علاء الأسواني: هل يحتاج الإسلام إلى سيوف وأسود؟!
١٣ أكتوبر ٢٠٢٠توفي داعية اسلامي فكتب مريده هذه الكلمات في رثائه:
"لم تكن تشعر أن الفقيد كاتب يكتب أو متحدث يتكلم وإنما تشعر أنه مقاتل في معركة يحمل السلاح، ومجاهد مرابط على الثغور يحمي الديار، فترى بارقة السيوف فيما يكتب أو يخطب"
وكتب مريد آخر يرثي نفس الداعية:
"اننا ننعى اليوم حجة الإسلام وكاسحة الألغام التي تكسح الفكر التغريبي وتكسر صناديد العلمانية المنسلخين عن عقيدتنا وشريعتنا وحضارتنا"
هذا الداعية رحمه الله اشتهر بمناظراته مع أنصار الدولة المدنية. هذه المناظرات لم يكن لها أي علاقة بآداب الحوار أو المناقشة العلمية وانما كانت مشاجرات صاخبة يعلو فيها صوت الشيخ ليتطاول على المختلفين معه ويتهمهم بالجهل والعمالة للغرب الصليبي والصهيونية، وهو يفعل ذلك وسط تهليل وتصفيق أنصاره الذين يعتقدون أنه يخدم الاسلام بهذه الطريقة الغوغائية. شيخ آخر يتبع نفس الأسلوب يتم تقديمه بلقب "أسد الحق الذى يزلزل الأرض تحت أقدام العلمانيين أعداء الاسلام وعملاء الصليبين والصهاينة".
وهناك أسد آخر من أسود الاسلام كتب مرة:
"العلمانية معناها أن تحب الفاحشة وتكره الاحتشام والفضيلة وتدافع عن العري والزنا واللواط وأن تشكك في الدين وتطعن في الامام البخاري وتحاول هدم ثوابت الأمة".
هذه اللغة في تمجيد شيوخ الاسلاميين وتحقير من يخالفهم أصبحت الآن منتشرة وعادية وسوف تجد على يوتيوب عشرات المناظرات من هذا النوع وعادة ما يكون العنوان
"الشيخ فلان أسد الاسلام يمسح الأرض بالعلمانيين ويكشف انحلالهم وعداءهم للدين".
في خضم هذه المعارك لابد أن نطرح سؤالا:
"هل يحتاج أي دين إلى أسد يهجم على المختلفين معه ويفترسهم أو إلى سيف يمزقهم إربا ..؟ .. الاجابة البديهية أن الدين لا يحتاج إلى أي حرب أو قتال وانما هو يحتاج إلى الاقناع بأسلوب متحضر هادئ ويحتاج إلى قدوة حسنة تلخص مبادئ الدين على هيئة سلوك اخلاقي راق يشكل نموذجا يحتذى به. الاسلام كدين، اذن، لا يحتاج إلى أسود وسيوف، لكن الاسلام السياسي يحتاج إلى أسود وسيوف. الاسلام دين والاسلام السياسي عقيدة سياسية. الاسلام السياسي يقدم لأتباعه تصورا ثابتا للعالم يقوم على الافتراضات التالية:
أولا: أن الاسلام يتعرض إلى مؤامرة كونية كبرى تشترك فيها الدول الغربية والحركات الصهيونية والماسونية وأطراف أخرى خفية تحكم العالم وتتحكم في الأحداث من خلف الستار. هذه المؤامرة تستهدف أساسا هدم الاسلام ونشر الفسوق والمجون بين المسلمين.
ثانيا: لن يعود مجد الاسلام الا باستعادة الخلافة الاسلامية التي انتهت بسقوط الدولة العثمانية عام 1924.
ثالثا: العلمانيون منحرفون فكريا ومنحلون جنسيا وهم ينفذون مخططا لهدم الاسلام بالاتفاق مع الصليبيين والصهاينة.
هذه الافتراضات الثلاثة مجرد أوهام وخزعبلات كما أوضحنا من قبل في أكثر من مقال، فالدول الغربية لا تعبأ بالإسلام ولا بأي دين آخر، وانما تهتم فقط بمصالحها والاحتلال العثماني لمصر ارتكب جرائم بشعة في حق المصريين ولم يعبأ اطلاقا بمبادئ الاسلام والخلافة الإسلامية، بمعنى نظام الحكم القائم على الدين لم توجد في التاريخ أساسا والامبراطورية الإسلامية (برغم تقدمها في العلوم والفنون) لم تقم على مبادئ الدين وانما قامت مثل كل الامبراطوريات القديمة على المؤامرات والمذابح.
كما أن رواد الفن والعلم العلمانيين في مصر منذ عهد محمد علي وحتى الآن تعلموا في الغرب ونقلوا إلينا التنوير والحداثة في كل المجالات، ولولاهم لظلت بلادنا تسبح في الجهل.
كل هذه حقائق تاريخية قاطعة لكنها لا تقنع أتباع الاسلام السياسي لأن شيوخهم غسلوا أدمغتهم باستعمال عواطفهم الدينية. على مدى أربعين عاما انتشر الفكر الوهابي في كل أنحاء العالم باستعمال أموال النفط، وقد صرح محمد بن سلمان مؤخرا لصحيفة الواشنطن بوست أن السعودية قد نشرت الوهابية في إطار الحرب الباردة بطلب من الولايات المتحدة (وهذا دليل آخر على أن الدول الغربية لا تعبأ الا بمصالحها).
أصبحنا الآن أمام طريقتين مختلفتين لفهم الاسلام: دين الاسلام الأصلي وهو تجسيد للقيم الانسانية كالعدل والحرية والمساواة والتسامح، والاسلام السياسي وهو عقيدة حرب فاشية تعادي العلمانيين وغير المسلمين وتعتبر محاربتهم واجبا دينيا.
لقد أدى الاسلام السياسي دورا تخريبيا في مجال الدين والسياسة فقد ترسخت أفكار متطرفة في أذهان ملايين المصريين. منذ سنوات كتبت قصة خيالية وصفت فيها لقاء البابا شنوده بشهداء ثورة يناير في الجنة ففوجئت بسيل من الرسائل الغاضبة من مسلمين يلومونني لأنني تخيلت أن المسيحيين سيدخلون الجنة. أضف إلى ذلك احتقار الفنون والغناء والتمثيل الذي انتشر في مصر بسبب الأفكار الوهابية.
من الناحية السياسية فان جماعات الاسلام السياسي (الاخوان المسلمون والسلفيون) خانوا ثورة يناير وتحالفوا مع المجلس العسكري وأيدوا المذابح العديدة التي ارتكبها ضد شباب الثورة. اذا كنا نتعلم من التاريخ فيجب أن نبدأ من حيث انتهت الدول المتقدمة ويجب أن نفهم أن فصل الدين عن الدولة شرط أساسي للتقدم، ولا يعني ذلك العداء للدين أو التخلي عن مبادئه الفاضلة. لكن الدين يجب أن يظل شأنا شخصيا لا يرتب حقوقا سياسية لمعتنقيه. ويجب أن تكون الدولة مؤسسة مدنية تقف على نفس المسافة مع الأديان جميعا.
بفضل العلمانية يعيش المسلمون في الدول الغربية تحت حماية القانون ويتمكنون من بناء المساجد وممارسة عقيدتهم بكل حرية واحترام. ان الاسلام دين نستمد منه القيم الإنسانية، لكنه لم يقدم تاريخيا قط ولا يجوز له أن يقدم نموذجا لبناء الدولة. تطبيق العلمانية أول شروط الديمقراطية.
الديمقراطية هي الحل
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.