"على المغرب مواجهة الكاف والتشبث بتنظيم كأس أفريقيا"
١٢ نوفمبر ٢٠١٤
DWعربية: المغرب طلب التأجيل و"الكاف" قرر بعد اجتماع أعضائه يوم الثلاثاء (12 نوفمبر/تشرين الثاني 2014) اعتبار طلبه محاولة للاعتذار من تنظيم بطولة كأس الأمم الإفريقية التي كانت مقررة مطلع العام المقبل، فسُحب من المغرب حق تنظيمها. كيف قرأتم رد الفعل الرسمي بالمغرب بعد صدور القرار:
بدر الدين الإدريسي: اعتبر المسؤولون المغاربة أن الاتحاد الأفريقي لكرة القدم كيّف بالطريقة التي تلائم توجهاته، طلب التأجيل الذي قدمه (المغرب) الشهر الماضي. وقرر الاتحاد الأفريقي لكرة القدم رفض الطلب المغربي، بعد أن أمهله مدة للحسم في أمر تنظيم البطولة الأفريقية في المواعيد المشار إليها، وهذا يدل على أن الاتحاد الأفريقي كان يرفض أي اقتراح لنقل البطولة إلى تاريخ لاحق. المغرب يقول إن الاتحاد الأفريقي فسّر الرد المغربي حسب ما يلائمه، لأن المغرب لم يقل ضمنيا أنه سينسحب أو يرفض تنظيم أمم أفريقيا، وإنما هو أعاد طلبه لتأجيل موعدها فقط. أنا شخصيا أعتقد أن هناك فارق كبير بين الرفض وطلب التأجيل، يجب قياسه بطريقة عقلانية.
وحسب رأيك لماذا تعامل "الكاف" مع المغرب بهذه الطريقة، رغم أنه وافق عام 2004 بأن تقوم تونس بتأجيل موعد البطولة ذاتها، لتقاطع موعدها مع شهر رمضان حينها؟
من الضروري الإشارة إلى أن المغرب هو الذي سعى إلى احتضان هذه التظاهرة الكروية التي لم ينظمها إلا مرة واحدة في تاريخه، وكان ذلك عام 1988. المغرب يسعى، في إطار إستراتيجية تهدف إلى الانفتاح على محيطه الخارجي، إلى تنظيم دورات رياضية إقليمية وقارية، تنعكس إيجابا على الوضع الكروي المحلي، ومن أجل تطوير المنظومة الرياضية ولإنعاش المشهد الكروي الوطني. إذا المغرب وقع اتفاقية تلزمه على الوفاء بأشياء تعهد بها، ومن بينها تهيئة جميع الظروف لذلك. وكانت هناك العديد من الزيارات الميدانية والتفقدية كشفت أن المغرب مصر على تنظيم التظاهرة وأنه كان يرصد جميع إمكانياته اللوجيستية والفنية والبشرية والمادية لتحقيق هذا الغرض.
ومن هذا المنطلق ألم يكن المغرب مطالبا بالوفاء بتعهداته مهما كانت الظروف؟
ما يجري الحديث عنه اليوم هو ما يجري الحديث عنه دائما في البطولات الدولية، ويتعلق الأمر بـ"قوة قاهرة". والمشكل أن المقاربة كانت ضعيفة، إذ يُحمل الاتحاد الإفريقي المسؤولية، تماما مثل الجانب المغربي. والسبب الذي يجعلني أقول بأنها مقاربة ضعيفة، يتجلى بأنه كان من المفروض عقد نقاش ديمقراطي مسؤول للوصول إلى حل توافقي، يتم عبره اعتبار ما إذا كان وباء "إيبولا" الذي يحصد أرواح العشرات من الأفارقة كل يوم، قوة "قاهرة" أم لا. إذا كان علينا جميعا أن نمهل أنفسنا بعض الوقت، أو نؤجل هذه البطولة، بغض النظر عن جميع الإكراهات التي تحدث عنها "الكاف". المشكل هو أن التصلب كان سيد الموقف. الجانب المغربي قال إن هناك "قوة قاهرة"، ولا يمكنه تنظيم تظاهرة أفريقية مع بلوغ مستوى المجازفة نقطة تفوق الصفر. ومعلوم أن الدول النامية وكلّما تعلق الأمر بدرجة مجازفة تفوق الصفر شيئا ما، إلا وتسود حالة من التعبئة القصوى. للأسف، الاتحاد الأفريقي لم يأخذ بمنطق "القوة القاهرة"، وإنما استند على إكراهات تحدث عنها صراحة في بيانه وتتجلى في العقود المبرمة مع القنوات التلفزيونية ومع الرعاة وأشار أيضا إلى الالتزامات على مستوى الرزمانة الزمنية، مقابل إصرار مغربي لتأجيل الموعد، كي لا يقال الرفض، حتى لا يحسب عليه كبلد يؤسس للعمق الإفريقي بمقاربة حديثة ومتطورة.
