله* لـ DWعربية يسأل علاء الأسواني "ماذا يريد السيسي من زياد العليمي ..؟".

https://p.dw.com/p/3MYOT
Kolumnisten Al-Aswani
صورة من: Imago/El Mundo

في أعقاب الثورة المصرية نشرت الصحف نص المحادثات اللاسلكية التي جرت بين قيادات الأمن والضباط أثناء محاولتهم لقمع المظاهرات يوم 28 يناير .. أذكر أن ضابطا صاح في قائده:

- يافندم المتظاهرين طالعين من كل مكان بأعداد رهيبة ...الشعب ركب خلاص.

هذه الجملة التي قالها الضابط بعفوية تعكس مفهوم السلطة في مصر. ان العلاقة بين النظام والشعب علاقة ركوب،  لابد ان تركب السلطة على الشعب، في نفس الفترة انتشر فيديو لمدير أمن البحيرة وهو يخطب في ضباطه المذهولين من الثورة فقال:

- مهما حصل ( للمصريين )حيفضلوا محتاجين لنا وحنفضل احنا أسيادهم.

فكرة السيادة هنا تعنى السلطة المطلقة ..من هنا توصف أجهزة المخابرات وأمن الدولة بالأجهزة "السيادية " أي التى تنفذ ارادتها على الشعب بلا مراجعة أو محاسبة وتكون قراراتها فوق القانون. اذا  لخصنا أهداف الثورة في جملة واحدة ستكون "اعادة السيادة للشعب". أن يتساوى المصريون جميعا أمام القانون. أن يتساوى الضابط والقاضي بالمواطن البسيط في الحقوق والواجبات  أن يتمكن البرلمان " الحقيقي" من مراقبة ميزانية الجيش والتأكد من أن مشروعاته المدنية تدفع الضرائب وأن أرباحها يتم ايداعها في ميزانية الدولة.

 في عام 2011 أمام ضغط الثورة قام المجلس العسكري باجبار مبارك على التنحي حتى يحافظ على النظام القديم ثم وجد نفسه في مواجهة مع الاخوان وشباب الثورة. تعامل المجلس العسكري مع الاخوان بنفس طريقة عبد الناصر: استغل تعطشهم للسلطة واستعملهم ضد القوى الديمقراطية، ثم انقلب عليهم ونكل بهم أما شباب الثورة فهم كتلة صعبة غامضة وظاهرة استثنائية في تاريخ مصر.

ملايين الشباب الذين نشأوا بلا مشروع قومى يجتمعون عليه ولا ثقافة سياسية، في ظل تعليم متدهور واعلام تافه كذاب موجه من أجهزة الأمن ..ثم اذا بهم فجأة، مثل الطفرة، يرفضون البحث عن عقود عمل في الخليج كما فعل آباؤهم ويمتلكون الوعي والشجاعة لتغيير الواقع في بلادهم وهم لا يسعون لتولى السلطة، وبالتالي لايمكن شراؤهم مثل الاخوان.

اعتبر المجلس العسكري شباب الثورة أخطر أعدائه وشحذ كل أسلحته للقضاء عليهم، فبدأ حملة اعلامية جبارة لتشويه سمعتهم واتهامهم بالخيانة وتحميلهم مسؤولية الفوضى الناتجة عن الانفلات الأمني المتعمد من أجهزة الأمن. في نفس الوقت، من أجل اضعاف الثورة، توالت مذابح راح ضحيتها مئات الشباب مثل مذابح محمد محمود ومجلس الوزراء وبورسعيد وماسبيرو والعباسية الأولى والثانية وماسبيرو وغيرها.

نجحت خطة المجلس العسكري وأصبح مصريون كثيرون يكرهون الثورة ويعتبرونها سبب تدهور الاوضاع مع انها لم تحكم يوما واحدا. اشترك معظم شباب الثورة مع ملايين المصريين في مظاهرات 30 يونيو ليطالبوا مرسي بانتخابات رئاسية مبكرة. لم ينفذ السيسي تعهده وقرر الاستيلاء على السلطة لكنه لم ينس قط أن الخطر الحقيقي على نظامه سيكون مصدره شباب الثورة فاعتقل منهم الآلاف حتى لم يعد ينقضي شهر واحد بغير اعتقال للثوريين. آخر اعتقال طال زياد العليمي وحسام مؤنس وهشام فؤاد وهم معروفون بانتمائهم  للفكر الاشتراكي مما يجعلهم بالضرورة  في خصومة كاملة مع الاسلام السياسي لكنهم، للعجب، يحاكمون بتهمة التعاون مع الاخوان. هذا الاتهام السخيف الهزلي صار يلاحق كل من يعارض السيسي حتى أن محاميا من المتصلين بالأمن قدم ضدى شخصيا بلاغا للنائب العام منذ يومين وجه لي فيه نفس الاتهام: "التعاون مع الاخوان" مع ان خصومتي الفكرية والسياسية معهم معروفة.

لقد صار نظام السيسي يلقى بالمعارضين في السجن أولا ثم يبحث لهم عن اتهام .. الأسخف من ذلك الفيلم الذي أصدرته وزارة الداخلية عن قضية زياد العليمي. لن ترى في هذا الفيلم متهمين ولا أدلة ولا أحرازا. لاشيء سوى لافتة لشركة مقاولات ثم يفتح شخص ما خزينة الشركة فيجد رزما من الأوراق النقدية وهنا تنبعث موسيقى عسكرية حماسية وكأن وجود المال في خزينة شركة يعتبر جريمة شنعاء (!!)..

زياد العليمي يعاني من حساسية شديدة في الصدر وهو يحتاج إلى تنفس الهواء النقي لكن ادارة السجن تتعنت معه، مما أصابه بنوبات من ضيق التنفس تعرض حياته للخطر. هذا الاهمال الطبي المتعمد قتل محمد مرسي مؤخرا ويهدد الآن حياة عبد المنعم ابو الفتوح الذي يعانى من الذبحة الصدرية كما يهدد حياة حازم عبد العظيم الذي يحتاج إلى جراحة عاجلة في الحوض وكذلك محمد البلتاجي وأحمد دومة وآلاف المعتقلين الذين يصل اهمال ادارة السجن لهم إلى درجة القتل العمد ..ماذا يريد السيسي من زياد العليمي؟ ..السبب الحقيقي وراء القبض على زياد ورفاقه انهم قرروا خوض الانتخابات القادمة وهذ أبسط حقوقهم. السيسي يعتبر شباب الثورة أعداءه وهو يريد أن يتخلص منهم، يريد أن يكسر ارادتهم، أن يدفعهم إلى اليأس والاحباط أو يضطرهم إلى الفرار من بلادهم أو يلقي بهم في السجن.. عبد الفتاح السيسي درس العلوم العسكرية لكنه قطعا لم يقرأ التاريخ لأن من يقرأه سيتعلم أن الثورات اذا حدثت فانها تسبب تغيرا عميقا شاملا في المجتمع يستحيل تجاهله أو الغاؤه.

الثورة فكرة والتاريخ يعلمنا ان القمع لا يقضى أبدا على الفكرة وانما يزيد من قوتها وتأثيرها. تلفيق القضايا لزياد العليمي ومن معه لن يكسرهم أبدا وهناك في مصر ملايين الشباب الذين صنعوا الثورة أول مرة وهم قادرون على استعادتها في أي لحظة. ان نهاية الظلم تقترب..بأسرع مما يتوقع الكثيرون.

 الديمقراطية هي الحل

[email protected]

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.