علاقات إيران مع الغرب بين العصا والجزرة
٦ أغسطس ٢٠٠٩كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في مقدمة الزعماء الغربيين الذين عبروا عن موقف واضح وصارم تجاه نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران وتداعياتها المثيرة للجدل، فقد طالبت بعيد الإعلان عنها بإعادة فرز أصوات الناخبين وفقا لما طالبت به المعارضة الإيرانية. وحملت ميركل الحكومة الإيرانية مسؤولية التصعيد والقمع الذي تعرض له المتظاهرون المسالمون الذين احتجوا على التجاوزات التي شابت هذه الانتخابات، وعادت ميركل إلى ذاكرتها لتستوحي بعض مبررات موقفها من تطورات الوضع في الجمهورية الإسلامية بقولها: "أعرف من خلال تجربتي الشخصية في ألمانيا الديمقراطية سابقا، أهمية أن يكون هناك أناس يهتمون بمصير آخرين يعانون في مناطق أخرى من العالم".
وظلت ميركل متشبثة بنهجها حتى بعد وصول باراك اوباما إلى البيت الأبيض الذي اعتمد نهجا مغايرا عن سلفه جورج بوش، باختياره لغة الحوار بدل التصعيد والتهديد بالحرب. إلا أن التطورات المتلاحقة التي صاحبت الانتخابات الرئاسية دفعت واشنطن بدورها إلى تغيير لهجتها تجاه طهران.
مؤشرات على تصعيد في سياسة واشنطن اتجاه طهران
اتسم الموقف الأمريكي تجاه الانتخابات الرئاسية الإيرانية في البداية بالحذر الشديد، خصوصا وأنها جاءت بعد توجيه الرئيس باراك أوباما رسالة عبر الفيديو إلى الشعب الإيراني يهنأه فيها بمناسبة السنة الفارسية الجديدة. رسالة تنخرط في إطار سياسة الحوار الشامل مع العالم الإسلامي التي تبنتها إدارة أوباما. ورغم أن الأخير شدد على ضرورة احترام حقوق الإنسان في تعليقه الأولي على تعامل الحكومة الإيرانية مع الاحتجاجات الشعبية، إلا أنه حاول جاهدا تفادي إعطاء الانطباع بالتدخل في الشؤون الداخلية للجمهورية الإسلامية، قبل أن يشدد لهجته خلال قمة الدول الصناعية الكبرى التي احتضنتها ايطاليا خلال هذا الصيف. قمة كانت مناسبة لشجب العنف الذي استعملته قوات الأمن الإيرانية مع المتظاهرين. وزاد من الطين بلة التصريحات المتكررة للرئيس أحمدي نجاد التي يصر فيها على إنكار الهولوكست إبان الفترة النازية، أضف إلى ذالك الرقابة الصارمة التي فرضت على وسائل الإعلام لمنعها من تغطية الاحتجاجات الأعنف من نوعها التي تعرفها إيران منذ إعلان الجمهورية الإسلامية.
وهذه كلها عوامل أرغمت الإدارة الأمريكية على تغيير لهجتها، وهو ما انعكس في البيان الختامي لقمة الدول الصناعية الكبرى الذي عكس حسب الرئيس أوباما "موقفنا المدين بشدة للقمع الذي تعرض له المتظاهرون المسالمون بعد الانتخابات في إيران". وأضاف أوباما: "إنها إدانة واضحة لأعمال تخرق القواعد المعمول بها دوليا". الضغط على طهران زاد أيضا في موضوع البرنامج النووي، إذ أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بناء ذرع دفاعي لحماية حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط إذا ما أصرت طهران على مواصلة برنامجها النووي. بل وذهبت كلينتون أبعد من ذلك حين أعلنت عن احتمال فرض عقوبات صارمة قد تشمل حظرا على واردات إيران من مادة البنزين. فرغم أن هذا البلد يملك إحدى أكبر احتياطات العالم من البترول إلا أنه لا يملك العدد الكافي من المصافي لتغطية حاجياته من هذه المادة.
خبير ألماني ينصح بعدم اللجوء إلى سياسة العقوبات على طهران
لكن الخبير الألماني كريستوف برترام Christoph Bertram، المدير السابق لمؤسسة برلين للدراسات السياسية والاقتصادية القوى الغربية ينصح بعدم اللجوء إلى سلاح العقوبات في تعاملها مع إيران. ودعا برترام في دراسة نشرها بداية العام الجاري إلى الالتزام بالواقعية السياسية إزاء بلد كبير ومهم من الناحية الإستراتجية في منطقة الشرق الأوسط. ويرى بأن على الغرب اختيار سياسة التعاون بدل المواجهة على أساس أن الشراكة في العلاقات الدولية تحددها المصالح المشتركة بين الدول، ولا تعني بالضرورة صداقة حميمة فيما بينها. وأضاف: "حينما نتأمل الوضع في أفغانستان على سبيل المثال يتضح أن إيران لا تنظر بعين الرضا إلى احتمال سيطرة طالبان على هذا البلد. كما لها مشاكل أيضا مع الإرهاب وتجارة المخدرات، ولها مصالح في استقرار منطقة الخليج وخاصة جارتها العراق."
الخبير الألماني يعتبر بأنه يمكن إيجاد أرضية مشتركة في كل هذه الملفات تقوم على التعاون. من جهتها حذرت الناشطة الحقوقية الإيرانية الحاصلة على جائزة نوبل للسلام شرين عبادي خلال زيارتها لمقر إذاعتنا من فرض عقوبات اقتصادية على إيران معتبرة أن ذلك سيضر بالشعب الإيراني أكثر مما سيضر بالنظام، ودعت الدول الأوروبية بدلا من ذالك إلى سحب سفراءها من طهران للتشاور، ولكن دون قطع للعلاقات الدبلوماسية لأن من شان ذلك حسب رأيها عزل القيادة الإيرانية عن المجتمع الدولي.
الكاتب: ماتياس فون هاين/ حسن زنيند
مراجعة: ابراهيم محمد