وما أهمية التأجيل في حال "إيبولا" مع العلم أن الخطوات الطبية التي تمّ قطعها إلى غاية اللحظة لا تنذر بسيطرة سريعة على المرض؟ ألم يكن "الكاف" محقا في هذه النقطة بالذات باعتبار أن طلب التأجيل يعني عمليا الرفض؟
أنا شخصيا كنت أتمنى لو كان "الكاف" منذ تلقيه في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول رسالة المغرب، أوفد فريقا رفيع المستوى، يضم خبراء في المجال التنظيمي والطبي، وكانت هناك دراسة موضوعية وعقلانية شاملة لتحديد أولا درجة خطورة هذا الوباء، وبعد ذلك لتحديد الخطوات الاحترازية التي يمكن للمغرب نهجها بما في ذلك إمكانية التأجيل. وكان من الأولى أن يصدر عن لجنة كهذه تقرير شامل يرفع إلى اللجنة التنفيذية للاتحاد الأفريقي لكرة القدم للنظر في الأمر. في حين اكتفى "الكاف" بالتعبير عن استغرابه في الحادي عشر من أكتوبر/تشرين الأول من طلب المغرب، معلنا أن القرار النهائي سيصدر في الشهر القادم، من دون فتح المجال لحوار ثنائي كما تملي على ذلك التعاقدات، التي تلزم الطرفين بالتوصل إلى توافقات، عوض الوصول إلى نقطة لا تقاطع ولا التقاء، كما حدث للأسف. أشاطرك الرأي أنه حين يتكلم المغرب عن الوباء كـ"قوة قاهرة"، فطالما ظل الخطر قائما لا يمكن تنظيم البطولة. ولهذا قدم المغرب مقترحين، تأجيل البطولة إلى منتصف 2015 أو بداية 2016، لكونه يراهن على نتائج الأبحاث الطبية المضنية التي تجرى في هذا الإطار.
ما الذي كان مطلوبا من الاتحاد الأفريقي؟
أنا أعتقد، أنه وإذا كان الأخير يعتبر الكوارث الطبيعية والحروب والثورات أشياء تدرج ضمن تعريفات مصطلح "القوة القاهرة"، فأنا أعتقد أن الأوبئة أخطر من ذلك بكثير لكونها تخترق التجمعات البشرية وقد تدمرها بالكامل. في المقابل، قلّل الاتحاد من حدة مخاوف المغرب، بالقول في بيان سابق بأن كأس الأمم الإفريقية لن يحضرها أكثر من ألف شخص. أنا أرى أن هذا التصريح تحقير شديد لمنافسة قارية تعتبر اليوم نظرا لقوة نسب المشاهدة والتأثير في المشهد الكروي الرياضي العالمي رابع أفضل وأقوى بطولة بعد المونديال والبطولة الأوروبية والأولمبية. والاتحاد الإفريقي يعرف جيدا أنه بتأهل الأشقاء، المنتخب الجزائري والتونسي والمصري، -ونحن نتمنى ذلك- كان سيحضر ما لا يقل عن 30 أو 40 ألف زائر دون احتساب الأشقاء الأفارقة القادمين من جنوب الصحراء.
الآن وبعد أن صدر القرار، ما هي العقوبات التي تتهدد المغرب؟
تحدثت عن اتفاق الإطار، وهو اتفاق يضع كل طرف أمام مسؤوليته وتعهداته، إن أخل بها فأنه سيواجه عقوبات مادية ورياضية. ووفق هذا الإطار، إذا ما انسحب المغرب من التنظيم ثلاثة أشهر قبل انطلاق البطولة، فتتهدده غرامة مالية يمكن أن تصل إلى مليون دولار لتغطية الخسائر الناجمة عن تعذر تنظيم البطولة. وفي حال تمت إقامة البطولة في موعدها، فإنه لا يمكن للاتحاد الأفريقي الإدعاء بحدوث خسائر. من جهته، أعلن الإتحاد أنه فوض اللجنة المنظمة، طبقا للوائح، النظر في شأن العقوبات التي يمكن تطبيقها بحق الجامعة المغربية. وهذا لأنه يدرك جيدا وجود الفارق بين أن تقول أنك لا تريد تنظيم التظاهرة وأن تقول أنك تطلب تأجيلها. نحن الآن أمام سيناريوهات محتملة وعلى المغرب الاستعداد لجميع الاحتمالات. وقد قلت جازما أن على المغرب الانتقال من موقف الدفاع عن النفس إلى الهجوم، لأنه يبرز حقا إنسانيا وأخلاقيا، أولا ليقول إن ليس "للكاف" الحق في أن يسحب حق تنظيم كأس الأمم الأفريقية منه، وأن عليه (الكاف) الإعلان بوضوح أنه لا يعتبر "إيبولا" قوة "قاهرة". وأكثر ما يخشاه المغرب هي العقوبات الرياضية على أن يتم تجميد عمل المنتخبات والأندية المحلية لمدة يتم تحديدها لاحقا وقد تصل في أقصى الحالات إلى أربع سنوات. وكرد فعل، سعى المغرب إلى الانفتاح على مجموعة من الدراسات القانونية للتكييف القانوني لهذه المنازلة، للتأكيد أن أبعاد القوة "القاهرة" وفق التأويلات الفقهية والقانونية تتماشى مع وباء "إيبولا". ومن هذا المنطلق، أستبعد بأن يتم فرض عقوبات رياضية على المغرب، وإن حدث ذلك فإنه سيحدث زلزالا داخل الاتحاد الأفريقي نفسه الذي يعاني حاليا من التخبط والاختلال الوظيفي.
*بدر الدين الإدريسي محلل ومعلق رياضي مغربي، يشغل حاليا منصب مدير جريدة "المنتخب" المغربية.